"حرام أن أنفق على الطفل الواحد في السنة 15 ألف جنيه دروس للسنتر وكتب بس، بإجمالي 45 ألف جنيه لأبنائي الثلاثة، وطبعاً الكارثة سببها أن المدارس التجريبية في مصر أصبحت منظومة بلا تدريس".
داخل إحدى مجموعات واتساب الخاصة بأولياء أمور مدرسة أحمد زويل التجريبية بمنطقة العمرانية بالجيزة، تشكو منال حسن حال التعليم بالمدرسة بعد انتهاء الفصل الدراسي لهذا العام.
نموذج منال واحد من آلاف الأسر المصرية التي تعاني من أزمة التعليم داخل المدارس التجريبية في مصر، بسبب كثافة الفصول وعجز المدرسين، والإقبال الشديد على هذا النوع من المدارس الحكومية التي تحولت إلى معضلة تؤرق الدولة والشعب.
وفي حديثها لـ"عربي بوست" تقول منال: "للأسف التعليم في المدرسة أصبح معدوماً، ولذلك الجميع يلجأ إلى الدروس، سواء في السناتر التعليمية التي تحيط بالمدرسة، أو الدروس الخاصة، والأغلب يلجأ إلى السنتر برغم الكثافة التي تصل إلى 40 طالباً، لتقليل التكلفة".
وأضافت المتحدثة أن "الحصة لأي مادة تدرس باللغات تكلفتها 75 جنيهاً، في مقابل 150 جنيهاً للدرس الخاص، وأنا شخصياً أدفع لأولادي الثلاثة 1500 جنيه شهرياً دروس، غير أننا نشتري الكتب المدرسية والخارجية مع مصاريف المدرسة".
وتحرص منال، مثل آلاف الأسر المصرية، علي تعليم أبنائها في المدارس التجريبية في مصر، إذ تعد أرخص مدرسة لغات داخل مصر، فلا تتخطى المصاريف الرسمية بها الـ2000 جنيه بحسب ما رصده "عربي بوست" من جولة قام به بعدة مدارس بمحافظة الجيزة.
في مقابل أكثر من 15 ألف جنيه تكلفة أقل مدرسة خاصة لغات في ذات النطاق الجغرافي، وأصبح التكدس وعجز المدرسين مع انخفاض كفاءة شريحة من العاملين بالفعل أكبر دوافع الأسر المصرية للبحث عن تعليم خارج المدرسة الحكومية العادية.
كم عدد المدارس التجريبية في مصر وعدد طلابها؟
ومدارس اللغات التجريبية هو الاسم الشائع لأحد أنواع مدارس التعليم المصرية الحكومية، والتي تصل إلى 10 أنواع من المدارس التي تدرس مراحل التعليم الثلاث الأساسية بمصر.
وقد تغير اسم هذا النوع من تجريبية إلى "المدارس الرسمية"، وهي تدرس نفس مناهج المدارس العادية، ولكن مع منهج إضافي للغة الإنجليزية، وتدريس مناهج العلوم والرياضيات باللغة الإنجليزية.
وبحسب آخر إحصاء رسمي في 2022، ذكر تقرير للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن عدد المدارس التجريبية في مصر بلغ 3099 مدرسة بإجمالي 27 ألفاً و294 فصلاً، من أصل ما يزيد عن 50 ألف مدرسة حكومية بمصر وهي تمثل 6% من المدارس الحكومية.
وبحسب ذات التقرير، فهناك مليون و215 ألفاً و479 طالباً يدرسون في هذه المدارس من أصل 28 مليون طالب في مدارس مصر بكافة أنواعها الخاصة والحكومية والأزهرية، ويعمل معهم 45 ألفاً و438 مدرساً، من أصل 1.10 مليون مدرس بمصر.
وقد تخطت كثافة الفصول في العام الدراسي الماضي الـ100 طالب داخل الفصل الواحد، وهو ضعف القرار المعلن من قبل وزارة التربية والتعليم، بحسب ما ذكره عدد من مسؤولي تلك المدارس لـ"عربي بوست"، وذلك في ظل الإقبال الشديد من قبل الأسر المصرية لإلحاق طلابهم بتلك المدارس.
المدرسة التجريبية في مصر.. أزمة منظومة التعليم
وعن أحوال المنظومة التعليمية داخل المدارس التجريبية في مصر، يقول ناظر مدرسة: بالطبع أزمة الكثافات معضلة ليس من السهل حلها، فحسب تعليمات الوزارة، فإن مديرية التعليم بالجيزة داخل كل محافظة ملزمة بقبول أي طفل يصل عمره خمس سنوات فأكثر، ولا يتخطى عمر السادسة.
وأضاف المتحدث لـ"عربي بوست": هذا الأمر دفع المسؤولين لتوزيع الطلاب على مدارس خارج الإدارة التعليمية للحي السكني للأسرة، ووصل الأمر إلى أن يكون الطالب من منطقة العمرانية ومدرسته في مدينة 6 أكتوبر.
ويوضح الناظر أن مدارس مصر بالكامل تعاني من عجز كبير في المعلمين، وهو ما دفع الإدارة التعليمية الاستعانة بمدرسين بنظام الحصة، أو بالتطوع، أو عبر الانتداب.
وحسب المتحدث، فإن هذا الأمر فتح باب تواجد معلمين غير أكفاء لهذا النوع من التعليم، خصوصاً في ظل المناهج التعليمية الجديدة ذات المستوى العلمي العالي والمكثف.
ويعترف محمد عبد الواحد، مدرس للرياضيات بإحدى مدارس الحكومية بالجيزة، إنه يتم انتدابه إلى عدد من المدارس التجريبية في مصر، ويقول لـ"عربي بوست": "ذلك الإجراء إجباري؛ نظراً لحالة العجز".
وأضاف المتحدث موضحاً أنه يتلقى قراراً من الوزارة عبر إدارة المدرسة التي يعمل بها لتدريس مادة الرياضيات باللغة الإنجليزية في إحدى المدارس التجريبية.
وعن إتقانه للغة الإنجليزية مما يسمح له بتدريس مادة الرياضيات في المدارس الرسمية للغات، يقول عبد الواحد: "منذ 4 سنوات كنت بالكاد أقوم باستيعاب المادة؛ نظرًا لضعف قدرتي في اللغة الإنجليزية إلا أنني أصبحت شبه ممارس للمنهج".
ويضيف أنه رغم اعتياده على تدريس المنهج بالانجليزية، إلا أن هناك عقبات تواجهه في بعض الدروس التي يطرأ عليها إضافات، وهو ما يؤثر على عملية شرح المادة للطلاب، ولكن ما يخفف الأزمة أن أغلب طلاب تلك المدارس يغيبون عن مدارسهم، لاعتمادهم على الدروس الخصوصية بسبب التكدس الطلابي وعجز المدرسين وضعف القدرة على التعلم.
كيف تأسست المدرسة التجريبية؟
وتعود فكرة تعليم المصريين بمدارس اللغات إلى عهد تولي محمد علي لحكم مصر، حين عمد إلى نقل محاكاة أساليب التعليم الدول الأجنبية إلى مصر، وكانت الإيطالية هي أولى اللغات الأجنبية التي تم تدريسها وإرسال بعثات إليها.
ولكن بعد فتره نجحت فرنسا في تنحية الإيطالية، ولكن كان محمد علي حذراً في الاعتماد على فرنسا، فكان يستعين برجال من دول امتازت في نواحي العلم والمعرفة مثل النمسا وإنجلترا.
ومع ذلك كان وجود الفرنسي هو الغالب، ثم جاءت ثورة 1952 واتخذت القرار بتمصير كافة المدارس الأجنبية، وفرضت الحراسة على المدارس الفرنسية والإنجليزية.
إعادة فكرة إنشاء مدارس لغات حكومية بمصر مع بداية 1977، وحينها أطلق عليها تجريبية؛ لكي يمكن تجريب الوسائل التعليمية الحديثة، وتم بالفعل تغيير مسمى مدرسة تجريبية للغات إلى المدارس الرسمية للغات.
ولكن مع الوقت تعرضت إدارات هذه المدارس إلى معاناة تجاه إقناع هذه المدارس بالاستجابة لقبول أعداد تفوق إمكاناتها؛ والتي أدت إلى ارتفاع كثافة الفصول، وانخفاض مسـتوى الرعاية، وانهيار حلم محمد علي بالواقع الحالي.
عقبات أمام تأسيس المدارس التجريبية
وعن كيفية عودة تلك المدارس لتحقيق أهدافها، يقول الدكتور مجدي حمزة، الخبير التربوي، إن تحويل المدارس الحكومية إلى المدارس التجريبية في مصر، كان هدفها تعليم اللغات بمصروفات أقل بكثير من نظيرتها الخاصة.
ولكن حمزة أشار إلى أن هناك عقبات حالت دون تحقيق أهداف تأسيس المدارس التجريبية في مصر، على رأسها ضعف الإمكانيات التعليمية لدى المعلمين في هذه المدارس.
وبحسب تصريحاته لـ"عربي بوست"، أكد حمزة أن حل أزمة المدارس التجريبية في مصر يتوقف على زيادة عددها والدفع بمجموعات من المعلمين بعد تلقيهم تدريبات كافية على تدريس المناهج باللغات المقررة، بالإضافة إلى منع استقدام معلمين من المدارس الحكومية الذين لا يتمتعون بالحد الأدنى من الدراية باللغات الأجنبية.
ويعيش الواقع التعليمي بمصر مأساة حقيقية، فبحسب تقرير البنك الدولي، فقد أدى تراجع الإنفاق العام على التعليم في مصر إلى نقص عدد المعلمين والفصول الدراسية في البلاد، حيث تعاني المدارس الحكومية من نقص في عدد المعلمين؛ جراء وقف التعيينات الجديدة في الوقت الذي ترتفع فيه أعداد طلاب المدارس الابتدائية باطراد.
فمصر الأكبر من حيث عدد الطلاب بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومعظمهم في المرحلة الابتدائية، و90% منهم في المدارس الحكومية، ويوجد ما يقرب من نصف أولئك الطلاب في المرحلة الابتدائية.
وبحسب تقرير البنك الدولي، فإن مصر بحاجة إلى بناء نحو 117 ألف فصل دراسي في غضون خمس سنوات لتخفيف الضغط على المدارس الحكومية وتقليل كثافة الفصول إلى 45 طالباً.
وقد خصصت مصر خلال موازنة السنة المالية 2024/ 2025، ميزانية قدرها 858.3 مليار جنيه للتعليم، مقارنة مع 591 ملياراً خلال العام المالي الحالي بمعدل نمو 45%.
ولكنَّ مصدراً حكومياً كشف لـ"عربي بوست" في تقرير سابق، أن الموازنة التي أعلنت عنها الحكومة ليست حقيقية ولا تدعو للتفاؤل الذي تم تصديره للمواطنين، قائلاً إن الحكومة أدخلت هذا العام مؤشراً جديداً ضمن الميزانية يرتبط بحجم مساهمة التعليم والصحة في سداد الديون الخارجية.
وهو ما يبرهن على أن خدمات التعليم سوف تشهد مزيداً من التراجع، هو أن الميزانية الخاصة به، وبحسب المصدر ذاته، فإن موازنة التعليم في العام الحالي 230 مليار جنيه تشكل 1.94% من إجمالي الناتج المحلي، فيما تؤشر موازنة العام الجديد والتي تصل إلى 295 مليار جنيه 1.7% من إجمالي الناتج المحلي.
الهدف.. إلغاء مجانية التعليم
وبحسب مصدر بالإدارة المركزية للتعليم العام التابعة بوزارة التربية والتعليم المصرية، فإن مخطط تخفيف الأعباء على الدولة في ملف التعليم، وأنه لتقديم خدمات ومستوى تعليمي جيد، فيجب أن يكون هناك موارد مالية.
وأضاف المصدر لـ"عربي بوست" أن هناك مخططاً للتوسع في المدارس الحكومية ذات المصاريف المرتفعة، حتى في المدارس الرسمية للغات – المدارس التجريبية – هناك نوعان منها، الأول العادية، والثاني المتميزة، والفرق في قيمة مصاريف المدارس.
وأشار المتحدث إلى أن هذا ما حدث مع المدارس العادية، حيث كانت فكرة إنشاء المدارس التجريبية بهدف توفير تكاليف التعليم، وتم ذلك عبر دفع مصاريف أعلى بالمقارنة بالمدارس العادية، وكذلك توفير ثمن الكتب الدراسية، والتي تباع منفصلة عن مصاريف المدرسة.
وفي السنوات القليلة الماضية، كان هناك توسع ملموس في المدارس التابعة للقوات المسلحة، والمدارس اليابانية، والمدارس القومية، وهي بديل تحقيق متميز باللغات للأسر، ولكن يجب أن يكون هناك تكلفة مقابل هذا التعليم.
وبمقارنة مصاريف تلك المدارس، سنجدها مهما كانت فهي أقل بكثير من مثيلاتها بالتعليم الخاص، ولتنفيذ التدريجي منعاً لغضب شعبي، وكذلك عدم التورط في مخالفات دستورية، لذا فهذا الأمر يتم بحرص وتدرج على المدى البعيد، يقول المتحدث.
وربما تأتي تلك المنهجية بثمارها، حيث تقول منال حسن: "أتمنى أن أجد مدرسة حكومية قريبة من منزلي تكون الكثافة بها لا تزيد عن 30 تلميذاً، ويكون التعليم بها متميزاً، وحينها لو دفعت 10 آلاف مصاريف في السنة فهذا أوفر وأكرم لي من المعاناة التي أعانيها في المنظومة الحالية الكارثية داخل المدارس الخاصة بأولادي".