كشف الفلسطيني معتز الإسي تفاصيل استشهاد ابن عمه بلال الإسي برصاص جيش الاحتلال الإسرائيلي في مجزرة الطحين، التي وقعت في شارع الرشيد بمدينة غزة، الخميس 29 فبراير/شباط 2024.
ونقلت صحيفة The Guardian البريطانية، الجمعة 1 مارس/آذار 2024، عن معتز عبر الهاتف من ألمانيا، أن بلال كان يُدرك فظاعة الألم المتمثل في العجز عن إطعام من تحبهم. وزادت فظاعة ذلك الألم كل يوم، بينما هو عاجز عن العثور على حليب لابنتيه، ليان البالغة 5 سنوات، وميلا البالغة سنتين، أو حتى خبزٍ لوالده.
وأضاف معتز: "عندما سمع بلال باحتمالية وصول شحنة مساعدات نادرة من نوعها إلى شمال غزة خلال الساعات الأولى من صباح الخميس، 29 فبراير/شباط، شق بلال طريقه نحو شارع الرشيد المطل على البحر مع شقيقيه".
إذ انضم بلال (28 عاماً)، عاشق كرة القدم الذي يبادر بإلقاء النكات، إلى المئات من الناس المجتمعين حول حلقات النار الصغيرة في البرد القارس أثناء انتظار شاحنات الطعام.
وعندما أُطلقت أولى رصاصات الاحتلال على الحشد، انفصل بلال عن شقيقيه في غمرة الذعر الناتج عن إطلاق النار، وبالتزامن مع تسابق الجميع على الاختباء من الرصاص، وفقاً لمعتز.
وعندما تراجع صوت إطلاق الرصاص، بحث الشقيقان عن بلال بتوترٍ وسط الحشود؛ ليعثروا عليها ينزف من إصابة بالغة في عنقه.
ونجا بلال من الرحلة البطيئة عبر الشوارع المدمرة وصولاً إلى المستشفى، لكنه لقي مصرعه داخل مجمع الشفاء الطبي لاحقاً. وقال شقيقه، الذي اصطحبه إلى المستشفى وكان معه عندما فارق الحياة، إن الإصابة كانت بسبب رصاصة، وفقاً لمعتز.
ويشعر أشقاء بلال ووالده بالحزن والذنب، حيث قال معتز: "لقد انفطرت قلوبهم؛ لأنهم لم يمنعوه من الخروج بحثاً عن الطعام".
وقال ابن عمه إن بلال اختار البقاء في مدينة غزة للعناية بوالده، الذي رفض مغادرة منزله، حتى عندما أمرت القوات الإسرائيلية بإخلاء المنطقة. وبعد أن كرّس بلال حياته لخدمتهم، تعرّض للقتل في النهاية وهو يحاول إبقاء عائلته على قيد الحياة.
كما نقلت الغارديان شهادة المصور وصانع الأفلام شكري فليفل (21 عاماً) الذي كان من بين الموجودين في الحشود أيضاً، وقد شاهد القوات الإسرائيلية تفتح النار على من ينتظرون شاحنات المساعدات في المكان نفسه قبلها ببضعة أيام،. لكنه كان جائعاً كحال الجميع في مدينة غزة.
وأوضح فليفل في مقابلةٍ هاتفية مع الغارديان: "ليس هناك شيء متوافر للشراء في الأسواق حرفياً. واضطر الناس للجوء إلى علف الحيوانات، لكن حتى ذلك العلف أصبح نادراً".
وقال فليفل إنه شاهد في الساعة 4:30 صباحاً تقريباً، أثناء ظلام الفجر، دبابتين إسرائيليتين تتقدمان في شارع الرشيد، وتطلقان النار في الهواء لتفريق الحشود. ثم ظهر صوت الشاحنات بعدها بلحظات. وأردف فليفل: "أدرك الناس أن الطحين الذي طال انتظاره قد وصل أخيراً".
وأثناء اندفاعهم صوب الشاحنات، لاحظ فليفل دبابةً إسرائيليةً أخرى تظهر من الشمال عند تقاطع النابلسي مع الشيخ عجلين. وفتحت تلك الدبابة النار بعدها بلحظات، ثم تعرض الحشد للهجوم من الجنوب أيضاً.
وفي أعقاب الهجوم الأوّلي، قال فليفل إن الدبابات انسحبت جنوباً، لكنها استمرت في مهاجمة الحشد الجائع.
وأضاف: "استخدموا قنابل الصوت وأطلقوا النيران عشوائياً، من مسافة بعيدة، باتجاه المواطنين الذين استمروا في التقدم صوب شاحنات المساعدات".
وتابع فليفل قائلاً: "شاهدت الناس يسقطون بجواري، حيث أُصيب بعضهم واستُشهد البعض الآخر". فألقى فليفل نفسه بين مقعدين من الخرسانة، وفوجئ بأنه لم يُصب بأذى عندما توقف إطلاق النار.
يعمل فليفل مصوراً تجارياً، لكنه تحول إلى العمل في صحافة الحرب بعد تعرض منزله للقصف. ورغم قضائه عدة أشهر في تصوير الهجمات الإسرائيلية، وصف فليفل المشاهد الدموية التي أحاطته يومها بأنها أسوأ "من أي شيء يظهر في أفلام الرعب".