تسبب الصراع المتجدد والمجاعة المتفاقمة في اليمن في مضاعفة محنة المواطنين، لا سيما في شهر رمضان؛ إذ أحدث الارتفاع المتسارع في معدلات التضخم تآكل القدرات الشرائية، بل بات كثيرون من الطبقة المتوسطة يكابدون المشاق لسدِّ حاجتهم، وانهار آخرون إلى طبقات اقتصادية أدنى.
صحيفة The New York Times الأمريكية قالت في تقرير الأحد 31 مارس/آذار 2024، إن الضربات الجوية والتضخم الذي أصاب اليمن بالشلل وانخفاض المساعدات الخارجية تثير ناقوس الخطر بشأن أزمة إنسانية جديدة في أفقر دولة عربية في العالم.
انخفاض القوة الشرائية
التقرير أشار إلى أن آلاف من موظفي الدولة لم يتلقوا رواتب عن عملهم منذ سنوات. وقال محمد عمر محمد، صاحب محل بقالة في مدينة المكلا منذ 30 سنة، للصحيفة الأمريكية، إنه يشهد تأثير الأزمة الإنسانية في انخفاض القوة الشرائية لدى الناس، فكثير من الزبائن باتوا لا يشترون الأرز، ويكتفون بالخبز المدعوم، مشيراً إلى أنه توقف عن تخزين سلع مثل النوتيلا والتونة المعلبة عالية الجودة لأن زبائنه لم يعودوا قادرين على شرائها.
بينما يشتغل حسين سعيد عوض مدرس لغة عربية في المكلا، ويكسب 55 ألف ريال يمني (أقل من 35 دولاراً) في الشهر، وقد كانت أسرته قبل سنوات مضت تجلس بعد الإفطار لتناول الفواكه الطازجة والمعجنات والشوكولاتة. أما الآن فيكتفي وأولاده بالقهوة والتمر، ولأنه لا يستطيع شراء اللحم، فإنهم يفطرون على حساء الكرشة.
كاثة أكبر
ووفقاً للصحيفة فإن اليمن يعد موطناً لإحدى أشد الأزمات الإنسانية وطأة في العالم، فقد اشتعلت الحرب الأهلية في عام 2014، وتأججت بالتدخل المتواصل لقوى خارجية مختلفة، ولم تشهد البلاد قدراً من الهدوء إلا خلال العامين الماضيين، إلا أن الخبراء يحذرون الآن من أن اليمن يوشك على الانحدار إلى كارثة أكبر.
قالت الصحيفة الأمريكية إن اليمن يقف على عتبة اندلاع الحرب في البلاد مرة أخرى، فقد أعلنت قوات جماعة الحوثي، التي تسيطر على جزء كبير من شمال البلاد، أنها ستهاجم السفن المرتبطة بإسرائيل والمتجهة إلى موانيها لمناصرة الفلسطينيين، وللضغط على إسرائيل كي توقف حربها المتواصلة على غزة منذ 6 أشهر.
ورداً على ذلك، أعلنت الولايات المتحدة عن تشكيل تحالف دولي بدعوى تأمين الملاحة البحرية في البحر الأحمر، وبدأ التحالف في شن غارات جوية على اليمن.
تقليل التمويل
كما بينت الصحيفة أن أكثر من 18.2 مليون يمني (من أصل 35 مليون نسمة) يعتمدون الآن على المساعدات الإنسانية الخارجية، لكن جهات مانحة دولية عديدة أعلنت عن تقليل التمويل الموجه إلى اليمن وتحججت بانصراف الاهتمام إلى أزمات إنسانية أخرى، منها الحرب في أوكرانيا والمجاعة الوشيكة في غزة.
وفي ديسمبر/كانون الأول أعلن برنامج الأغذية العالمي عن تعليق توزيع المواد الغذائية في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، والتي يعيش فيها الغالبية العظمى من اليمنيين.
وقالت الوكالة، التي تشرف الأمم المتحدة على إدارتها، إن القرار جاء بسبب "نقص التمويل"، فضلاً عن الخلافات مع السلطات الحوثية بشأن رغبة الوكالة في تقليل كميات المساعدات، والتركيز على أشد الأسر احتياجاً.
وفي هذا السياق، حذرت إيديم ووسورنو، مديرة العمليات والمناصرة في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، في 14 مارس/آذار، من تفاقم انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية في اليمن في الأشهر الأخيرة، لافتة إلى أن تحسن الأحوال الإنسانية الذي أشرفت عليه الوكالة خلال العامين الماضيين "معرض لخطر الانهيار".
"موسم جوع"
إلى ذلك، قال بيتر هوكينز، ممثل منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسيف" في اليمن، إن فصل الربيع هو موسم حصاد في اليمن، وتتوافر فيه المحاصيل الزراعية إلى حدٍّ ما، لكنه يتخوف مما سيحدث في الصيف والخريف، فالبلاد ربما يحل بها "موسم جوع" بسبب نقص المحاصيل والمواد الغذائية.
طلبت الأمم المتحدة العام الماضي مبلغ 4.3 مليار دولار لتمويل عمليات الإغاثة في اليمن، ومع ذلك لم تحصل من المانحين إلا على أقل من نصف هذا المبلغ. ومن ثم قللت من تطلعاتها هذا العام، وطالبت بالحصول على 2.7 مليار دولار فقط.
هوكينز أوضح أن "نقص الغذاء اليوم، أو غداً، ليس المشكلة الكبرى، بل تراكم النقص؛ لأن ذلك يعني توطُّن الفقر المدقع"، و"ما يزيد من مخاوفنا أن المجتمع الدولي لم يستجِب بعد لاحتياجات المساعدات الغذائية التي طالبنا بها من أجل عام 2024. وكلما تأخروا، ازدادت الأمور سوءاً".