كشفت مجلة "Politico" الأمريكية أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وبعض المقربين منه يدرسون فعلاً فكرة الدعوة إلى انتخابات مبكرة في إسرائيل في سعيه للاستمرار في السلطة، رغم أن المعارضة هي من تدعو إلى ذلك، وتتهم نتنياهو بالفشل في حربه على قطاع غزة.
المجلة الأمريكية أشارت في تقرير لها، الثلاثاء 19 مارس/آذار 2024، إلى أن نتنياهو وحزب الليكود الذي يتزعمه سارعا إلى توبيخ زعيم الأغلبية الديمقراطية بمجلس الشيوخ الأمريكي، السيناتور تشاك شومر، رداً على دعوته الصريحة إسرائيل لإجراء انتخابات برلمانية.
حذَّر شومر، وهو أرفع مُشرِّع يهودي في الكونغرس الأمريكي، في خطابٍ لاذع، إسرائيل من أنَّها تخاطر بأن تصبح "منبوذة" دولياً ما لم تُغيِّر نهجها في حملتها العسكرية في غزة وتتبنّى حل الدولتين.
نُظِرَ إلى هذا التدخل الصريح، الذي اعتبر نتنياهو إحدى العقبات أمام السلام، في كلٍّ من واشنطن وإسرائيل، ليس فقط باعتباره تحولاً لافتاً بالنسبة لشومر شخصياً، بل أيضاً بالنسبة للسياسة الأمريكية.
كان، بطبيعة الحال، مؤشراً آخر على إحباط الديمقراطيين الأمريكيين في ظل خشيتهم من إمكانية أن تؤدي الحرب في غزة وحصيلتها العالية من القتلى إلى فقدان الرئيس جو بايدن للناخبين الشباب الحاسمين في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
لكنَّ نتنياهو والليكود طلبا في بيانهما من شومر العودة إلى الصف، وصرَّحا بأنَّ إسرائيل ليست "جمهورية موز". ثُمَّ أبلغ رئيس الوزراء حكومته يوم السبت الماضي، 16 مارس/آذار، بأنَّه "لا يوجد ضغط دولي سيمنع إسرائيل" من تحقيق أهداف حربها.
"نصيحة أصدقاء"
لكن رغم الإهانة التي قد يشعر بها نتنياهو وحزبه، فإنَّ دعوة شومر قد ترقى لكونها نصيحة أصدقاء. ويفكر القائد الإسرائيلي ودائرته المقربة بالفعل فيما إذا كانت تتعين الدعوة إلى انتخابات مبكرة في إسرائيل، ولو أنَّ ذلك لن يكون للأسباب التي ساقها السيناتور الأمريكي.
فيما يحاول نتنياهو التشبث بالسلطة، فإنَّه يواجه مطالب متناقضة بشأن اتجاه الحرب. فساسة المعارضة الذين انضموا إلى حكومة الحرب بزعامته لطالما دفعوا باتجاه التوصل إلى صفقة مع حماس لتأمين إعادة الرهائن الإسرائيليين المتبقين قيد الاحتجاز في غزة.
في حين يدفع مشرِّعو الليكود، وكذلك القوميون المتدينون واليمينون المتطرفون في ائتلافه باتجاه استمرار الحرب بكامل قوتها حتى القضاء على حماس. وهم أيضاً رافضون تماماً للمطالب الأمريكية والأوروبية بخصوص خطة "اليوم التالي"، التي تشمل مفاوضات حقيقية لتأسيس دولة فلسطينية مستقلة.
في مقابلة تلفزيونية مؤخراً، أعاد بايدن التأكيد على معارضته للقيام بعمل عسكري في رفح دون وجود خطة موثوقة لحماية المدنيين، مُحذِّراً من أنَّ هجوماً كهذا سيُمثِّل "خطاً أحمر" بالنسبة له.
لكنَّ نتنياهو ببساطة صبَّ الزيت على النار الدبلوماسية المشتعلة، مُعلِناً يوم الجمعة الماضي، 15 مارس/آذار، التصديق على الخطط العسكرية للهجوم.
نتنياهو فكر في انتخابات مبكرة في إسرائيل
لذا، ومع تصاعد الضغوط في الداخل والخارج، يفكر الآن نتنياهو ومساعدوه الموثوقون فيما إن كان إجراء انتخابات مبكرة في إسرائيل قد يكون التكتيك الأفضل بالنسبة له من أجل محاولة إبقاء قبضته على السلطة.
فوفقاً لمساعد حالي لنتنياهو تحدث مع مجلة Politico الأمريكية، جرى بحث هذا الخيار لأول مرة في جلسات استراتيجية منتظمة، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، حتى قبل أن يقول الوزير بحكومة الحرب غادي آيزنكوت علناً إنَّه يجب إجراء الانتخابات قريباً، من أجل استعادة الثقة في الحكومة عقب هجمات السابع من أكتوبر.
صرَّح نداف شتراوشلر، وهو مخطط استراتيجي سابق عمل مع نتنياهو، للمجلة، بأنَّ "بيبي في موقف صعب، ولديه مشكلات كبيرة أينما توجه". لكنه يضيف أنَّ "لديه دائماً خطة، بل في الواقع أكثر من خطة، وهو يقول دائماً إنَّ عليك أن تأتي بخطتين، ثُمَّ تُقرِّر أيهما أفضل في اللحظة الأخيرة". وتابع بأنَّ الاستسلام ليس من طباع نتنياهو.
أُطلِقَ على نتنياهو لقب "بيبي الساحر" في تسعينيات القرن الماضي، بعدما هزم شيمون بيريز في الانتخابات التي أُجريَت بعد أشهر من اغتيال رئيس الوزراء آنذاك إسحاق رابين. وقد حاول الرئيس الأمريكي آنذاك، بيل كلينتون، عرقلة حملة نتنياهو الانتخابية سراً، لكن دون جدوى.
لاحقاً، اعتقد قليلون أنَّ بإمكانه الفوز في 2015 بالنظر إلى الحديث عن تحقيق جنائي محتمل في مزاعم بخيانة الأمانة والرشوة والغش. مع ذلك أخرج بيبي أرنباً آخر من قبعته، وأمَّن إعادة انتخابه من خلال التودد إلى اليمين الإسرائيلي المتطرف والقوميين المتدينين.
الاحتجاجات تُقلق نتنياهو
يتمثَّل واحد من أكبر مخاوف نتنياهو في أنَّ الاحتجاجات ضده ستندلع قريباً مجدداً، بل وربما حتى تُقزِّم هذه المرة تظاهرات العام الماضي ضد خططه للإصلاح القضائي.
لذا، فإنَّ أحد الخيارات هو محاولة استباق هذا من خلال الذهاب إلى انتخابات مبكرة في إسرائيل واستخدام الانتقادات الأمريكية المتصاعدة للحرب في غزة للمجادلة بأنَّه أفضل شخص يدافع عن إسرائيل ويتصدى للانتقادات الدولية حتى تحقيق "النصر الكامل".
من أجل هذا الهدف يستخدم نتنياهو مقولة "الوقوف في وجه واشنطن" في وسائله الإعلامية الناطقة باللغة العبرية، وهي مقولة خدمته جيداً في الماضي، خصوصاً حين تحدى الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما.
بينما تُظهِر استطلاعات الرأي أيضاً إشارات على أنَّ الأمور ربما تعود لتصب في صالح بيبي. فوفقاً لاستطلاع رأي نشرته القناة الرابعة عشرة الإسرائيلية، يملك نتنياهو فرصة للقتال من أجل البقاء في السلطة، وربما تحصل كتلته على أغلبية في الكنيست، وإن كانت أغلبية ضئيلة.