تقدم مراد كوروم، مرشح حزب العدالة والتنمية في إسطنبول، باستطلاعات الرأي، في حين تزداد الانقسامات داخل حزب منافسه أكرم إمام أوغلو، على بُعد أيام من إغلاق باب الترشح للانتخابات المحلية التركية في 20 فبراير/شباط 2024، لأسباب متعلقة بتداعيات زلزال 2023، وتحديداً بشأن مرشح ولاية هاتاي، التي تُعد من أكثر المناطق تضرراً به.
فقد أجَّل أكبر أحزاب المعارضة التركية اجتماع اللجنة التنفيذية له، الذي كان مقرراً الجمعة 9 فبراير/شباط 2024، إلى الأسبوع المقبل، بشأن الاتفاق على مرشحيه في العديد من المقاطعات، من بينها إسطنبول وأنقرة وجزر الأميرات.
تأجيل الحزب اجتماع اختيار مرشحيه، جرى أكثر من مرة خلال الأسابيع الأخيرة، بسبب عدم تمكن قادته من التوصل إلى اتفاق على أسماء الشخصيات التي سيتم ترشيحها عن الحزب في المناطق المتبقية التي بقيت دون مرشح رسمي حتى الآن.
انقسام الشعب الجمهوري في البرلمان
في ظل حالة الانقسام التي يشهدها حزب الشعب الجمهوري، التي ظهرت مع "تيار التغيير" الذي أطاح برئيس الحزب السابق من رئاسته كمال كليجدار أوغلو؛ انعكست هذه الحالة في صفوف البرلمان؛ الذي يشغل فيه الحزب حالياً 129 مقعداً.
تُشكل المجموعة البرلمانية للحزب 3 صفوف داخل أروقة البرلمان.
بينما يحتل أنصار رئيس حزب الشعب الجمهوري أوزغور أوزيل الصفوف الأمامية، يجلس أنصار أكرم إمام أوغلو في الصفوف الوسطى، فيما تبقت الصفوف الأخيرة للنواب الذين ما زالوا يدعمون الرئيس السابق كمال كليجدار أوغلو.
ظهر ذلك الانقسام على أنشطة الانتخابات المحلية والبرلمانية على حد سواء، خاصة أن المجموعات الثلاث في مجلس الحزب، هي الهيئة الوحيدة المخولة بتحديد المرشحين للانتخابات القادمة، وكانت تتنافس بشكل كبير على ترشيح أسماء قريبة منها، ما تسبب بأجواء مشحونة ومتوترة بينها.
عمدة بلدية هاتاي الكبرى
رغم حالة الانقسام المتزايدة في أروقة الشعب الجمهوري، كان سبب التأجيل هذه المرة، بحسب جريدة "جمهورييت" المتحدثة بلسان الحزب، هو "وضع عمدة بلدية هاتاي الكبرى لطفي سافاش؛ الذي تصاعدت المطالبات بضرورة مراجعة عملية ترشيحه ممثلاً عن الحزب في الانتخابات القادمة.
بينما أعلن مسؤولو الحزب أنه سيتم إجراء استطلاع جديد حول إمكانية إعادة ترشيح رئيس البلدية الحالي مرة أخرى، أعلن لطفي سافاش أنه لن يسحب ترشحه من الانتخابات على رئاسة البلدية التي يرأسها منذ 15 عاماً.
تحدّث لطفي سافاش، بأن زعيم حزب الشعب الجمهوري أوزغور أوزيل يواصل دعمه، رغم المطالبات المتكررة بضرورة إعادة تقييم قرار الترشح؛ الذي طالبت به شخصيات بارزة في الحزب، مثل نائبي رئيس المجموعة جوخان غونايدين وعلي ماهر باشارير، ونائب ملاطية ولي أغبابا.
زلزال تركيا 2023 سبب الخلاف
في الذكرى الأولى لزلزال 6 فبراير/شباط، نُظمت مسيرة صامتة في مدينة هاتاي، إحدى أكثر المدن تضرراً من الزلزال الذي كان مركزه كهرمان مرعش.
عند قدوم رئيس البلدية لطفي سافاش للمشاركة في المسيرة الصامتة؛ قوبل بهتافات الاستهاجان من المشاركين في المسيرة.
ورفعت شعارات تدعو لطفي للاستقالة، وأخرى اتهمته بالمسؤولية عن حجم الكارثة في الولاية، مرددين: "لطفي يداه ملطختان بالدماء".
بعد الخلاف، تم تأجيل اجتماع اللجنة التنفيذية للحزب إلى 18 فبراير/شباط 2024؛ ما يعني أنه سيكون قبل يومين فقط من غلق باب الترشح في الانتخابات البلدية التركية، المقرر إجراؤها في 31 مارس/آذار 2024.
مع اقتراب عملية الترشيح من نهايتها، يدخل جناح حزب الشعب الجمهوري أسبوعاً حاسماً، ومن المتوقع أن يتم الإعلان عن المرشحين لبعض المناطق الرئيسية، بما في ذلك هاتاي، وتشانكايا في أنقرة، وقاضي كوي، وباكيركوي، وساريير، بالإضافة إلى أدالار وإسنيورت في إسطنبول، المذكورة في تعاون محتمل مع حزب الديمقراطية والمساواة الشعبية الكردي.
من جانبه، رفض رئيس بلدية هاتاي عن حزب الشعب الجمهوري المعارض، لطفي سافاش الانسحاب من الترشح للانتخابات البلدية القادمة، وذلك رداً على تصريحات قيادات أكبر أحزاب المعارضة في تركيا، بإعادة تقييم ترشيحه من جديد على قوائم الحزب.
قال سافاش، بمؤتمر في بلدية هاتاي الكبرى: "تحدثت مع رئيسنا الموقر الليلة الماضية، وموقفه واضح، فهو يقول: مرشحنا هو لطفي سافاش، وسنفوز بالانتخابات"، معلناً أن ترشحه مستمر.
وأضاف: "نحن نعرف بوضوح المنافسات التي يجب علينا خوضها في هاتاي، وسنواصل تقليد الفوز لدينا بولاية ثالثة، ولن أخاف، ولن أرتعد، ولن أستسلم".
إقرار بغضب أهالي هاتاي
من جانبه، قال نائب رئيس مجموعة حزب الشعب الجمهوري علي ماهر بشارير، في مؤتمر عقده في مقر البرلمان التركي، إن "المؤسسة التي ستقرر إعادة ترشيح عمدة بلدية هاتاي الكبرى لطفي سافاش هي المجلس التنفيذي المركزي لحزب الشعب الجمهوري، ومجلس الحزب فقط".
وتابع: "إذا كانت هناك مشكلة مع المرشح في هاتاي بشكل عام، فإن اللجان المختصة في الحزب ستقوم بتقييمها"، مضيفاً: "نحن لسنا أكبر من أهل هاتاي، أو مواطنينا الذين انتقدوا عملية الترشيح".
وقال نائب رئيس الكتلة البرلمانية للشعب الجمهوري: "إن اللجان المختصة في الحزب ستقوم بتقييم هذه القضية بالتفصيل، وتقييم قرار هاتاي، وإجراء مسح شامل في جميع المناطق، ربما في غضون يومين أو ثلاثة أيام من أجل اتخاذ القرار الصحيح".
"لن يتم تغييره"
من جانبه، يرى رئيس شركة "أوبتميار" لاستطلاع الرأي، حلمي داشديمير، أن حزب الشعب الجمهوري لن يسحب مرشحه لطفي سافاش من الانتخابات القادمة.
وقال داشديمير في حديثه لـ"عربي بوست"، إن "حزب الشعب الجمهوري لا يملك الجرأة الآن على تغيير سافاش، الذي يحظى بدعم أوزيل، رغم فشله في خدمة بلدية هاتاي على مدار السنوات الماضية، وخاصة في فترة زلزال 2023".
توقع بأن يستمر سافاش في السباق الانتخابي؛ لكن "سيصب ذلك في مصلحة حزب العدالة والتنمية، خاصة في ظل تنوع مرشحي المعارضة في هذه الولاية التي تقدمت فيها 4 أحزاب معارضة بمرشحين حتى اللحظة.
رئيس بلدية عن أكبر حزبين بتركيا
انتخاب سافاش عمدة لمدينة هاتاي، تم من قِبل حزب العدالة والتنمية في عام 2009، وبعد عدم ترشحه في الانتخابات المحلية في تركيا لعام 2014، تم ترشيحه لمنصب عمدة بلدية هاتاي الكبرى بناء على دعوة من حزب الشعب الجمهوري، ليفوز بالمنصب.
أعيد ترشيح سافاش، بانتخابات 2019 ليفوز فيها، ويواصل مهامه كرئيس لبلدية هاتاي.
بدائل جاهزة
يتصدر اسم حسين جهاد آجيكالين، الذي ترك رئاسة نقابة المحامين في هاتاي على رأس قائمة المرشحين لرئاسة البلدية بعد تركه رئاسة النقابة، إلى جانب النائبة البرلمانية السابقة عن ولاية هاتاي سوزان شاهين؛ التي قالت إنها "لم تتلقَّ عرضاً بعد، وإنها إذا تلقيته فسوف ترفضه".
أسباب أخرى للانقسام
من جانبه، قال الكاتب الصحفي بولنت إرنداش، إن أنقرة لم تشهد مثل هذه المساومة السياسية من قبل؛ خاصة في بلدية تشانكايا التي ينظر إليها على أنها بلدية مضمونة لحزب الشعب الجمهوري منذ سنين.
يرى الكاتب الصحفي، في مقال في صحيفة "تقويم" التركية، أن الخلاف الحاصل داخل أروقة حزب الشعب الجمهوري جاء بسبب عدم وجود اتفاق على تقاسم البلديات بين الجهات المختلفة داخل الحزب .
تابع بأن عملية تشكيل تحالف مع حزب الديمقراطية والمساواة الشعبية في انتخابات إسطنبول لم يكتمل بعد.
وكشف إرنداش أن هناك 24 مرشحاً تقدموا لرئاسة بلدية تشانكايا من حزب الشعب الجمهوري، وأدى ذلك إلى الصراع بين 3 أسماء إلى تطورات قاسية.
شرح الكاتب الصحفي التركي أن ما يحدث في تشانكايا، ربما يكون مؤشراً على الصورة الداخلية لحزب الشعب الجمهوري، حيث يريد أكرم إمام أوغلو ترشيح نائب رئيس الانتخابات والشؤون القانونية في الحزب غول تشيفتشي، لمنصب عمدة بلدية تشانكايا.
في المقابل، يدفع أوزغور أوزيل من أجل ترشيح محاميه وعضو مجلس الحزب حسين جان غونر، بينما يريد عمدة بلدية أنقرة الكبرى، منصور يافاش، ترشيح بكير أوديميش، الذي ترك إدارة التراث الثقافي والطبيعي في أنقرة؛ فيما كان كمال كليجدار أوغلو يطالب باستمرار الرئيس الحالي ألبير تاشدالن في رئاسة البلدية.
تقدم مراد كوروم وانقسام المعارضة لصالحه
اتفق رئيس شركة "أوبتيمار" لاستطلاعات الرأي مع ما ذكره الكاتب الصحفي بولنت إرنداش، بأن ما يحدث داخل صفوف المعارضة من التسابق على حصة من كعكة البلديات في الانتخابات القادمة، "سيزيد من حصص العدالة والتنمية في مختلف الولايات".
أرجع داشديمير سبب ذلك إلى ثبات التحالف الذي يخوض به "العدالة والتنمية" الانتخابات للمرة الثانية خلال أقل من عام، فيما يتفرق تحالف المعارضة، وبات التمزق داخلها هو الخبر الأهم في وسائل الإعلام، حول الإعداد للانتخابات القادمة.
أضاف أيضاً أن مرشحي "العدالة والتنمية" حالياً في الشوارع والأسواق لعرض برامجهم الانتخابية على الناس، بينما حزب الشعب الجمهوري لم يعلن كامل مرشحيه للانتخابات البلدية، انتظاراً لما سيقرره حزب الديمقراطية والمساواة الشعبية الكردي من دعم إمام أوغلو أم لا.
رئيس شركة "أوبتيمار" لاستطلاعات الرأي، رأى أن الوضع الحالي في حزب الشعب الجمهوري كان السبب وراء تقدم مرشح "العدالة والتنمية" للانتخابات المحلية في إسطنبول مراد كوروم في نسب التصويت، في آخر استطلاع رأي قامت به الشركة، وبات متقدماً على إمام أوغلو بفارق يقترب من نقطتين.
كان مراد كوروم أعلن أنه يتقدم حاليا بنحو 1.4% عن منافسه أكرم إمام أوغلو، وذلك بعد أن كان متأخراً عنه بنحو نقطتين، بعد إعلان ترشحه لرئاسة المدينة.
قال كوروم خلال لقائه رؤساء التحرير والصحف والقنوات التلفزيونية في اللقاء الذي جمعهم لعرض برنامجه الانتخابي، وللإجابة على أسئلتهم، إن الفارق يتسع بينه وبين منافسيه، وأنه سيكون يوم الأول من أبريل/ نيسان المرشح الفائز في مدينة إسطنبول.