كشفت صحيفة Haaretz الإسرائيلية، في تقرير لها السبت 10 فبراير/شباط 2024، عن قصة الطفلة الفلسطينية رقية جهالين التي أكملت للتو عامها الخامس، وقتلت بنيران قوات شرطة حدود الاحتلال الإسرائيلي، بعد أن اخترقت رصاصةٌ صدرها، لكنها لم تسلم جثتها إلى عائلتها المكلومة إلا بعد 10 أيام من الواقعة.
كانت رقية جهالين ستحتفل بعيد ميلادها الخامس في 9 فبراير/شباط 2024. لكن هذا لن يحدث أبداً، لأنه قبل شهر تقريباً، قُتلَت برصاص قوات شرطة الحدود الإسرائيلية. وأطلقت الشرطة ما لا يقل عن 32 رصاصة على سيارة الأجرة المشتركة التي كانت تستقلها الفتاة الصغيرة مع والدتها وشقيقتيها (15 و12 عاماً) وشقيقها، في طريق عودتهم إلى منزلهم بالضفة الغربية. وكانت هي الشخص الوحيد الذي قُتِل جراء إطلاق النار العشوائي المجنون.
حتى الأطفال الصغار!
كانت تجلس في منتصف المقعد الخلفي لسيارة فورد ترانزيت عندما أصابت رصاصةٌ السيارة من الخلف واستقرت في صدرها. وأخرج ضباط الشرطة جثتها من الشاحنة، وظلت ملقاة على الطريق لمدة ست ساعات تقريباً قبل أن يسمحوا لوالديها المصدومَين بالاقتراب.
ثم أخذ الضباط الجثة ولم يعيدوها إلى الأسرة المكلومة إلا بعد 10 أيام. هذه هي الطريقة التي تتعامل بها إسرائيل، في الحياة والموت، مع أجساد الفلسطينيين وكرامتهم، حتى الأطفال الصغار الذين لم يبلغوا سن الخامسة.
ربما تكون "بيت إكسا" هي القرية الأكثر محاصرة وعُزلة في الضفة الغربية، التي زادت أيضاً بعد عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول. وبسبب موقعها شمال غربي القدس، بجوار حي راموت، أغلق الاحتلال مدخلها الوحيد بجدار مؤقت في عام 2008، ثم بعد عامين بجدار دائم.
تفاصيل الواقعة
وصلت رقية وعائلتها إلى نقطة التفتيش عند مدخل قريتهم، حيث كان عليهم الخضوع لإجراءات التفتيش الصارمة المعتادة. وتستذكر مروة، شقيقة رقية البالغة من العمر 15 عاماً، الآن أنَّ ثلاثة من جنود حرس الحدود كانوا عند نقطة التفتيش، رجلين وامرأة. وبعد التدقيق، سُمِح للسائق بالتقدم نحو البوابة الحديدية وصولاً للطرف الآخر من الحاجز، الذي هرعت الضابطة لفتحه. وكان كل شيء يتبع روتين نقاط التفتيش المعتاد والمُحكَم.
فجأةً سُمِعَ دوي طلقات نارية، وانهال وابل من الرصاص من خلف الشاحنة ولم يكن لدى الركاب أية فكرة عمّا يحدث، تقول مروة: "صرخنا من الخوف، وأصابت بضع رصاصاتٍ أرضية سيارة الأجرة، تحت أقدامنا". وأوقف السائق، الذي تجمّد من الخوف، السيارة فور مرورها عبر البوابة. وحاولت الأم عائشة حماية أطفالها، فضمت إليها رحمة ومحمد المذعورين من المقعد الخلفي. ثم سحبت رقية نحوها، وشعرت بالفزع عندما رأت الدم يسيل من ظهرها.
تروي مروة أنَّ والدتها صرخت قائلة إنها تريد النزول من سيارة الأجرة ونقل رقية إلى المستشفى، لكن السائق حذرها من أنها إذا خرجت من السيارة فسوف يطلق الضباط النار عليها هي الأخرى. واستدعى السائق سيارة إسعاف من بدّو، التي وصلت بعد دقائق، إلا أنَّ قوات أمن الاحتلال الإسرائيلية منعتها من المرور عبر الحاجز للوصول لسيارة الأجرة على الجانب الآخر من نقطة التفتيش.
بعد نحو 15 دقيقة، توقفت رقية عن التنفس، كما تقول مروة، مضيفةً أنهم اضطروا إلى البقاء في سيارة الأجرة لمدة 20 دقيقة إضافية، وهي المدة التي شعروا بأنها مرت دهراً. ولم يكلف أحد من عناصر حرس الحدود نفسه عناء الاقتراب ليرى ما حدث داخل الشاحنة.
وبعد أن قال لهم السائق: "لدينا طفل جريح هنا"، عندها فقط اقترب أفراد الأمن من رقية المحتضرة. وتقول مروة، إنه سُمِح للركاب بعد ذلك بالنزول من السيارة، وحمل رقية إلى نقطة التفتيش. وفحص المسعفون في سيارة الإسعاف الإسرائيلية، الذين استُدعوا إلى الموقع في هذه الأثناء، الطفلة، لكنهم أخبروا عائشة على الفور بأنَّ طفلتها ماتت.
تم تشريحها رغماً عن العائلة
يقول إياد حداد، الباحث الميداني بمنظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية "بتسيلم"، الذي حقق في الحادثة، إنَّ 32 طلقة أصابت سيارة الأجرة التي كان بداخلها نساء وأطفال، أربع منها أصابت المقاعد و28 طلقة في هيكل السيارة، وقتلت رصاصة واحدةٌ الفتاة الصغيرة.
وتبيَّن أنَّ أفراد حرس الحدود منعوا والد رقية، أحمد، الذي استدعاه سائق التاكسي إلى مكان الحادث، من الاقتراب من ابنته في لحظاتها الأخيرة ومحاولة تهدئة زوجته وأطفاله المضطربين. ويقول أحمد إنه أُجبِر على الانتظار عند نقطة التفتيش لمدة ست ساعات، بينما كانت جثة ابنته ملقاة على الطريق ملفوفة في كيس بلاستيكي أسود. وطلب أحمد السماح له على الأقل بالوقوف بجانب جثة رقية، لكن الشرطة رفضت. وأخيراً، أخذ أفراد الأمن الجثة وأخبروا أحمد بأنه سيتسلمها في صباح اليوم التالي.
وأخبر الأب صحيفة Haaretz: "لقد انتظرت جثمانها لعشرة أيام". أرادت الشرطة إجراء تشريح للجثة ورفضت الأسرة، لكن محكمة في القدس أعطت الضوء الأخضر بإجراء التشريح. ووفرت منظمة غير حكومية دولية معنية بحماية الأطفال محامياً للعائلة، وهو المسؤول عن الاتصالات مع السلطات لإعادة الجثة.
وأخيراً، بعد 10 أيام من وفاتها، دُفنت رقية في تراب قرية والدها.