تمر العلاقات بين المغرب وإسبانيا بفترة "غير مسبوقة" من الانتعاشة، وفق تصريح لمسؤولين في البلدين اللذين خيّم التوتر والقلق على العلاقة بينهما لسنوات، قبل أن تعود للتحسن مع استقبال العاهل المغربي الملك محمد السادس، رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز، عام 2022، حيث أعلن عن بداية صفحة جديدة في العلاقات بين المملكتين.
لكن يبدو أن في إسبانيا هناك بعض الأصوات التي تخشى من هذه العلاقات مع الرباط وتحذر من نوايا المغرب بخصوص ملفات تعتبرها مدريد خطوطاً حمراء، بينما تعتبرها الرباط مشروعة، إلى درجة أن البعض حذر من "أجندة مغربية سرية". فما الذي تخشاه بعض الأصوات في المملكة الأوروبية من جارتها الجنوبية؟
عودة الدفء في العلاقات بين المغرب وإسبانيا
خلال شهر أبريل/نيسان 2022 والذي صادف شهر رمضان الكريم، قام رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز، بزيارة إلى المغرب حيث التقى العاهل المغربي الملك محمد السادس للإعلان عن بداية صفحة جديدة في العلاقات بين المغرب وإسبانيا.
حاولت الرباط الحصول على مكاسب من عودة "تطبيع" العلاقات مع مدريد، وهو ما تأتى لها فعلاً فيما يتعلق بقضية الصحراء الغربية التي تعتبر أكثر الملفات أهمية وحساسية بالنسبة للمغرب والتي كان لإسبانيا دور كبير فيها.
فقد تضمَّن البيان المشترك الصادر عن البلدين وقتها عدداً من العناصر، أولها "اعتراف إسبانيا بأهمية قضية الصحراء للمغرب، وبالجهود الجادة وذات المصداقية للمغرب، في إطار الأمم المتحدة، لإيجاد حل متوافَق بشأنه".
كما اعتبرت إسبانيا أن المبادرة المغربية للحكم الذاتي التي قدمها المغرب سنة 2007 لإنهاء نزاع الصحراء هي الأساس الأكثر جدية وواقعية وصدقية لحل هذا النزاع، وفق ما جاء في نص البيان المشترك بين البلدين.
الباحث المغربي المتخصص في الشؤون الاستراتيجية والعسكرية، الشرقاوي الروداني، قال إن العلاقات المغربية الإسبانية علاقات استراتيجية متعددة الأوجه والأبعاد.
فإسبانيا تبقى أحد الشركاء الرئيسيين للعلاقات الثنائية على المستوى التجاري ومدريد هي المورد الأول للسلع في المغرب، وهناك تعاون كبير على مستوى مجالات الاستثمار بين البلدين.
كما أضاف الروداني لـ"عربي بوست" أن التعاون الأمني والاستخباراتي وصل درجة "غير مسبوقة" من التعاون، خاصة أن هناك تحديات مشتركة يواجهها البلدان والمرتبطة بالتقلبات الأمنية والسياسية التي تعرفها منطقة الساحل الأفريقي وجنوب الصحراء.
كما تم التخطيط له، أُعلن عن إعادة فتح معبرَيْ سبتة ومليلية، المدينتين الخاضعتين للحكم الذاتي الإسباني، بعد أن قامت الرباط عام 2019 بإغلاق تلك الحدود البرية بقرار أُحادي، معتبرة أن تهريب السلع يؤثر على اقتصاد المملكة.
هل تخلّى المغرب عن تعهداته لإسبانيا؟
بعد مرور عامين على الاتفاق المعلن، لا تزال الحدود البرية بين المغرب وثغري سبتة ومليلية مغلقين في وجه السلع؛ ما أثار انتقادات لحكومة سانشيز وللرباط من قبل المسؤولين المحليين الذين يعوّلون على فتح الحدود لاستعادة النشاط التجاري.
هذا الوضع دفع بعض الأصوات المعارضة ومن اليمين الإسباني لانتقاد استمرار إغلاق المغرب لحدوده البرية مع سبتة ومليلية، واتهموا المغرب بتعمد الإبقاء على الوضع قائماً رغم الاتفاق الموقع قبل سنتين مع رئيس الوزراء الإسباني.
فرناندو غوتيريز دياز دي أواتسو، نائب الحزب الشعبي اليميني في مدينة مليلية، انتقد في مؤتمر صحفي، الثلاثاء 16 أبريل/نيسان 2024، تصرفات "الدولة المجاورة" في إشارة للمغرب، والتي وصفها بأنها "غير عادية" تجاه سبتة ومليلية.
كما أضاف أن المغرب "يواصل إغلاق الحدود الجمركية مع مليلية، ولم يتم افتتاح معبر جديد بسبتة مثلما جرى إعلان ذلك منذ أزيد من سنتين، والسلطات المغربية لا تسمح للمشتريات والممتلكات الشخصية بالعبور إلى بلادها".
رد الحكومة المركزية في مدريد لم يتأخر، حيث أكدت المتحدثة باسم الحكومة، بيلار أليجريا، أن إسبانيا لديها بالفعل "كل شيء جاهز، من الناحية القانونية والتشريعية"، لتتمكن من إعادة فتح الجمارك التجارية في مليلية، وفق ما صرح به خلال زيارتها إلى المدينة الجمعة 19 أبريل/نيسان.
كما أكدت أنها مستمرة في خريطة الطريق الموضوعة مع المغرب، وتثق في إمكانية إعادة فتح الجمارك التجارية لمليلية "في أقرب وقت ممكن"، حسب ما نقلته وسائل إعلام محلية.
بدورها، برّرت سفيرة المغرب لدى إسبانيا، كريمة بنيعيش، التأخير في افتتاح الحدود أمام الحركة التجارية كما هو متفق عليه قبل عامين بين الرباط ومدريد، بوجود "مشاكل تقنية". وشددت السفيرة على احترام خارطة الطريق التي وقعتها مدريد والرباط في 2022.
من جهته اعتبر المستشار السياسي الاستراتيجي هشام معتضد المقيم في إسبانيا، أن ما تخشاه إسبانيا هو "التطور الاستراتيجي الذي يعيشه المغرب على مستوى العديد من القطاعات الحيوية والهامة والذي له تأثير على محيطه الإقليمي والقاري".
أضاف معتضد لـ"عربي بوست" أن الانزعاج الإسباني مرتبط أساساً بميزان القوى الذي قد يهدد مصالحها في المنطقة المتوسطية وينعكس سلباً على مصالحها في المنطقة وأفريقيا خاصة وأن الساحة الأفريقية تعد الفضاء الاستراتيجي الجديد والحيوي الذي تريد مدريد استثماره لصالح ديناميكيتها الداخلية وموقعها الاستراتيجي خارجياً.
"أجندة المغرب" لاسترجاع سبتة ومليلية
نهاية الأسبوع الماضي، نشرت صحيفة "La Razon" الإسبانية تقريراً حول "وحدة خاصة" مهمتها مراقبة الحدود البرية مع المغرب في سبتة ومليلية، وعلى الحدود البحرية في جزر الكناري في السواحل المقابلة لأقصى جنوب المملكة.
تعمل مجموعة سبتة التكتيكية، التابعة لقيادة العمليات البرية، بشكل مكثف على عمليات التواجد والمراقبة والردع، في المدينة التي يعتبرها المغرب إلى جانب مليلية، مدينتين محتلتين، بينما حذرت تقارير إسبانية من أن المغرب عاجلاً أم آجلاً سيطالب باسترجاعهما.
يعد هذا الانتشار، الذي يستمر 24 ساعة في اليوم وسبعة أيام في الأسبوع، ضرورياً حتى تظل الوحدة العسكرية المتمركزة هناك دائماً مستعدة لمواجهة أي احتمال، علاوة على ذلك، "فهو بمثابة تذكير بأن المدينة إسبانية".
حسب الصحيفة الإسبانية، تتراوح مهام الوحدة العسكرية بين التواجد الاستراتيجي في النقاط الرئيسية في سبتة والمراقبة المكثفة للمناطق المحيطة، بهدف أساسي هو منع التهديدات وتوفير بيئة آمنة للمدينة، "ومن الواضح أن الوجود المستمر للجيش يشكل أيضاً عنصراً رادعاً واضحاً".
هذا الردع الذي تتحدث عنه وسائل الإعلام الإسبانية، يأتي وسط تحذيرات من أن المغرب سيطالب، عاجلاً أم آجلاً، باسترجاع سبتة ومليلية المحتلتين، وجزر الكناري، لدرجة أن الكاتب الإسباني، دييغو ميدرانو، قال إن المغرب "يقوم بإعداد أجندة 2030 التي يحقق من خلالها حلمه القديم: احتلال سبتة ومليلية وجزر الكناري".
بالنسبة لمعتضد فإن مستقبل الثغرين المحتلين مسألة جد معقدة في ملف العلاقات المغربية الإسبانية، لأن لها أبعاداً تاريخية وأخرى سيادية بالإضافة إلى الحسابات السياسية الدقيقة التي يخضع لها تدبير هذا الوضع المحرج للبلدين في تدبير علاقاتهما المتطورة.
في مقال نشره الإثنين 22 أبريل/نيسان 2024، في صحيفة "The objective" الإسبانية، عرض ميدارنو سيناريوهات "خيالية" للطريقة التي سيستعيد من خلالها المغرب سبتة ومليلية "بسهولة" وجزر الكناري بمقاومة أكبر.
كما تحدث في مقاله عن "حرب عظمى قادمة"، وهي فكرة لا يستثنيها كثيرون داخل إسبانيا في ظل تحديث المغرب لترسانته العسكرية.
فيما ذهب زميله في الصحيفة، الكاتب فرانسيسكو سييرا، إلى القول إن المغرب يريد التجول بحرية في مياه المحيط الأطلسي، وتشمل مطالبته كل مياه الصحراء، وبذلك يكسر مبدأ تساوي البعد المطبق حالياً لتحديد المياه بين جزر الكناري والمغرب.
"بهذه الطريقة يهاجمون المطالب الإسبانية بالجرف القاري لجزر الكناري، والذي يتضمن رواسب تحت الماء غنية بالموارد" يقول سييرا.
بينما قال الباحث المغربي المتخصص في الشؤون الاستراتيجية والعسكرية، إن هناك حواراً متواصلاً بين البلدين بشأن كيفية التعامل مع المستجدات في احترام تام لحقوق وكذلك للحاجيات السياسية والاستراتيجية للبلدين.
تسليح الرباط يثير القلق في مدريد
قبل عام من الآن، وقعت المملكة المغربية عقداً مع الولايات المتحدة ستحصل بموجبه الرباط على 18 نظاماً لإطلاق صواريخ HIMARS و112 صاروخاً أرض-أرض، ثلاثة نماذج بمدى يتراوح بين 82 إلى 305 كيلومترات.
هذه الصفقة أثارت القلق في إسبانيا، وقالت صحيفة "El Confidencial" إن هذه المعلومات "تثير القلق"، وقالت إنه يمكن للمغرب مراقبة الحدود والطرق البحرية الاستراتيجية باستخدام هذه الأسلحة الأمريكية.
في افتتاحيتها، قالت الصحيفة "المشكلة هي أن جارتنا أثبتت مراراً وتكراراً أنه لا يمكن الثقة بها فيما يتعلق بأسبانيا، ومن الواضح أن الجزائر هي خصمها الرئيسي في المنطقة، لكن بلادنا لا تستطيع أن تنام بسلام".
كما أضافت الصحيفة: "إسبانيا حساسة للغاية تجاه إعادة التسلح هذه، لأن سبتة ومليلية ينظر إليهما بطمع من الدولة المجاورة ، خاصة بعد أن حصلت المملكة المغربية على الاعتراف بسيادتها على الصحراء الغربية".
هنا تصبح القضية صعبة، تقول الصحيفة، لأن المزيد والمزيد من المحللين يفهمون أن "حكومتنا في وضع ضعيف فيما يتعلق بالدولة المجاورة، وقد قدم سانشيز تنازلات نادرة للرباط.. وهو ما يثير المزيد من الغرابة".
بعد ذلك في شهر مارس/آذار 2024، أفاد نائب وزير رئاسة حكومة جزر الكناري، ألفونسو كابيلو، أن السلطة التنفيذية الإقليمية نقلت لوزارة الشؤون الخارجية في مدريد "قلقها" إزاء تطور المناورات العسكرية التي يقوم بها المغرب في المياه القريبة من جزر الكناري.
حيث ذكرت وسائل إعلام مغربية أن القوات البحرية الملكية المغربية ستبدأ قريباً مناورات بحرية لمدة ثلاثة أشهر متتالية في جنوب المغرب وفي مياه الصحراء الغربية، على بعد 125 كيلومتراً من سواحل جزر الكناري.
أوضح كابيلو، في الندوة الصحفية عقب المجلس الحكومي، أن المغرب يقوم بهذه المناورات "من جانب واحد".
كما ذكر كابيلو أنه في 26 فبراير/شباط 2024، طلب رئيس جزر الكناري، فرناندو كلافيجو، معلومات من رئيس الحكومة، سانشيز، حول محتوى الاجتماعات التي تعقد مع المملكة المغربية، ورغم عدم وجود أي شيء وهو يدرك في هذا الصدد أن الحكومتين تعملان على توفير المزيد من المعلومات.
بخصوص الأصوات التي تتوجس من القدرة العسكرية المغربية، قال الروداني إنها تدخل في إطار الصراع السياسي الداخلي الإسباني ولا تعبر عن رأي استراتيجي بل هو موقف تكتيكي مرتبط بالتموقع على المستوى الداخلي.
من جهته، طالب الأمين العام للحزب الشعبي لجزر الكناري، جاكوب قادري ، حكومة إسبانيا بتقديم كافة المعلومات المتوفرة بشكل عاجل في إشارة إلى المناورات العسكرية التي سيجريها المغرب في المياه القريبة من الأرخبيل.
فيما ندد جاكوب قادري بـ"السرية" التي تحافظ عليها السلطة التنفيذية لسانشيز "بشكل منتظم" فيما يتعلق بكل تلك الأمور التي تؤثر على الجزر، وانتقد "التعتيم" الذي تحيط به أي قضية تتعلق بالمغرب وتؤثر على جزر الكناري.
وفقاً للمتحدث الرسمي باسم حزب الشعب، "يجب على سانشيز أن يشرح في أقرب وقت ممكن التفاصيل التي تسيطر عليها الحكومة فيما يتعلق بهذه الأنشطة العسكرية، وما إذا كان على علم بتنفيذها، وما هي درجة الاتصال بين الحكومتين وأسباب ذلك".
بالنسبة للمستشار السياسي الاستراتيجي معتضد فإن المغرب لا يشكل خطراً عسكرياً على إسبانيا، "ولكن قد يعقد الحسابات الحربية والدفاعية والأمنية لإسبانيا في المنطقة، وذلك راجع إلى الفضاء الجيوسياسي المرتبط بين البلدين والتحديات الجيو-استراتيجية التي تواجه المنطقة مع تصاعد قوة بعض الأقطاب الدولية".
كما يرى معتضد أن توجس مدريد من بعض الصفقات العسكرية التي تبرمها الرباط يرجع إلى رغبة السلطة الإسبانية الحفاظ على مسافة القوة العسكرية بينها وبين جارتها الجنوبية من أجل ضمان سيرورة التفوق العسكري بنفس المسافة للحفاظ على ردعها الحربي في روابطها الاستراتيجية مع الرباط.
ترسانة المغرب العسكرية في الصحف الإسبانية
في 17 أبريل/نيسان الجاري، قالت صحيفة "La Razon" إن عملية إعادة التسلح الخطيرة التي يقوم بها المغرب في السنوات الأخيرة لا تتوقف، ما أثار قلق المسؤولين العسكريين في إسبانيا الذين باتوا يراقبون بحذر شديد إعادة التسلح العسكري الذي ينغمس فيه المغرب بتكنولوجيا متقدمة للغاية بدعم الولايات المتحدة وإسرائيل.
وأضافت "لا راثون" أنه على الرغم من أن الهدف النهائي هو عدم التخلف عن الركب في تصعيد الحرب التي يواصلها مع الجزائر، إلا أنه يجب ألا نغفل حقيقة أن الزيادة غير المتناسبة في القوة العسكرية للمملكة يمكن أن تشكل تهديداً خطيراً لإسبانيا.
وفق تقرير الصحيفة، فقد اشترت المملكة في السنوات الأخيرة 15 زورق دورية سريعاً من تركيا، و24 وحدة من طائرات الهليكوبتر القتالية AH-64E Apache المسلحة بصواريخ هيلفاير جو-أرض.
إضافة إلى 612 صاروخاً مضاداً للدبابات من طراز جافلين؛ طائرات SpyX الانتحارية بدون طيار و18 قاذفة من نظام الصواريخ المدفعية عالية الحركة ( HIMARS ) من طراز M142.
إلى جانب 40 من أنظمة الصواريخ التكتيكية للجيش (M57ATAC)، و36 نظام إطلاق صاروخي متعدد التوجيه من طراز M31A2 (GMLRS)، و 36 رأساً حربياً بديلاً من طراز M30A2 لأنظمة إطلاق الصواريخ المتعددة الموجهة (GMLRS).
كما حصل المغرب على 36 بطارية من نظام المدفعية أرض-أرض "قيصر" الفرنسي. التي لديها مدفع ذاتي الدفع عيار 155 ملم، وستدرس شراء منصة إطلاق الصواريخ PULS من أنظمة Elbit الإسرائيلية، والتي ستبني عليها إسبانيا نظام Silam الخاص بها.
كما قالت الصحيفة إنه لا يجب إغفال القوات الجوية المغربية، "على الرغم من أنها ستكون أقل بخطوة واحدة من القوة الجوية الإسبانية، ولكن ليس كذلك عندما يتعلق الأمر بالطائرات العسكرية بدون طيار".
فقد كانت القفزة هائلة في السنوات الأخيرة فيما يتعلق بالطائرات بدون طيار، سواء تلك التي يكون غرضها أعمال المراقبة أو تلك المسلحة، وهو ما تفتقر إليه إسبانيا حالياً، على الرغم من التخطيط له.
حرب المنتجات الفلاحية
يوم الأحد 21 أبريل/نيسان الجاري، أبلغ نظام الإنذار السريع للأغذية والأعلاف، التابع للاتحاد الأوروبي عن وجود مواد تؤدي للإصابة بفيروس التهاب الكبد الوبائي "أ" في الفراولة القادمة من المغرب.
هذا المشهد المتكرر منذ سنوات يُبرز جانباً آخر من جوانب "الحرب الخفية" بين المغرب وإسبانيا، فعلى الرغم من العلاقات المتميزة حالياً بين الرباط ومدريد، إلا أن ذلك لم ينعكس على علاقة الفلاحين الإسبان بالخضروات المغربية.
فقد أفادت تقارير إعلامية إسبانية بأن شحنة الفراولة التي أصدر النظام الإنذار بشأنها كانت متوجهة للاستهلاك النهائي عبر توزيعها على نقاط البيع، وفق ما تظهره وثيقة التحذير الأوروبية، التي أوضحت أن الأمر يتعلق بـ"منتج مصرح له بنقله إلى وجهته تحت ختم جمركي".
وذلك ما يعني، حسب ذات التقارير، أن الفاكهة كانت موجودة بالفعل داخل الأراضي الإسبانية ومتجهة إلى مركز التوزيع أو السوق النهائية. ولم يتم رفضها على الحدود.
هذه الشحنة التي تم ضبطها تعد هي الحالة الثالثة من نوعها في الأشهر الأخيرة، بعد صدور إنذارين تمت متابعتهما عن كثب لنفس السبب في شهر مارس/آذار وهي الحالات التي أثارت جدلاً واسعاً وقتها، خاصة مع تزامنها مع أوج ثورة المزارعين الإسبان.
حيث قام المزارعون الإسبان خاصة في جزر الكناري، بمطالبة وقف "غزو" المنتجات الفلاحية المغربية وخاصة الطماطم المغربية، التي تُباع بكثرة في المنطقة.
وأظهر مقطع فيديو نُشر في شهر فبراير/شباط الثاتي، تعرض شاحنة مغربية محملة بالطماطم لاعتداء من قبل مزارعين إسبان في الطريق السيار الرابط بين مدينتي إشبيلية وقادش، حيث قام المتظاهرون بعرقلة مرورها وتفريغ حمولتها.
وحسب وسائل إعلام محلية، يحذر المزارعون الإسبان من أن تتحول إسبانيا من واحدة من أكبر مصدري الطماطم الأوروبية إلى مستوردة من تركيا أو المغرب في غضون اثني عشر عاماً فقط.
لهذا السبب، وحسب نفس المصدر، دعت لجنة الزراعة إلى "اتخاذ إجراءات عاجلة على المستوى الأوروبي".
وأضافت اللجنة أن ظروف الإنتاج "غير متكافئة" بسبب توافر بعض المنتجات المحظورة في الاتحاد الأوروبي أو من خلال السماح في بعض الأحيان بظروف عمل مسيئة وتكاليف أجور هزيلة؛ ما يعني أن هذا الإنتاج يتنافس بشكل غير عادل عند الدخول إلى الأسواق الأوروبية".
فيما انخرطت وسائل إعلام إسبانية في "حربها" على المنتجات والسلع المغربية، ونشرت تقارير للتعريف بكيفية التفريق بين المنتجات المغربية ونظيرتها الإسبانية من خلال الرمز التجاري لكل بلد، في دعوة غير مباشرة لمقاطعة المنتجات القادمة من الجارة الجنوبية.
بينما قال الروداني إن هناك فرقاً كبيراً ما بين موقف الدولة ومواقف الجمعيات وبعض الأحزاب التي تدخل في إطار التجاذبات الداخلية.
فيما اعتبر معتضد أن: "المسألة تم تضخيمها إعلامياً وتصعيدها بعدما بدأت في تحقيق أهدافها الاستراتيجية في الداخل الإسباني، وهو ما أثر على العديد من سائقي الشاحنات المغربية، وأضر بكثير من المنتوجات المغربية التي كانت في طريقها إلى إسبانيا وأوروبا".
نهائي كأس العالم أم مباراة الافتتاح؟
منافسة المغرب لإسبانيا تجاوزت ما هو فلاحي لتنعكس على المجال الرياضي، فبعد الفوز الذي حققه "أسود الأطلس" على حساب الماتادور الإسباني في كأس العالم قطر 2022، لم يمر كثير من الوقت ليعلن القصر الملكي في المغرب فوز الرباط ومدريد إلى جانب لشبونة بشرف تنظيم كأس العالم 2030.
رغم أنه تفصلنا 6 سنوات عن الموعد إلا أن المناورات من أجل الحصول على أكبر قدر من المكاسب من الحدث العالمي بدأت منذ الآن، خاصة في عدد المباريات التي يستضيفها كل بلد، ويقول تقرير لمجلة "Jeune Afrique" إن "التنافس سيكون ودياً، لكن الجميع سيدافع عن مصالحه حتى النهاية".
بينما بات مؤكداً أن ثلاث مباريات ستقام في أمريكا الجنوبية: واحدة في مونتيفيديو عاصمة الأوروغواي، حيث أقيمت أول بطولة عالمية عام 1930، وواحدة في بوينس آيرس في الأرجنتين وأخرى في أسونسيون في باراغواي.
لا تزال هناك 101 مباراة أخرى يتعين تحديدها. وسيشغل ذلك جزءاً من المباحثات المقبلة بين الاتحادات المغربية والإسبانية والبرتغالية والفيفا، ويبدو الآن من المؤكد أن إسبانيا ستستضيف أكبر عدد من المباريات.
لكن من الواضح أن المغاربة، مثل الإسبان، يريدون أن يكونوا البلد المضيف للمباراة الافتتاحية أو النهائية.
تقول "جون أفريك": "هناك مواقف متباينة في المغرب، يرى البعض أنه سيكون من الأفضل لو أقيمت المباراة الافتتاحية على الملعب الكبير بالدار البيضاء لأننا، على الأقل، سنكون متأكدين من مشاركة المملكة، بينما من المستحيل معرفة المباراة النهائية. والبعض الآخر يفضل أن نستضيف النهائي، لأنها عموماً المباراة التي نتذكرها".
بينما نقلت عن مصدر مقرب من الملف أنه يفضل الحل الأول، وقال: "الافتتاح في الدار البيضاء، والنهائي على ملعب سانتياجو بيرنابيو، هو في رأيي السيناريو الأكثر ترجيحاً".
يضيف مصدر المجلة الفرنسية أن المغرب سيقوم ببناء ملعب جديد، والذي ربما يكون الأكبر في العالم، "ومن الطبيعي أن يرغبوا في تنظيم إحدى المباريات الرئيسية في البطولة هناك. ولكن بما أن العلاقات مع الإسبان جيدة جداً، فسيتم تسوية الأمور".
حسب الباحث المغربي الروداني فإن التنظيم المشترك للنهائيات كأس العالم سنة 2030 بين البلدين بمعية البرتغال وكل ما يتطلب هذا التنظيم من بنية تحتية مشتركة يظهر أن البلدين أصبحا تجمعهما وحدة المصير المشترك.