لم تسلم حتى أجنة أطفال الأنابيب من قصف الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة؛ إذ تسببت قذيفة مدفعية، في ديسمبر/كانون الأول 2023، في القضاء على نحو 5 آلاف من الأجنة كانت مخزنة في أكبر مركز للخصوبة بالقطاع.
فقد أصابت قذيفة المدفعية الإسرائيلية مبنى "مركز البسمة للإخصاب" (خاص) الواقع في شارع الجلاء بمدينة غزة، لتقضي على الأمل الأخير لمئات الأزواج الفلسطينيين ممن يواجهون مشكلات في الخصوبة، وبعضهم انتظر لنحو 30 عاماً.
محاولات الإنقاذ باءت بالفشل
أدى انفجار القذيفة إلى نزع أغطية 5 خزانات تحتوي على النيتروجين السائل كانت في زاوية من وحدة الأجنة، وفق ما أفاد عاملون بالمركز لمراسل الأناضول.
عندما تبخر النيتروجين المستخدم للتبريد، حسب هؤلاء العاملين، ارتفعت درجة الحرارة داخل الخزانات التي كانت تحتوي على أكثر من 5 آلاف من أجنة أطفال الأنابيب.
في محاولة لإنقاذ هذه الأجنة، سارع المركز بشراء كمية من النيتروجين، لكن الاجتياح الإسرائيلي البري وإغلاق قطاع غزة حال دون الحصول على ما يكفي من هذه المادة؛ ما أعاق إنقاذ الأجنة وأدى إلى القضاء عليها.
كما ساهم في القضاء على الأجنة عدم قدرة العاملين في المركز على الوصول إليه؛ بسبب القصف الإسرائيلي المتواصل وانقطاع التيار الكهربائي، بحسب المصدر ذاته.
دمار جهد ومال ومستقبل وأحلام
خلال الحرب على غزة، توغلت آليات الجيش الإسرائيلي في محيط المركز في أكتوبر/تشرين الأول الماضي؛ حيث كانت تستهدف كل من يتحرك في المنطقة المتوغلة لها قبل انسحابها في فبراير/شباط الماضي.
وتفاقمت الأوضاع الإنسانية في غزة؛ بسبب انقطاع التيار الكهربائي وعدم وصول الإمدادات الطبية والأدوية، خاصة في شمال القطاع الذي يعاني من حصار إسرائيلي مشدد.
من جانبه، قال عبد القادر مقاط، أحد العاملين في مركز البسمة: "بفعل القصف الإسرائيلي فقدنا ما يزيد عن 5 آلاف من أجنة أطفال الأنابيب".
كما أضاف مقاط: "تم تدمير جهد ومال ناس، ومستقبل وحلم حياة هؤلاء الأشخاص (الأزواج الفلسطينيين الذين يواجهون مشكلات في الخصوبة)".
بحزن وتأثر عميق روى مقاط، قصصاً مؤلمة لأزواج كانوا يحلمون بالإنجاب، قبل أن تقضي قذيفة المدفعية الإسرائيلية على أجنتهم المخزنة في المركز ويضيع حلمهم.
وقال في هذا الصدد: "كان هناك أزواج لهم أجنة مخزنة بالمركز وكانوا محددين نوع الجنين سواء أكان ذكراً أم أنثى، وكانت هناك أسر تنتظر منذ 20 أو 30 عاماً دون أن يتحقق حلمهم بالإنجاب، وبدأوا في مرحلة عملية زراعة الأجنة".
وأوضح مقاط: "بسبب الهجمات الإسرائيلية، تحطمت أحلام هؤلاء الناس وتدمرت كل الجهود التي بذلوها، وأصبحت مراحل العمليات التي أُجريت لهم بعد سنوات من الانتظار والتحضير لها بعد معاناة طويلة، لا شيء".
كيف تتم عملية أطفال الأنابيب
تمر مراحل عملية أطفال الأنابيب بعدة مراحل تبدأ بالفحوصات للزوجين، مروراً بمنح أدوية للزوجة لتحفيز المبيضين على إنتاج عدد أكبر من البويضات، واستخراج البويضات عبر إجراء جراحي بسيط.
ثم يتم تلقيح هذه البويضات بالحيوانات المنوية للرجل في المختبر حتى تتكون الأجنة، وبعدها يتم زرع الأجنة الأكثر صحة في رحم المرأة، وأخيراً تنتظر المرأة حوالي 10-14 يوماً لمعرفة ما إذا كانت حاملاً أم لا.
فيما قال محمد الشرفا، اختصاصي حقن مجهري يعمل بالمركز ذاته: "طبيعة عملنا حساسة للغاية ومهمة، حيث يتم تقسيم مختبر الأجنة إلى عدة أقسام، بما في ذلك عمليات زراعة الأجنة التي تتطلب تكاليف مرتفعة، بالإضافة إلى قسم تجميد الأجنة والحيوانات المنوية" لمن يريد الإنجاب لاحقاً.
كما أضاف الشرفا، أن عمليات أطفال الأنابيب "مكلفة للغاية"، لافتاً إلى أن الأسر التي تعاني من صعوبات في الإنجاب بصورة طبيعية "تضطر إلى دفع مبالغ كبيرة لتحقيق حلمها في الإنجاب".
"ما زال هناك أمل"
وكانت الفلسطينية، منى العربي، إحدى النساء اللواتي يتلقين العلاج داخل مركز البسمة، تحلم بإنجاب طفل ثالث إلى جانب طفلتيها اللتين أنجبتهما عن طريق عمليات أطفال الأنابيب.
وقالت منى: "مركز البسمة، الوحيد في غزة الذي تتوفر فيه أحدث الأجهزة، وكانت أمنيتنا أنا وزوجي إنجاب طفل ثالث (ذكر) بعد أن رُزقت بطفلتين عن طريق زراعة الأجنة".
وأضافت: "كنت سأخضع لعملية أطفال أنابيب قبل بدء الحرب، لكن الأحداث الأخيرة حالت دون تحقيق ذلك، ومع ذلك، ما زال لدي أمل كبير لتحقيق حلمي في إنجاب طفل".
وبدعم أمريكي، خلّفت الحرب الإسرائيلية على غزة أكثر من 113 ألفاً بين قتيل وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وحوالي 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة أودت بحياة أطفال ومسنين.
وتواصل إسرائيل الحرب رغم صدور قرار من مجلس الأمن الدولي بوقف القتال فوراً، وكذلك رغم أن محكمة العدل الدولية طالبتها بتدابير فورية لمنع وقوع أعمال إبادة جماعية، وتحسين الوضع الإنساني بغزة.