قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، الأحد 17 مارس/آذار 2024، إن الجيش الإسرائيلي استهدف بشكل منهجي عشرات المبرمجين وخبراء التكنولوجيا بغزة، إلى جانب تدمير مقار شركاتهم، وذلك في إطار جريمة الإبادة الجماعية التي ينفذها في قطاع غزة، منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
المرصد الأورومتوسطي أبرز في بيان له قيام الجيش الإسرائيلي باستهداف وقتل أصحاب العقول والخبرات، لاسيما ذوي الكفاءة في مجال تكنولوجيا المعلومات والبرمجة وهندسة الحاسوب، والمؤثرين في هذه المجالات الحيوية، كحال نخب أخرى في المجتمع المحلي مثل الأطباء والأكاديميين وغيرهم.
الاحتلال قتل العشرات من خبراء التكنولوجيا بغزة
وثق الأورومتوسطي قائمة شملت عدة خبراء لتكنولوجيا المعلومات، بما في ذلك البرمجة والذكاء الاصطناعي، ممن قضوا جراء الهجمات العسكرية الإسرائيلية التي استهدفت أماكن وجودهم في أماكن متفرقة في قطاع غزة.
من بين هؤلاء مهندس البرمجة البارز هيثم محمد النباهين، الذي كان يعد أحد أمهر الخبراء في مجاله في القطاع، وقد قضى مع زوجته المهندسة نسمة زهير صادق، في قصف إسرائيلي استهدف منزلاً كانوا نزحوا إليه في مخيم "البريج" للاجئين، وسط قطاع غزة، في 14 مارس/آذار الجاري.
في إفادة للمرصد الحقوقي قال أحد أقارب النباهين إنه كان نزح مع عائلته إلى منزل إلى رفح، أقصى جنوب قطاع غزة، لكنهم تعرضوا إلى قصف إسرائيلي أدى في حينه إلى مقتل طفليه محمد وليان، وإصابة زوجته بجروح، ما دفعهم إلى النزوح مجدداً إلى منزل آخر في مخيم "البريج"، ليستهدفهما الجيش الإسرائيلي مجدداً ويقتلهما بعد نحو أسبوعين.
كما أضاف أن النباهين كان بانتظار صدور اسمه في كشوفات التنسيق للراغبين في السفر إلى خارج قطاع غزة، بغرض النجاة بنفسه وعلاج زوجته من إصابتها، وقد دفع رسوماً مالية كبيرة مقابل ذلك، لكن الاستهداف الإسرائيلي لهما كان أسرع ليلحقا بطفليهما القتيلين.
في 31 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قتل الجيش الإسرائيلي طارق ثابت، مدير برامج حاضنة "يوكاس" التكنولوجية التابعة للكلية الجامعية في قطاع غزة، وخريج برنامج زمالة (Hubert H. Humphrey) الأمريكي، من خلال قصف استهدف منزله، ما أدى إلى مقتله وزوجته وأبنائه ووالديه وعدد من أفراد عائلته.
كما قتل في قصف إسرائيلي مماثل، في 21 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، مهندس البرمجيات براء عبد الله السقا، مؤسس شركة (DITS)، والمتخصص في برمجة المواقع الإلكترونية وتطبيقات الهاتف الذكي (Senior and lead developer)، وقد عمل في العديد من الشركات المتخصصة في المجال، منها مدير تقني في شركة (CTO)، وكان ينشط في تقديم الدورات البرمجية وورشات العمل المختصة.
كان السقا يعد من أشهر المبرمجين الشباب في غزة، وحصل على العديد من الشهادات والجوائز تقديراً لجهوده في تدريب العديد من الموظفين الجدد في المجتمع التقني، فضلاً عن أنه طالب في برنامج الماجستير في مجال هندسة الحاسوب باختصاص الذكاء الصناعي. وكان السقا قُتل في استهداف لمنزله بشكل مباشر ودون سابق إنذار في مدينة غزة، مع زوجته الحامل بطفلهما الأول وعائلة زوجته.
القائمة تضم كذلك محمد العطل، الذي قضى في 26 أكتوبر/تشرين الأول، وحمزة الشامي في 2 نوفمبر/تشرين الثاني، وكلاً من عبيدة خاطر في 20 ديسمبر/كانون الأول، وأنس الشيخ في 9 من الشهر نفسه، وعبد الرحمن حمادة في 15 مارس/آذار الجاري، إضافة إلى مجموعة أخرى من المبرمجين الشباب، بينهم رامي السوسي وعبد الحميد الفيومي وبلال زقوت، وأحمد نضال قدورة والمهندس محمد حسونة، وغيرهم.
الاحتلال استهدف مقرات وشركات خبراء التكنولوجيا بغزة
في الوقت نفسه، شنّ الجيش الإسرائيلي هجمات مباشرة ومدمرة استهدفت شركات خبراء التكنولوجيا بغزة، في إطار ما وثقه المرصد الأورومتوسطي من دمار واسع النطاق لحق بالقطاع التكنولوجي واستنزاف للبنى التحتية ذات العلاقة به.
المرصد الأورومتوسطي قال إن القطاع التكنولوجي في قطاع غزة تعرض إلى أضرار فادحة دمرت البنية التحتية والمنشآت، وتسببت بفقدان العاملين في القطاع لأعمالهم بفعل تدمير مقار الشركات التقنية والاتصالات، ما قوّض القدرة على استمرار العمل والابتكار في هذا القطاع الحيوي، الذي يعتبر أساساً لكل القطاعات الاقتصادية والتحول الرقمي.
وأوضح أن قطاع غزة كان يضم قبل بدء الهجمات العسكرية الإسرائيلية الأخيرة نحو 65 شركة تعمل في مجالات تكنولوجية متعددة، كالبرمجيات والمعدات التقنية والاستشارات والتدريب التقني والاتصالات وغيرها من المجالات الفرعية، وتوفر فرص عمل لآلاف الشباب والخريجين المتخصصين في هذا المجال.
تشير التقديرات الأولية إلى تدمير وتضرر مقار شركات البرمجة وتكنولوجيا المعلومات وخروج 6 حاضنات أعمال عن الخدمة في القطاع وجميع المراكز التكنولوجية، ومنها تلك التي تضمها جامعات قطاع غزة، نتيجة التدمير الكلي أو الجزئي للبنية التحتية.
كما شدد المرصد الأورومتوسطي على أن الجرائم التي تنتهجها إسرائيل من استهداف وقتل الكفاءات والنخب الفلسطينية وتدمير واسع النطاق والمتعمد ضد الشركات والبنية التحتية، من شأنها عرقلة تطور المجتمع الفلسطيني في قطاع غزة بشكل عام، وتقويض منظومته العلمية والتعليمية والاقتصادية، وحرمان قطاعاته الحيوية من الكوادر المتخصصة والمميزة التي يصعب تعويضها على المدى القريب، إلى جانب خلق حالة من الذعر والإكراه لدى باقي الكفاءات، الأمر الذي قد يدفعهم إلى الهجرة.
المرصد الأورومتوسطي اعتبر أن تلك الجرائم تأتي تنفيذاً للسياسات الإسرائيلية العلنية، والداعية إلى جعل قطاع غزة مكاناً غير قابل للحياة والسكن، من خلال تصفية الكفاءات وتدمير مقومات وبنى الحياة الأساسية، ما يهدد بخلق مجتمع مشلول غير قادر على التطور والبناء، أو التعافي السريع من الآثار المدمرة للجرائم الخطيرة التي ارتكبتها إسرائيل خلال تلك المدة.