فجأة أبدى الرئيس الأمريكي، جو بايدن، رغبته في حلحلة ملف قضية الصحراء الغربية بدعوة مختلف أطراف النزاع، ممثلين في المغرب والجزائر وجبهة البوليساريو، للعودة إلى طاولة المفاوضات، من أجل إيجاد حل لهذه الأزمة المستمرة منذ نحو نصف قرن.
فقد دعت إدارة بايدن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، لتنظيم مؤتمر مع الأطراف الرئيسية في الملف، إلى جانب كل من إسبانيا وفرنسا والولايات المتحدة وروسيا، وفق ما ذكرته مجلة "Jeune Afrique" الفرنسية الإثنين 27 مايو/أيار 2024.
لكن هذه الدعوة التي كشفت عنها المجلة تثير الكثير من الأسئلة بخصوص توقيت الدعوة إليها، وأيضاً الأسباب التي دفعت بايدن للتحرك في قضية الصحراء الغربية، خاصة أنه لم يبق سوى أشهر قليلة على الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وماذا عن الموقِفين المغربي والجزائري من من هذه الدعوة؟
ما الذي يحرك أمريكا؟
في الوقت الذي تتجه فيه أنظار العالم صوب ما يقترفه الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، اختارت إدارة بايدن أن تثير ملف أزمة الصحراء الغربية في النصف الثاني من عام 2024، حيث ستكون الجزائر وأمريكا على موعد مع الانتخابات الرئاسية.
وتقول مجلة "Jeune Afrique" إنه من غير المرجح أن تظهر حلاً سياسياً لقضية الصحراء الغربية أو تقدماً لهذا الملف خلال هذا العام، لكن استئناف المفاوضات "سيتم احتسابه لصالح الساكن الحالي للبيت الأبيض وقصر المرادية في الجزائر".
وتضيف المجلة الفرنسية أن إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، تهدف إلى إعادة إطلاق المفاوضات بشأن الصحراء والخروج من حالة الجمود التي يعرفها الملف منذ توقف المفاوضات المباشرة بين أطراف النزاع عام 2008.
فقد استقبلت الجزائر، الداعم الثابت لجبهة البوليساريو، نائب وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى، جوشوا هاريس، في سبتمبر/أيلول 2023، وكانت تلك الزيارة هي الثانية للمسؤول الأمريكي للجزائر في أقل من ثلاثة أشهر.
وفقاً لوزارة الخارجية، توجه الدبلوماسي الأمريكي بعد ذلك إلى الرباط للبحث عن "حل دائم ومشرف دون تأخير" لهذا النزاع. وحسب المجلة الفرنسية، يبدو أن واشنطن تريد إعادة تنشيط جهودها بعد الحرب في غزة للدفاع عن "اتفاقات أبراهام".
كما تريد الولايات المتحدة أن تثبت أنه، رغم المأساة الحالية في فلسطين بسبب العدوان الإسرائيلي المتواصل، لم تغفل عن منطقة المغرب العربي. واستفادت واشنطن مما يحدث في الشرق الأدنى وتداعيات ذلك على مصالحها الاستراتيجية من نزاع غير محسوم.
وتسعى الإدارة الأمريكية إلى اتخاذ مبادرات في عدة ملفات دولية (فلسطين، الصحراء أو أرمينيا)، لتعزيز الحلول السياسية التفاوضية مع الأطراف الرئيسية، قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقررة في نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
كما يجب الإشارة إلى أن منطقة البحر الأبيض المتوسط تبقى بالنسبة لأمريكا قضية أمنية وطاقوية وسياسية رئيسية. وتحاول واشنطن فرض إيقاع جديد والحفاظ على ميزتها الاستراتيجية عندما يعاد التفاوض على التوازنات العالمية.
هل التدخل الأمريكي ضروري؟
ويرى ريكاردو فابياني، الباحث في مركز "مجموعة الأزمات الدولية"، أنه قد يكون من الممكن إعادة إطلاق المفاوضات الرامية إلى التوصل إلى تسوية بشأن منطقة الصحراء الغربية المتنازع عليها بعد عمل دبلوماسي تمهيدي مُنهِك.
ويضيف وفق تقرير نشره المركز أن تحقيق تقدم نحو تسوية الإشكالية القائمة بشأن المنطقة سيكون صعباً دون دعم أمريكي أقوى.
وفي نفس الاتجاه ذهب محمد سالم عبد الفتاح، رئيس المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان، الذي اعتبر أن أمريكا تبقى الأنسب لقيادة جهود السلام في قضية الصحراء الغربية، خاصة أنها تتبنى موقفاً صريحاً إزاء هذا النزاع وتدعم بشكل واضح جهود المبعوث الأممي لحل الأزمة.
وأضاف أن واشنطن تملك من الخبرة الشيء الكثير فيما يتعلق بأزمة قضية الصحراء الغربية، وانخرطت منذ مدة في دعم جهود السلام وتمويل البعثة الأممية للصحراء.
بينما تساءل الخبير الجزائري في الشؤون السياسية والاستراتيجية، أحمد ميزاب، عن استخدام بعض المصطلحات التي تؤكد أن جمعية الأمم المتحدة تتلقى تعليمات وتوجيهات من رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، جو بايدن، من أجل معالجة بعض الملفات الحساسة.
ويعتقد المتحدث أن ملف الصحراء الغربية لا يمكن معالجته بهذا الأسلوب، ويتابع في السياق: "إذا كانت الأمم المتحدة تتلقى توجيهات فإننا هنا نتحدث عن إشكالية عميقة تحدث في المنظومة الدولية".
موقف الجزائر من قضية الصحراء الغربية لا يتغير
حسب المجلة الفرنسية، فإنه في هذه المرحلة، "وافقت الجزائر، وبالتحديد الرئيس عبد المجيد تبون، على عقد اجتماع أولي"، وذلك في أول رد على المبادرة الأمريكية الجديدة، مع العلم أن الجزائر عبرت مراراً عن دعمها لحق "الشعب الصحراوي" في تقرير مصيره.
لكن مصدراً جزائرياً مطلعاً على الملف قال لـ"عربي بوست" إن الحديث عن الشروع في مفاوضات في أروقة الأمم المتحدة بشأن قضية الصحراء الغربية يبقى في خانة التكهنات القابلة للتحقق في أي وقت، خاصة أن الملف يوجد على طاولة الجمعية العامة للأمم المتحدة.
ويشير المصدر إلى أن موقف الجزائر من قضية الصحراء الغربية معروف لدى العام والخاص ولا يمكن أن يتغير بين عشية وضحاها، ويؤكد في السياق "أنها ليست طرفاً مباشراً في النزاع بين المملكة المغربية وجبهة البوليساريو".
كما شدد المصدر على أن الجزائر "ليست معنية أصلاً بالموائد المستديرة الخاصة بالنزاع والحوارات المرتبطة بهذا الملف السياسي الذي يبقى لدى هيئة الأمم المتحدة التي تبقى قراراتها محل احترام لدى الجزائر خاصة أن "المينورسو" تعمل على تنفيذ خطة التسوية الأممية-الإفريقية لسنة 1991″.
بدوره وصف الخبير في الشؤون السياسية والاستراتيجية، أحمد ميزاب، الخبر الذي أوردته مجلة "Jeune Afrique" الفرنسية بأنه "مبالغ فيه"، وأوضح أن الجزائر ليست طرفاً حتى يتم إدراجها في عملية مفاوضات من أجل إيجاد حل لقضية الصحراء الغربية.
ويضيف في السياق: "إذا كان هناك مساعٍ من أجل ذلك فيجب أن تكون في إطار معترف به وهو الذي باشرته الأمم المتحدة وتعطل وجمد وعرقل وإلى غير ذلك من قبل الأطراف الأخرى".
وبخصوص الموائد المستديرة والمفاوضات التي لها علاقة بقضية الصحراء الغربية، يلفت المتحدث إلى حضور الجزائر وموريتانيا في هذه الموائد لكنهما كملاحظين وليسا كأطراف في النزاع.
ويواصل قائلاً: "أعتقد أن المعادلة في حد ذاتها تتنافى وقناعة الجزائر تماماً، وهذا ما يتعارض مع ثوابت الدبلوماسية الجزائرية، خاصة أن جبهة" بوليساريو" هي الممثل الرسمي للشعب الصحراوي".
ويبرز الخبير الاستراتيجي والسياسي أن كل الوقائع في الميدان مقارنة مع ما جاء في الخبر تؤكد أنه بعيد كل البعد عن الحقيقة لا سيما أن المقال استخدم بعض المعطيات لكن النتائج لا تتطابق مع الواقع".
المغرب متشبث بشروطه
في المقابل، فإن المجلة الفرنسية قالت إن واشنطن تنتظر رد المملكة المغربية على هذه الدعوة الأمريكية، بينما يساور القلق إدارة بايدن بشأن التوجه الاقتصادي الجديد للمغرب الذي يعتبر أحد أهم حلفائها في المنطقة المغاربية، في ظل ضبابية موقف إدارة جو بايدن بشأن اعتراف سلفه دونالد ترامب بمغربية الصحراء.
حيث أشارت "Jeune Afrique" إلى أن الرباط تعمل على تنويع شراكاتها الخارجية، في ضوء الشعور المتزايد بالتشكيك الإقليمي بشأن موثوقية واشنطن وباريس.
وهو ما يبرز من خلال الاستثمارات الصينية الجديدة في المغرب، خاصة في مجال صناعة السيارات الكهربائية، وكذا مذكرة التفاهم حول التعاون النووي المدني بين المغرب وروسيا في عام 2022.
لكن بالنسبة لعبد الفتاح الفاتحي، مدير مركز الصحراء وأفريقيا للدراسات الاستراتيجية، فإن المغرب رحب دائماً بتوصيات مجلس الأمن الأخيرة حول قضية الصحراء الغربية، ودعا في أكثر من مناسبة إلى ضرورة استئناف المفاوضات بمشاركة جميع الأطراف.
وأضاف الفاتحي في تصريح لـ"عربي بوست" أن المغرب سبق أن نبه المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، إلى الصحراء ستيفان دي ميستورا إلى ضرورة الوقوف على التزام الأطراف الأخرى بالتزاماتها للجلوس إلى طاولة الموائد المستديرة كما أسس لها المبعوث الشخصي السابق الألماني هورست كولر.
فيما استعرض وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة خلال لقائه الأخيرة مع دي ميستورا ما اعتبره عدم التزام الأطراف الأخرى، في إشارة إلى بوليساريو الجزائر، لقرار مجلس الأمن الدولي الأخير واستمرار الجبهة في مهاجمة المملكة عسكرياً.
وهذا ما دفع دي ميستورا إلى التحرك لحلحلة الملف على أساس رؤية أمريكية سابقة من خلال نائب وزير خارجيتها لما قام بزيارة للمغرب والجزائر، واعتبر الفاتحي أن "هذه الرؤية لا تزال تشكل أولوية في آخر ولاية بايدن لحسم هذا الملف بشكل نهائي".
وأكد مصدر من وزارة الخارجية المغربية لـ"عربي بوست" أن الرباط منفتحة على أي مبادرة من شأنها حل قضية الصحراء، غير أنه كشف عن تشبث المغرب بمجموعة من الشروط التي سبق أن وضعها من أجل العودة إلى طاولة المفاوضات.
المصدر أوضح أن هذه الشروط تتمثل في أن الرباط لن تقبل أي عملية سياسية خارج إطار الموائد المستديرة التي حددتها الأمم المتحدة، بمشاركة كاملة من الجزائر الداعم الرئيسي لجبهة البوليساريو التي تصفها الرباط بالانفصالية.
كما أضاف أن المغرب يرى أنه لا وجود لحل لقضية الصحراء الغربية خارج إطار المبادرة المغربية للحكم الذاتي، وأنه لا عملية سياسية جدية، في وقت ينتهك فيه وقف إطلاق النار يومياً من قبل "البوليساريو".
وهو ما أكده محمد سالم عبد الفتاح، رئيس المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان، حيث قال لـ"عربي بوست" إن ما وصفه بـ"اللاءات الثلاث" تبقى سقف التنازلات التي قدمها المغرب، ولا يمكن أن يقدم المزيد.