دخلت عائلات المعتقلين السياسيين بتونس باعتصام تضامني مع الموقوفين في ملف "التآمر على أمن الدولة"، مستمرين كذلك في إضرابهم عن الطعام لليوم الـ13، في تحرك جديد يهدف إلى "التذكير" بملف ذويهم في السجون التونسية في قضايا سياسية، متحدثين عن "سنة من المعاناة" مرّوا بها.
يأتي الاعتصام (غير المحدد مدته) تكراراً لآخر مشابه قبل عام في فبراير/شباط 2023، معبرين عن إحباطهم لتجاهل ملف المعتقلين السياسيين في تونس.
اعتصام عائلات المعتقلين السياسيين بتونس
اجتمعت عائلات المعتقلين السياسيين في تونس وشخصيات سياسية وحقوقية مختلفة للتعبير عن معاناتهم في اعتصام بدأ يوم الجمعة 23 فبراير/شباط 2024، بهدف "دراسة ما يمكن فعله لأجل تحريك ملف المعتقلين السياسيين في تونس".
تحدث "عربي بوست" مع هيئة الدفاع عن ملف المعتقلين السياسيين في تونس، وقالوا إنه "لا يتضمن سوى الإبقاء على المعارضين في السجون، بقرار سياسي"، على حد تعبيرها.
قالت النائبة السابقة منية إبراهيم، زوجة السياسي المعتقل عبد الحميد الجلاصي، في تصريح لـ"عربي بوست": "365 يوماً من الاعتقال فترة ليست بالبسيطة بين جدران السجن، وبملفات فارغة، وتهم خطيرة تصل عقوبتها للإعدام".
شددت منية على أنه "كان عاماً صعباً وقاسياً علينا، وبالنسبة لي فإن هذا العام الثامن عشر من حياة الجلاصي في السجون؛ لأنه في عهد بن علي قضى 17 سنة في السجن".
الجلاصي سجين سياسي سابق، وهو قيادي بارز في حركة "النهضة"، ومن أشد معارضي قيس سعيد، ويعتبر جميع قراراته في 25 يوليو/تموز 2021 "انقلاباً على الدستور".
فائزة الشابي زوجة الأمين العام لحزب "الجمهوري"، عصام الشابي، قالت لـ"عربي بوست": "اعتصامنا يأتي تضامناً مع المعتقلين في سجون الاستبداد، لأنه ما من مجيب لمطالب رفع هذا الظلم".
رأت في حديثها مع "عربي بوست " أن "الإبقاء على المعتقلين السياسيين في السجون يؤكد سياسة الاستبداد والتفرد بكل السلطات، وأن من يعارض قيس سعيد مكانه السجن وليس الحرية".
في هذه الأثناء، يخوض المعتقلون عبد الحميد الجلاصي، وعصام الشابي، وغازي الشواشي، وجوهر بن مبارك، ورضا بالحاج، وخيام التركي، إضراباً عن الطعام، للأسبوع الثاني على التوالي، كذلك أعلن رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي دخوله في إضراب جوع تضامناً معهم.
بحسب هيئة الدفاع عن المعتقلين السياسيين في تونس، فإن المضربين فقدوا الكثير من الوزن، ويعانون الأوجاع، وباتوا غير قادرين على الوقوف والحركة.
الحالة الصحية للمعتقلين
أفادت كذلك محامية الدفاع دليلة مصدق، وهي شقيقة السجين المعارض جوهر بن مبارك: "أنا في زيارة يومية للمعتقلين، آثار إضراب الجوع باتت واضحة عليهم من نحافة وتعب وأوجاع بالعضلات".
لكن مصدق شددت في تصريحها لـ"عربي بوست" على أنه "رغم كل الوجع، إلا أن عزيمة المعتقلين صلبة وقوية، وهم متمسكون بالإضراب، وإرادتهم لا تكسر".
عن حصول أي تقدم بملف المعتقلين، أكدت المحامية أنه "لا جديد إطلاقاً، بسبب تجاهل ملفهم السياسي بامتياز"، مشددة على أنه "ليس ملفاً قضائياً".
أكدت أيضاً أنه على الرغم من تقديم هيئة الدفاع العديد من مطالب إطلاق سراحهم، إلا أن القضاء دائم الرفض لها، وأنها تتعلل بـ"مزيد الاستقراء"، وأنه منذ انتهاء فترة الإيقاف الأولى، وهي 6 أشهر، تم التمديد لمرتين بالحبس للمعتقلين، في كل مرة 4 أشهر.
"المعارضة تعني السجن"
قالت النائبة السابقة منية إبراهيم إن "السلطة الحالية لا تعترف بحرية العمل السياسي"، مضيفة أن "كل من يعارض الانقلاب، يجد نفسه في السجون، ولهذا يقبع عشرات المعارضين السياسيين في الزنازين".
عن سجن المعارضين في عهد قيس سعيد، قالت: "كنا نعتقد أن سجن المعارضين صفحة انتهت مع ثورة 2011، لكن ها نحن من جديد، في ظل حكم الانقلاب، نعود للسجون، وتتجدد معاناتنا"، على حد قولها.
استمرار حبس المعتقلين
يقبع في سجون تونس عشرات السياسيين البارزين، من الصف الأول للأحزاب السياسية، والعديد من الوزراء والمسؤولين السابقين الذين تقلدوا مناصب عليا، من بينهم رئيس البرلمان المنحل ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي (82 عاماً)، ووزير الداخلية ورئيس الحكومة السابق علي العريض منذ عام ونصف، بملف "التسفير" إلى بؤر التوتر.
أما غيابياً، فقضت محكمة تونسية، الجمعة 23 فبراير/شباط 2024، بسجن الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي 8 سنوات، على خلفية تصريحات أدلى بها على مواقع التواصل الاجتماعي.
ولم تذكر المحكمة متى صدرت تلك التصريحات المنسوبة للمرزوقي، كما لم يسم وسيلة التواصل الاجتماعي التي أدلى فيها المرزوقي بتصريحاته تلك.
يشار إلى أنه خلال عام 2023، اعتقلت السلطات في تونس أكثر من 20 شخصية سياسية بارزة في البلاد، ويواجه بعضهم تهمة "التآمر على أمن الدولة"، وهو ما تنفيه المعارضة.
في المقابل، يقول الرئيس التونسي قيس سعيد مراراً إن ما قام به "إجراءات استثنائية" لدفع العملية السياسية في البلاد، وأنه لم يمس استقلالية القضاء، بينما يتهمه معارضوه باستخدامه لملاحقة الرافضين لقراراته التي بدأها في عام 2021، وسببت أزمة سياسية حادة في البلاد مستمرة إلى اليوم.