نقلت صحيفة Haaretz الإسرائيلية، الأحد 31 مارس/آذار 2024، عن ضباط إسرائيليين وجنود ومسؤولين في المؤسسة الأمنية، شهادات تشكك في صحة رواية الجيش الإسرائيلي، التي تزعم أنه قتل 9 آلاف مقاوم فلسطيني منذ اندلاع الحرب على غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول المضي.
بحسب الشهادات التي نقلتها الصحيفة، فإن غالبية هؤلاء القتلى مدنيون لم يمثلوا أي خطر على جنود الجيش الإسرائيلي، وأن سبب مقتلهم في معظم الأحيان هو عبور "الخط الوهمي" الذي رسمه قادة قوات الاحتلال حول مناطق تمركزهم، ومنحوا الإذن لجنودهم بإطلاق النار على أي أحد يتجاوزه.
تقول صحيفة "هآرتس" إن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي خرج منذ مدة فيما بدا أنه إحدى نشراته المعتادة، وقال إنه "بعد إطلاق صاروخ من غزة نحو عسقلان، ورد إلينا أن الجيش حدد موقع الإرهابي الذي أطلق الصاروخ، وتمكنت طائرة تابعة لسلاح الجو من مهاجمته وتصفيته"، وقد بدا في أول وهلة، أن المقتول ليس إلا قتيلاً آخر في إحصائيات قتلى حماس التي يعلن عنها الجيش الإسرائيلي.
إلا أن الصحيفة الإسرائيلية أشارت إلى أن الواقعة ظهر لها توثيق آخر قبل نحو أسبوع ونصف الأسبوع، إذ بثت شبكة "الجزيرة" القطرية مقطع فيديو للواقعة يُرى فيه 4 مدنيين، وليس شخصاً واحداً، يسيرون معاً على طريق ترابي واسع في منطقة خان يونس، ولم يكن حولهم سوى بقايا منازل وحطام المباني التي كان يعيش فيها أهالي المنطقة ذات يوم، ثم ما لبث أن قطع الهدوء انفجار قوي ناجم عن قصفٍ قتلَ اثنين منهم على الفور، وأصاب الثالث والرابع، فحاولا مواصلة المشي، لكن لم تمر إلا ثوانٍ وسقطت قنبلة أخرى على أحدهما، ثم خرَّ المصاب الآخر على ركبتيه، فتعقبَّته قنبلة أخرى، ولم يبق في المشهد إلا النيران والدخان.
تنقل "هآرتس" عن ضابط احتياط إسرائيلي خدم في غزة، قوله إن "تعريف الإرهابي [لدى الجيش الإسرائيلي] في الأساس، هو أي شخص يقتله الجيش الإسرائيلي داخل المجال القتالي للقوات"، على حد وصفه.
في غضون ذلك، قال متحدث باسم الجيش الإسرائيلي، إن مقطع الفيديو أُحيل إلى آلية التحقيق التابعة للجيش الإسرائيلي لمراجعته، وقال ضابط كبير لصحيفة "هآرتس": "هذا حادث سيئ للغاية. فهم لم يكونوا مسلحين، ولم يُعرضوا القوات للخطر حيثما ذهبوا"؛ وزعم ضابط مخابرات مُطلع على الأمر، أنه "لا يُعرف، على وجه التحديد، من هو المسؤول الحقيقي عن إطلاق الصاروخ، والواقع أنهم كانوا قريبين فقط من موقع إطلاق الصاروخ، وربما كانوا مسلحين، وربما لم يكونوا سوى مدنيين يبحثون عن الطعام".
تشكيك في رواية الجيش الإسرائيلي بشأن قتل المقاومين بغزة
قالت "هآرتس" إن هذه الواقعة ليست منفردة، بل هي مثال واحد توافَق أن كُشف عنه على نطاق واسع، للطريقة التي يُقتل بها الفلسطينيون بنيران الجيش الإسرائيلي في غزة، وللكيفية التي يُحصى بها القتلى في القطاع، إذ يقدر عدد القتلى الفلسطينيين منذ بداية الحرب بنحو أكثر من 32 ألف قتيل.
وقال ضابط احتياط إسرائيلي للصحيفة: "لا أحد يستطيع أن يحدد يقيناً من هو الإرهابي ومن أصابته النيران لأنه دخل لسبب أو لآخر إلى (الفضاء القتالي) لهذه القوة أو تلك".
وأوضح الضابط الإسرائيلي أن "الفضاء القتالي" مصطلح عسكري يعني أن المنطقة التي تتمركز فيها القوة، وعادةً ما تكون في منزل مهجور، تصبح المناطق المحيطة بها أقرب إلى منطقة عسكرية مغلقة، ولكن من دون أن توضع علامات مرئية تحدد نطاق هذه المنطقة.
ويُطلق على هذه المناطق أيضاً مصطلح "مناطق الإبادة"، ففي كل ساحة قتال يحدد القادة العسكريون مناطق معينة لا يُسمح بتجاوزها لأي أحد من غير قوات الجيش الإسرائيلي.
الصحيفة الإسرائيلية لفتت إلى أن "مناطق الإبادة" هذه لم يحددها جيش الاحتلال قبل القتال، وإنما تخضع لظروف المنطقة ومقدار المسافة المفتوحة من المبنى الذي تتمركز فيه القوات، والمواقع المرتفعة المحيطة به، والتدابير العسكرية التي تتبعها كل قوة عسكرية -داخل غزة أو خارجها- للكشف عن التهديدات.
لكن في النهاية فإن حدود هذه المنطقة، وتفاصيل الإجراءات المتعلقة بتحديدها، تخضع لتفسير قادة الوحدة القتالية. وقال ضابط الاحتياط الذي تحدثت إليه الصحيفة: "إذا دخل أي أحدٍ منطقة الإبادة، يصدر الأمر بإطلاق النار، وحتى القتل، حتى لو لم يكن المشتبه فيه مسلحاً".
في المقابل، قال متحدث باسم الجيش الإسرائيلي لصحيفة "هآرتس": "خلافاً لما يُزعم، فإن تعليمات الجيش الإسرائيلي لم تحدد (مناطق إبادة)، ولا توجد تعليمات مكتوبة بشأن ذلك في أوامر المهمات العسكرية، لكن هذا لا يعني أن هذا المصطلح غير معروف للجنود".
في ما يتعلق بالفيديو الذي يوثق الهجوم على 4 من أهالي غزة العزل، ذكر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أن "المنطقة الموثقة في الصورة منطقة قتال نشطة بمنطقة خان يونس… والحدث الموثق في الفيديو يخضع للفحص لدى لجنة تحقيق هيئة الأركان المشتركة، وهي هيئة مستقلة مسؤولة عن التحقيق في الأحداث غير العادية التي وقعت في أثناء القتال".