أجواء من التوتر والغموض تسيطر على عملية اختيار تشكيل الحكومة المصرية الجديدة بعد إعادة تكليف رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي؛ بسبب اعتذار عدد من المرشحين لتولي بعض الحقائب الوزارية وعدم التوافق على اختيار آخرين.
ويستمر مدبولي في عقد لقاءات مع المرشحين لتولي الوزارات المختلفة وسط توقعات بأن يتم الإعلان عن التشكيل الجديد قبل نهاية هذا الأسبوع أو إرجاؤه إلى ما بعد إجازة عيد الأضحى في حال لاقت الأسماء المتفق عليها اعتراضات رئاسية.
قوائم مسبقة لاختيار الوزراء
وقال مصدر حكومي مطلع لـ"عربي بوست" إن الأيام الماضية كانت شاهدة على مزيد من فلترة الأسماء المرشحة لتولي قيادة الوزارات المختلفة، وإن أجهزة رسمية وضعت قوائم للشخصيات التي يمكن الاختيار من خلالها وجرى ترشيح من ثلاثة إلى خمسة أسماء لكل وزارة على أن يقع الاختيار في النهاية على واحد منهم وذلك في الوزارات التي جرى حسم تغييرها.
ولفت المصدر إلى أن هناك جهات رقابية عديدة تشارك في عملية الاختيار الأخيرة للوزراء، موضحاً أن التغييرات تبقى لأسباب مرتبطة بتقارير الأداء التي تصدر عن مؤسسة الرئاسة بشكل دوري، ومدى قدرة الوزراء على القيام بأعمالهم التنفيذية.
ولفت إلى أن الحكومة الجديدة من المتوقع أن تشهد ظهور ما بين 14 إلى 17 وزيراً جديداً، خصوصاً بعد اعتذار عدد من الوزراء الحاليين عن الاستمرار في مناصبهم منذ فترة لأسباب صحية في الأغلب وفي مقدمتهم وزير الخارجية سامح شكري الذي تولى منصبه منذ يوليو/تموز من العام 2014 وقبع به لمدة عشر سنوات، وكذلك وزير الكهرباء والطاقة المتجددة محمد شاكر الذي تولى منصبه في شهر مارس من عام 2014، إلى جانب استحداث وزارة للاستثمار بعد أن جرى إلغاؤها في عام 2019، وكذلك وزارة للطاقة منفصلة عن الكهرباء.
الوزارات المتوقع تغييرها
وأضاف المصدر ذاته أن المشاورات ما زالت جارية بشأن إمكانية تعيين وزيرة التخطيط هالة السعيد في منصب مساعد رئيس الوزراء لتكون مهمتها متابعة الملفات الاقتصادية على نحو أكبر.
كما أن هناك بعض الوزارات -بحسب المصدر- لم يتم حسم مصيرها بشكل نهائي في مقدمتها وزارة التربية والتعليم التي يقبع على رأسها رضا حجازي، إذ إن التعديل الوزاري يأتي بالتزامن مع انطلاق امتحانات الثانوية العامة في مصر (البكالوريا)، وهناك مطالبات بعدم إحداث حالة من التخبط داخل الوزارة في حال تولي وزير جديد رغم أن تقارير إنجاز المهام الخاص به أكد على ضرورة تغييره وتعيين آخر لديه القدرة على التعامل مع ملف تطوير التعليم.
وشدد المصدر على أن الوزارات المتوقع أن يطالها التغيير هي: التموين والمالية والثقافة والبيئة والطيران المدني والتعليم العالي والشباب والرياضة والصناعة والتجارة والصحة والعمل والتضامن الاجتماعي، والخارجية والكهرباء والتنمية المحلية، والأوقاف إلى جانب وزارة سيادية لم يسمها.
كما أنه لم يتم الاستقرار بعد على تعيين وزير جديد للتربية والتعليم في ظل اعتذار أحد الشخصيات وعدم التوافق على شخصية أخرى جرى ترشيحها من داخل الوزارة.
وأنه من المتوقع أن يتم الاستعانة بعدد من العاملين في قطاع البنوك في مقدمتهم علاء فاروق رئيس البنك الزراعي الذي جرى ترشيحه لتولي وزارة التموين، إلى جانب اختيار نائبين أو ثلاثة من البرلمان، من المتوقع أن يشغل أحمد السجيني منصب وزير التنمية المحلية.
وحدد بيان للرئاسة المصرية أولويات الحكومة الجديدة، وعلى رأسها الحفاظ على محددات الأمن القومي المصري في ضوء التحديات الإقليمية والدولية، ووضع ملف بناء الإنسان المصري على رأس قائمة الأولويات، خاصة في مجالات الصحة والتعليم، ومواصلة جهود تطوير المشاركة السياسية، وكذلك على صعيد ملفات الأمن والاستقرار ومكافحة الإرهاب بما يعزز ما تم إنجازه في هذا الصدد، وتطوير ملفات الثقافة والوعي الوطني، والخطاب الديني المعتدل، على النحو الذي يرسخ مفاهيم المواطنة والسلام المجتمعي.
التغيير الحكومي لتقليل غضب الشارع
مصدر آخر مقرب من الحكومة المصرية أوضح لـ"عربي بوست" أن المستهدف من تشكيل الحكومة الجديدة هو التعامل مع حالة السخط الشعبي تجاه أداء عدد من الوزارات الخدمية في مقدمتها التموين والصحة والتعليم، وأن الأشهر الماضية كانت شاهدة على العديد من اللقاءات التي أجرتها جهات رسمية مع أسماء عديدة في الداخل والخارج بشأن تولي عدد من الوزارات قبل أن ترشح في كل وزارة عدد محدد من المرشحين إلى رئيس الحكومة للاختيار بينهم.
وذهب المصدر ذاته لتأكيد أن الملف الاقتصادي أيضاً كان أحد الأسباب التي دفعت لإدخال تعديل على الحكومة المستقيلة، بخاصة بعد أزمة أرقام الموازنة العامة التي كشفها العديد من النواب تحت قبة البرلمان وعبرت عن فشل حكومي غير مسبوق، وهو ما يجعل محمد معيط، وزير المالية، على رأس المستبعدين من الحكومة، كما أن حالة التراجع التي أصابت وزارة البترول والطاقة خلال السنوات الأخيرة على مستوى تعزيز مسألة اكتشافات الغاز وعدم التحرك بشكل إيجابي لتوفير متطلبات الوقود المحلية والتي تحتاجها الكهرباء يقود أيضاً لإبعاد الوزير طارق الملا الذي يقبع في منصبه لأكثر من تسع سنوات.
ولفت إلى أن هناك موعداً جرى تحديده بشكل مبدئي لموافقة البرلمان على التشكيل الجديد على أن يكون ذلك الثلاثاء 11 يونيو/حزيران، غير أنه من الممكن إحداث تغيير في الموعد النهائي في حال كان هناك تعديلات جديدة على الأسماء التي جرى الاستقرار على أغلبها، على أن يعقب ذلك حركة موسعة أيضاً للمحافظين بنهاية هذا الأسبوع حال أدى الوزراء اليمين الأربعاء.
وأشار إلى أن الرئيس عبد الفتاح السيسي لديه رغبة في اختيار اثنين أو أكثر من الوجوه الشبابية سواء التي تقبع في مناصب قيادية داخل الوزارات وتقدم مردوداً إيجابياً في المهام الموكلة إليها أو من خلال تنسيقية شؤون الأحزاب من بين نوابها داخل البرلمان.
ونظم الدستور المصري واللائحة الداخلية لمجلس النواب، إجراءات التعديل الوزاري عن طريق اتخاذ عدد من الخطوات، حيث نصت المادة 129 من اللائحة الداخلية لمجلس النواب على أنه يحق لرئيس الجمهورية أن يقوم بإجراء تعديل وزاري عقب التشاور مع رئيس الوزراء، ويرسل كتاباً بذلك لمجلس النواب ويكون مبيناً فيه كافة الوزارات المراد إجراء تعديل فيها، وعرضه رئيس المجلس في أول جلسة تالية لوروده.
ونصّت على أنه في غير دور الانعقاد تتم دعوة المجلس لعقد جلسة طارئة من أجل مناقشة القرار خلال أسبوع من ورود كتاب رئيس الجمهورية للبتّ فيه، وتكون الموافقة على إجراء التعديل الوزاري، بموافقة أغلب الأعضاء الحاضرين وبما لا يقل عن ثلث عدد الأعضاء، كما يخطر رئيس الجمهورية من ذلك.
لماذا التغيير الحكومي الآن؟
ويؤكد مصدر سياسي قريب من الحكومة أن أزمة الحكومة الجديدة هي عدم معرفة معايير اختيار الوزراء فيها على وجه التحديد، وأن الحديث عن الكفاءة والخبرات ليس كافياً، كما أن حالة الغموض التي تحيط باللقاءات التي يعقدها رئيس الوزراء مصطفى مدبولي مع المرشحين وموعد التغيير أمر ليس إيجابياً وكان من المفترض أن يكون الرأي العام شريكاً في الاختيار مع ضرورة الاهتمام بوجود وزراء لديهم حسّ سياسي قادر على التعامل مع الأزمات العديدة التي يئن منها المواطنون.
ولفت إلى أن وزير التموين علي المصيلحي يعد سبباً رئيسياً في تسريع وتيرة استقالة الحكومة بعد ارتفاع سعر الخبز المدعم بنسبة تجاوزت 300%، وما ترتب على ذلك من حالة سخط شعبي في الأيام الأولى من هذا الشهر الذي شهد صرف الخبز بالسعر الجديد للمواطنين وهم أغلبهم من الطبقات الفقيرة و المعدمة، وكان ذلك بحاجة لإجراء تعديل وزاري يؤشر على وجود اختلاف في سياسات المرحلة المقبلة، وهو أمر مستبعد، إذ إن رئيس الوزراء باقي في منصبه كما أن نصف الحكومة قد يبقى أيضاً رغم الانتقادات الشعبية التي تواجهها بشكل مستمر.
وذكر أن تغيير العديد من الوجوة في الحكومة الجديدة يهدف لإرسال إشارات مفادها أن هناك تغييراً يذكر في حين أن السياسات التي وضعها صندوق النقد سيتم تنفيذها ويمكن القول إن هذا التغيير بمثابة نزهة مؤقتة تمنح متنسفاً قبل الإقدام على اتخاذ إجراءات أخرى صعبة في أسعار الكهرباء والوقود، وكذلك في العديد من الخدمات الأخرى التي تقدمها قطاعات حكومية عديدة.
ومؤخراً تقدمت النائبة آمال عبد الحميد، عضو مجلس النواب، بسؤال برلماني، إلى المستشار الدكتور حنفي جبالي رئيس المجلس، موجّه إلى الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، حول معايير وشروط اختيار أسماء المرشحين في تشكيل الحكومة الجديدة.
وتابعت: "ليست لدينا معايير محددة أو آليات واضحة لاختيار الوزراء والمحافظين في مصر، لذا لا بد أن نضع أيدينا على الكفاءات التي تحتاجها مصر خلال الوقت الراهن؛ لأن تكليفات وتوجيهات الرئيس لن تتحقق إذا لم يكن وراءها حكومة ذات خبرة ودراية".
وأوضحت أن منصب الوزير والمحافظ هو في الأساس منصب سياسى، ومن ثم لا بد لمن يشغله أن يكون على قدر من الرؤية السياسية، على مقربة من الشارع المصري وعلى دراية بمشاكل المواطن، وهنا يأتي دور الكفاءة التي تقضي على المشاكل بحلول علمية ومدروسة جيداً.
فيما أكد قيادي بحزب مستقبل وطن (صاحب الأغلبية في البرلمان)، تحدث شريطة عدم ذكر اسمه، على أن الكفاءة المهنية هي من تحسم اختيار الوزراء الجديد، وأن الأجهزة الرقابية تقدم تقاريرها إلى رئيس الوزراء بناءً على ما حققوه من قبل من إنجازات في مجالات عملهم، وكذلك التأكد من قدرتهم التعامل مع مشكلات سابقة حدثت خلال السنوات الماضية وكان لديهم دور في حلها، وقدرتهم على إدارة فريق عمل داخل الوزارة بجانب إمكانيات التحدث ومخاطبة الرأي العام.
وشدد على أن رئيس الوزراء استمع خلال الأيام الماضية لرؤى العديد من المرشحين بشأن تطوير العمل داخل وزاراتهم، ومدى قدرتهم على تحسين جودة الخدمات المقدمة إلى المواطنين، ومدى ارتباطهم بتفاصيل الأوضاع الاقتصادية الراهنة وكيفية التعامل معها، إلى جانب السمات الشخصية التي تؤهلهم لتنسيق العمل بين الوزارات والأجهزة والجهات المختلفة.