تسببت الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة منذ أكثر من 6 أشهر في اختفاء عشرات الآلاف من المفقودين في قطاع غزة، ولم يعد الأقارب ولا الرفاق يعلمون أماكنهم، وفق ما جاء في تقرير لصحيفة "The Guardian" البريطانية، الإثنين 8 أبريل/نيسان 2024.
تقول الصحيفة إن اللجنة الدولية للصليب الأحمر سجَّلت أكثر من 7 آلاف اتصال على الخط الساخن المخصص للإبلاغ عن المفقودين منذ بداية الحرب، ولكن الصحيفة تقول إنه لا شك أن العدد الإجمالي للمفقودين يفوق ذلك الرقم بكثير.
كما أشارت بيانات مسؤولي وزارة الصحة في قطاع غزة إلى أن جيش الاحتلال الإسرائيلي قتل خلال هذه الحرب المستمرة ما يزيد على 33 ألف فلسطيني، أغلبهم من النساء والأطفال.
فيما دمَّر القصف المدفعي والغارات الجوية الإسرائيلية منشآت ومباني لا حصر لها في معظم أرجاء القطاع حتى تحولت مناطق سكنية بأكملها إلى أنقاض، واضطر الأهالي إلى دفن قتلى كثيرين من دون تسجيل وفاتهم، وتولَّى غرباء دفن كثير من الضحايا في قبور مؤقتة.
قصص المفقودين في قطاع غزة
خرج أحمد أبو جلالة في إحدى ليالي شهر مارس/آذار من المدرسة التي نزح إليها وأسرته في جباليا إبان الأسابيع الأولى من الحرب، واضطر الرجل إلى الخروج بحثاً عن الطعام لأطفاله الستة بعد أن شحَّ وصول المساعدات إلى مناطق الشمال، فذهب في ظلام الليل لعله يعود إليهم بالطحين الذي قيل إن هناك قافلة إنسانية جاءت به.
نقلت صحيفة الغارديان عن اعتماد أبو جلالة، عمة أحمد، قولها: "لم نكن لنتركه يغادرنا أبداً لو علمنا [أنه لن يعود].. فنحن لم نره ولم نسمع عنه شيئاً منذ ذلك الحين"، و"نحن نخرج كل يوم للبحث عنه، لكن من دون جدوى. ومع ذلك، نرجو أن يكون على قيد الحياة". وقال شقيقه: "لقد اتصلنا بالمستشفيات والشرطة.. ولكن لم يخبرنا أحد بشيء عنه".
بينما لا يزال راجي كمال خليل يأمل في الحصول على أخبار عن زوجته وابنته البالغة من العمر عامين، فقد رآهما آخر مرة في يناير/كانون الثاني، خلال موجة من القصف الإسرائيلي والغارات الجوية على مدينة غزة.
إذ قال: "لمَّا اشتد القصف على حيّنا، نزحنا إلى ملجأ تابع للأمم المتحدة، ولكن قطعت طريقنا غارة جوية كبيرة، وامتلأت المنطقة بأكملها بالدخان الأسود. ولم يعد أي منا يرى الآخر، وركض كل واحد في اتجاه مختلف".
أضاف راجي للصحيفة: "بعد أن انقشع الدخان، لم أجد إلا والدتي وابني البالغ من العمر 10 سنوات وابنتي الكبرى البالغة 11 عاماً، ولم أعثر على زوجتي وابنتي ذات العامين"، و"يخبرني الناس أن الجثامين تبخرت أو دُفنت تحت الأنقاض، لكن لا يزال لديّ أمل".
معاناة ذوي الاحتياجات الخاصة
أشارت الصحيفة البريطانية، بناء على الشهادات المتداولة، إلى أن بعض المختفين، خاصة الأطفال المصابين بصدمات نفسية شديدة أو ذوي الاحتياجات الخاصة، ربما لا يزالون على قيد الحياة، لكنهم عاجزون على العثور على أقاربهم بعد الانفصال عنهم.
كما قالت "الغارديان" إن والدة فادي طنبورة رأت ابنها البالغ من العمر 35 عاماً آخر مرة عندما خرج من ملجأ في شمال غزة للحاق بزوجته الحامل، التي نزحت مع عائلتها إلى جنوب القطاع.
أضافت: "لم ترد إلينا أخبار عنه منذ أسابيع"، و"هو أصم منذ ولادته.. ونخاف أن تكون القوات الإسرائيلية قتلته لأنه لم يسمع إنذاراً منهم ولم يستجب لهم"، لكن لا يزال "أملنا الوحيد أن يعود إلى طفله الذي ولد قبل شهرين".
اعتقالات دون تهمة
بينما قالت تالا ناصر، المحامية لدى منظمة "الضمير" غير الحكومية المعنية برعاية حقوق الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي: "نعتقد أن نحو ألف شخص ما زالوا معتقلين من دون تهمة ولا إخطار لأقاربهم، لكن التوثيق شديد الصعوبة في هذه الظروف، ولا نعرف إلا ما يرد إلينا عبر المكالمات الكثيرة التي نتلقاها".
تنقل الصحيفة البريطانية عن أقارب بلال المصري، الذي كان يدير مطبعة صغيرة من منزله في مدينة غزة، أن قوات الاحتلال اعتقلته في شمال غزة خلال الشهر الأول من الحرب. ومع ذلك، لم تجد عائلته أثراً له بين المعتقلين الذين أفرج عنهم. وقال أخوه نشأت المصري: "أخبرنا بعضهم أنه لا يزال معتقلاً لدى الجنود الإسرائيليين".
بينما قال آخرون إنه "مات"، و"لا تزال زوجة بلال وأولاده في الشمال من غيره"، و"قد حاولنا التواصل مع الصليب الأحمر، لكن لم نتمكن من ذلك. وجربنا التواصل مع جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، وغيرها من المنظمات غير الحكومية الدولية والمحلية، ولكن دون جدوى".
فيما قالت سارة ديفيز، المتحدثة باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة: "في مرحلة معينة من الحرب، غادر آلاف الناس منازلهم ونزحوا نحو الجنوب، ومن فقد طفله أو جريحاً في أسرته، ربما تعذر عليه أن يعثر عليه بعد ذلك".
أضافت ديفيز: "كثيراً ما يخبرنا الناس في جميع أنحاء العالم، أن أكثر شيء موجع في النزاعات من هذا النوع ليس الجوع ولا الخطر، بل فقدان الأقارب وألا تعلم مصيرهم بعد ذلك".