نشرت صحيفة The Times البريطانية، السبت 17 فبراير/شباط 2024، جانباً من الحياة برفح جنوبي قطاع غزة، حيث يتكدس فيها نحو 1.5 مليون فلسطيني، مشيرة إلى أن الشبان يلجأون إلى "سناب شاب" لتوثيق معاناتهم.
الشاب الفلسطيني أسامة مقداد، ينشر مقاطع الفيديو على تطبيق "سناب شات" كل يوم، لكنه على خلاف المستخدمين العاديين للتطبيق لا ينشر صوراً شخصية ولا لقطات لأطباق الطعام في المطاعم التي يتردد عليها، بل يوثق كفاحه اليومي للعثور على ما يسد به رمقه من طعام وماء.
يبلغ أسامة من العمر 26 عاماً، وهو من حي الشيخ رضوان بشمال غزة، وتخرج في قسم هندسة البرمجيات قبل الحرب، لكنه يعيش الآن في مخيم المواصي للاجئين في رفح، جنوبي غزة، بعد أن دمرت قوات الاحتلال الإسرائيلي منزله.
يعيش في رفح الآن نحو 1.5 مليون فلسطيني، أي ثلاثة أرباع سكان غزة، ومعظمهم نزحوا من محافظات شمال غزة ووسطها. ومن السماء يبدو التغير الذي طرأ على رفح جلياً، لكن الصور الملتقطة من أرض الواقع تنقل صورة أكثر حميمية لحياة النازحين في غزة.
تحدثت صحيفة The Sunday Times البريطانية إلى مدنيين لجأوا إلى مخيمات اللاجئين في رفح، وجمعت ساعات من مقاطع الفيديو التي نُشرت من هناك على مدار شهر.
الشبان يلجأون إلى "سناب شات" لتوثيق الحياة برفح
ينشر أهل غزة على "سناب شات" صوراً ولقطات فيديو توثق معاناة النزوح، وقد تزايد منذ بدء الحرب نشاط المستخدمين على التطبيق الذي يزيد عدد مستخدميه في العالم على 400 مليون مستخدم. وتتيح خاصية البحث عبر "الخريطة" في التطبيق للمستخدمين مشاهدة مقاطع الفيديو العامة المعروفة باسم "اللقطات" (snaps) من أي مكان في العالم.
ولما كانت إسرائيل تقيِّد سبل الوصول المستقلة للصحفيين الدوليين إلى غزة، ويعمل الصحفيون المحليون في أحوال شديدة الخطورة؛ فإنّ جمع المعلومات صار أمراً تعترضه صعوبات جسيمة.
قال أحمد المغني، الذي لجأ إلى إحدى المدارس شرق رفح بعد نزوحه من الشمال: "كنت أعيش في منزل يملؤه الحب والأمل، حتى جاءت هذه الحرب ودمرت كل شيء"، فنحن "لم نفقد منزلنا فحسب، بل خسرنا أيضاً مصدر رزقنا وأرضنا المزروعة وسيارتنا الوحيدة".
ينشر بعض مستخدمي "سناب شات" صوراً قديمة لحياتهم قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول، وأطباق الطعام التي كانوا يقدمونها في ولائمهم، وصور أحيائهم القديمة التي كانت تنتشر في شوارعها أشجار النخيل والمقاهي المفتوحة، ويقارنونها بصورٍ ومقاطع فيديو ملتقطة داخل منازلهم المدمرة الآن.
قال أوليفر كيري، من وكالة Storyful، وهي وكالة مراقبة أخبار وسائل التواصل الاجتماعي، والمتخصصة في تحليل المعلومات المتاحة للجمهور، إن "سناب شات أداة استخباراتية مفتوحة المصدر"، ويسهل فيه "التحقق من التاريخ والموقع" و"التوثُّق من المصدر"، لأنه يحتوى على خاصية تتيح الاطلاع على الموقع الذي ينشر منه المستخدم لقطاته.
وأشار كيري إلى أن "الصور ومقاطع الفيديو التي يلتقطها المدنيون وينشرونها على وسائل التواصل الاجتماعي هي الطريقة الوحيدة لرؤية ما يحدث بوضوح بأعيُن سكان غزة. إذ يمكننا أن نرى المكان الذي أُجلي الناس منه، والمكان الذي وقعت فيه الغارة، والمشاهد المباشرة للناس بعيد انهيار المباني".
مقاطع الفيديو تظهر معاناة النازحين
وتُظهر مقاطع الفيديو كذلك النازحين من غزة وهم يلتمسون سبل مواصلة الحياة بالترفيه عن الأطفال، وإقامة محطات مؤقتة للحلاقة وتصفيف الشعر.
كانت رفح مدينة صغيرة قبل الحرب، تضم أقل من 50 ألف مبنى وعدد سكانها أقل من 200 ألف نسمة، أما الآن فيكشف تحليل بيانات القمر الاصطناعي "كوبرنيكوس سنتينل-1" أن ما لا يقل عن 30% من المباني في رفح قد تعرض للتدمير، وقد تضاعف عدد السكان في المنطقة 7 مرات على الأقل.
في مقاطع الفيديو المنشورة على التطبيق، يظهر أهل غزة وهم يطبخون الأطعمة المعلبة على مواقد المخيمات، فيما يلاحق بعضهم شاحنات المساعدات، ويحمل الأطفال الأوعية فوق رؤوسهم، ويتدافعون في طوابير الانتظار لعلهم يحصلون على شيء من الطعام.
نُشر مقطع فيديو من رفح هذا الأسبوع، يحمل عنوان "كل يوم تزداد المجاعة أكثر في رفح". وفي هذا السياق، قال أسامة: "ليس لدينا إلا وجبة واحدة فقط في اليوم"، وقد "مشيت هذا الصباح لساعات من أجل الحصول على الماء. ووجدت بعض المواد الغذائية في السوق ولكن الأسعار كانت مرتفعة للغاية. ولا نجد إلا الأطعمة المعلبة مثل الفول والحمص".
نزح أحمد المغني من منزله في حي الشجاعية بمدينة غزة إلى شرق رفح، ويقول إنه يستيقظ في السادسة صباحاً كل يوم ليبدأ رحلة بحثه عن الماء والغذاء والحطب. وقال إن أسعار السلع الأساسية زادت زيادة كبيرة، وبات بعضهم يبيع الخيام مقابل 500 دولار، واضطرت بعض الأسر إلى بيع أي مساعدات تتلقاها لشراء خيمة تؤويهم.
نشر أحمد مقطع فيديو يسخن فيه مياهاً ملوثة على موقد نار مؤقت من أجل الاستحمام، وقال إن "تكلفة شراء كمية كافية من الحطب لأسبوع تبلغ نحو 75 دولاراً". وأظهرت مقاطع فيديو على "سناب شات" مجموعة من الأهالي وهم يلاحقون صهريج مياه بمخيم للاجئين في رفح الأسبوع الماضي.
مع ذلك، يبذل الأهالي قصارى جهدهم للترفيه عن الأطفال، وربما يستحيل عليهم حماية الصغار من القصف ومشاهد الموت، إلا أن مقاطع الفيديو تُظهر البالغين وهم يحاولون صرف أنظار الصغار عما يحدث حولهم بالرسم على الوجوه وتنظيم الألعاب وارتداء ملابس ميكي ماوس، وتطيير الطائرات الورقية.