اعترف الرئيس الأمريكي جو بايدن، الخميس 9 مايو/أيار 2024، بأن القنابل الأمريكية التي أرسلتها بلاده إلى الاحتلال الإسرائيلي استخدمت لقتل المدنيين الفلسطينيين، مهدداً علناً لأول مرة بوقف أسلحة معينة إذا شنّت إسرائيل هجوماً على مدينة رفح التي هددت بتنفيذه منذ فترة طويلة.
وكان وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن قد أكد تعليق شحنة أسلحة لإسرائيل تشمل 6500 من ذخائر الهجوم المباشر المشترك (JDAM)، وتتكون من أجهزة توجيه تثبت على القنابل غير الموجهة أو "القنابل الغبية" وتحولها إلى ذخائر موجهة ذكية.
يأتي هذا بينما من المقرر أن تستمر المفاوضات في القاهرة، الخميس، حول خطة لوقف إطلاق النار في القطاع.
اعترافات بايدن
اللافت في تصريحات بايدن هذه المرة أنه اعترف بأن القنابل التي قدمتها بلاده لإسرائيل استخدمت في قتل المدنيين في غزة خلال الهجوم المستمر بالقطاع منذ 7 أشهر.
وقالت شبكة سي إن إن الأمريكية، إن إعلان بايدن عن استعداده لربط الأسلحة الأمريكية بالتصرفات الإسرائيلية يشكل نقطة تحول في الصراع المستمر منذ 7 أشهر بين إسرائيل وحماس. وإن تصريحه بأن القنابل الأمريكية قد استخدمت لقتل المدنيين في غزة يعتبر بمثابة اعتراف صارخ بدور الولايات المتحدة في الحرب.
هذه التصريحات من بايدن، وهي الأكثر صرامة حتى الآن، من شأنها أن تزيد الضغوط على إسرائيل حتى تمتنع عن شن هجوم واسع النطاق على رفح، حيث لجأ مئات الآلاف من الفلسطينيين بعد فرارهم من القصف والقتال في شمال القطاع.
وقال بايدن، الذي طلبت إدارته مراراً من إسرائيل وضع خطة لحماية المدنيين في رفح، في مقابلة مع شبكة سي إن إن أمس الأربعاء: "أوضحت أنهم إذا دخلوا رفح… فلن أزودهم بالأسلحة".
يأتي قرار بايدن في وقت يتعرض فيه لضغوط من الديمقراطيين واحتجاجات متزايدة في الجامعات لردع إسرائيل عن غزو رفح. وأصبح دعمه لإسرائيل عبئاً سياسياً بينما يسعى للفوز بولاية رئاسية ثانية.
وتعد الولايات المتحدة أكبر مورد للأسلحة إلى إسرائيل، كما سرعت عمليات تزويدها بالأسلحة بعد طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الذي أعقبه الهجوم الإسرائيلي على غزة.
لكن بايدن عاد وأكد في تصريحات أن إمدادات الأسلحة التي تمكن إسرائيل من الدفاع عن نفسها، مثل نظام القبة الحديدية المضاد للصواريخ، ستستمر.
ولم يصدر تعليق بعد من إسرائيل على تصريحات بايدن، لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كان قد أكد أن عملية رفح ستمضي قدماً. وتقول إسرائيل إنها يجب أن تهاجم رفح لهزيمة الآلاف من مقاتلي حماس الذين تؤكد أنهم موجودون هناك.
من جانبه وصف سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة جلعاد إردان هذا القرار بأنه "مخيب للآمال للغاية"، لكنه عبّر عن اعتقاده بأن الولايات المتحدة لن تتوقف عن إمداد إسرائيل بالأسلحة.
صدع محتمل في العلاقات بين بايدن ونتنياهو
وقد يؤدي ربط بايدن العلني بين شحنات الأسلحة الأمريكية وسلوك إسرائيل إلى توسيع الخلاف بينه وبين نتنياهو، الذي تحدث معه هاتفياً يوم الإثنين.
وجاءت تلك المحادثة في الوقت الذي أمرت فيه إسرائيل بإجلاء عشرات الآلاف من المدنيين من رفح، وشنت ضربات بالقرب من المناطق الحدودية بالمدينة.
وقال بايدن إن تصرفات إسرائيل في رفح لم تتجاوز بعد الخط الأحمر المتمثل في دخول المناطق المكتظة بالسكان، مضيفاً: "لم يذهبوا إلى المراكز السكانية. ما فعلوه كان على الحدود مباشرة. وقال: "إنه يسبب مشاكل في الوقت الحالي، فيما يتعلق بمصر، التي عملت بجد للتأكد من أن لدينا علاقة ومساعدة".
وقال: "لقد أوضحت لنتنياهو وحكومة الحرب أنهم لن يحصلوا على دعمنا، إذا ما هاجموا هذه المراكز السكانية".
كما حذر بايدن نتنياهو من مخاطر التورط في غزة، وقارن ذلك بالتجربة الأمريكية في أفغانستان والعراق.
وأضاف بايدن: "قلت لنتنياهو لا ترتكب نفس الخطأ الذي ارتكبناه في أفغانستان، عندما أردنا القبض على زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن. سنساعدك في القبض على السنوار".
وأوضح بايدن: "كان من المنطقي القبض على بن لادن، ولكن لم يكن من المنطقي محاولة توحيد أفغانستان، من وجهة نظري، ليس من المنطقي التفكير في أن العراق كان لديها سلاح نووي".
محادثات في القاهرة وغارات على رفح
تأتي تصريحات بايدن في وقت تستمر فيه المحادثات غير المباشرة بين حماس والاحتلال الإسرائيلي في القاهرة، برعاية أمريكية قطرية مصرية، في محاولة للتوصل لاتفاق هدنة، بينما يواصل الاحتلال غاراته الجوية والقصف بالدبابات في جنوب غزة بعد أن توغل عند الجانب الفلسطيني من معبر رفح الحدودي مع مصر يوم الثلاثاء، ما أدى إلى قطع طريق المساعدات الحيوي.
من جانبها قالت حركة حماس في وقت متأخر من مساء الأربعاء إنها لن تقدم تنازلات أخرى لإسرائيل في المفاوضات بشأن هدنة في غزة.
ونقلت قناة القاهرة الإخبارية عن مصدر مطلع قوله إن "النقاط الخلافية يجري العمل على تذليلها خلال المفاوضات التي تستكمل اليوم الخميس"، وإن هناك دلائل على أنه سيتم التوصل إلى اتفاق، دون تقديم تفاصيل.
لكن عزت الرشق عضو المكتب السياسي لحماس في قطر قال في بيان في وقت متأخر من مساء أمس إن الحركة لن تذهب أبعد من اقتراح وقف إطلاق النار الذي قبلته يوم الإثنين. ويتضمن الاقتراح أيضاً إطلاق سراح بعض الرهائن الإسرائيليين الموجودين في غزة ونساء وأطفال فلسطينيين محتجزين في إسرائيل.
وقال الرشق: "إسرائيل غير جادة بالتوصل لاتفاق، وتستخدم المفاوضات غطاءً لاجتياح رفح واحتلال المعبر".
وأعلنت إسرائيل يوم الإثنين أن الاقتراح الذي وافقت عليه حماس المكون من 3 مراحل غير مقبول لأنه تم تخفيف الشروط. ولم ترد على الفور على بيان حماس.
تفاؤل أمريكي بشأن محادثات القاهرة
وقالت الولايات المتحدة يوم الثلاثاء إن حماس عدلت اقتراحها الخاص بوقف إطلاق النار، وإن التعديل يمكن أن يؤدي لتجاوز الطريق المسدود الذي وصلت إليه المفاوضات.
وقبل ساعات قليلة فقط من أحدث تصريح لحماس، ظلت واشنطن تردد أن الجانبين ليسا متباعدين كثيراً.
وقال مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان للصحفيين: "نعتقد أن هناك مساراً يفضي إلى اتفاق… الجانبان قريبان بدرجة كافية بحيث ينبغي عليهما بذل كل ما في وسعهما للتوصل إلى اتفاق".