أفادت صحيفة التايمز أن جاسوساً روسياً انتحل صفة لاجئ أفغاني للحصول على اللجوء في المملكة المتحدة، قبل أن يعمل في وزارة الخارجية، ويطلع على أسرار الجيش والاستخبارات البريطانية، ويلتقي بالملك المستقبلي الأمير تشارلز آنذاك.
واستمعت المحكمة إلى أن اللاجئ الأفغاني، المتهم بالتجسس لصالح وكالة الاستخبارات العسكرية الروسية، عمل أيضاً في مقر الاتصالات الحكومية البريطانية وجهاز الاستخبارات البريطاني الخارجي "إم آي 6".
بحسب الصحفية، فإن هذا الرجل، الذي لم يُكشف اسمه، عمل مع اثنين من رؤساء وزراء بريطانيا، والتقى بالأمير تشارلز والأمير ويليام خلال زيارات لهما بأفغانستان أثناء عمله في الحكومة البريطانية، وحصل في النهاية على الجنسيتين الروسية والبريطانية.
وقالت الصحيفة إنه تم تجريد الجاسوس المزعوم من جنسيته البريطانية عام 2019 بعد أن اعتقد جهاز الأمن الداخلي "إم آي 5" أنه عميل لجهاز المخابرات العسكرية الروسية المتهمة بتدبير هجوم بغاز الأعصاب في سالزبري، في حين قالت الحكومة إنه يشكل خطراً على الأمن القومي إذا سمح له بالعودة إلى المملكة المتحدة.
ودخل الجاسوس المزعوم، الذي يُرمز إليه باسم "C2″، إلى المملكة المتحدة في عام 2000، وحصل على اللجوء بعد أن زعم أنه فر من طالبان وجاء مباشرة من أفغانستان، على الرغم من أنه عاش لمدة ست سنوات في روسيا.
وبينما نفى الجاسوس المزعوم التهم الموجهة إليه، أوضح أن جهاز "إم آي 5" البريطاني اتهمه بالتدرب منذ أن كان في الخامسة من عمره على يد الاستخبارات العسكرية الروسية.
تم إخبار SIAC أنه تمكن من الوصول إلى وثائق "سرية للغاية" أثناء عمله لصالح الحكومة البريطانية في بريطانيا وأفغانستان.
قصة اللجوء إلى بريطانيا
وأفادت التايمز أن الجاسوس المزعوم C2 قضى طفولته في ظل النظام السوفييتي في أفغانستان قبل أن يدفع لأحد مهربي البشر كي يأخذه إلى روسيا عام 1994، واستقر هناك ودرس اللغة الروسية وآدابها قبل أن يتزوج من مواطنة روسية، ثم جاء عام 2000 إلى المملكة المتحدة بمساعدة أحد مهربي البشر أيضاً.
في مطار هيثرو، بدل الصعود على متن الطائرة سلّم نفسه لمسؤولي الهجرة في لندن، وطلب اللجوء قائلاً إنه جاء مباشرة من أفغانستان.
والثلاثاء 6 فبراير/شباط الجاري، اعترف C2 أمام المحكمة بأنه كذب في طلب اللجوء، وقال إنه أخفى حقيقة أنه كان يعيش في روسيا خوفاً من ترحيله، وبدلاً من ذلك ادعى أنه جاء مباشرة من أفغانستان، لأن عائلته كانت تحت تهديد المجاهدين، وتساءل روري دنلوب، ممثل الحكومة: هل كان المهرب عميلاً روسياً؟.
وقيل للمحكمة إن C2 بدأ العمل مترجماً فورياً لحسابه الخاص لدى الهيئات العامة؛ منها الشرطة والمحاكم ووزارة الداخلية، قبل أن يعمل لدى مقر الاتصالات الحكومية البريطانية، كما أُبلغت بأنه ذهب للعمل في وزارة الدفاع، وجهاز الأمن الخارجي وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، وتم تجنيسه كمواطن بريطاني.
وصل إلى وثائق "سرية للغاية"
وتقول اللجنة الخاصة لاستئنافات الهجرة بالمملكة المتحدة إنها أُخبرت بأن C2 كانت لديه إمكانية الوصول إلى وثائق "سرية للغاية" أثناء عمله مع الحكومة البريطانية داخل المملكة المتحدة وفي أفغانستان.
وفي عام 2006، بعد وقت قصير من إعلان C2 أنه كان يعمل لدى مقر الاتصالات الحكومية البريطانية، اتهمت الحكومة البريطانية روسيا بتسميم المنشق ألكسندر ليتفينينكو بالبولونيوم في لندن، وقد توفي ليتفينينكو بعد أسابيع من ذلك، وطردت لندن ضباطاً من المخابرات الروسية رداً على ذلك.
وفي أواخر العقد الأول من القرن الـ21، انتقل C2 إلى أفغانستان للعمل في وزارة الخارجية، وفي هذه الفترة التقى مع أفراد من العائلة المالكة وكبار السياسيين؛ منهم غوردون براون، وديفيد كاميرون. ويدعي أنه نجا من عدة محاولات اغتيال، وأن أحد أعضاء المخابرات الباكستانية حاول تجنيده.
زار روسيا 6 مرات على الأقل
وبعد ترك وزارة الخارجية، ذهب C2 للعمل في أفغانستان في مجموعة متنوعة من الأدوار التي منحته التعامل الوثيق مع المسؤولين الروس، وزار روسيا 6 مرات على الأقل، واعترف أمام المحكمة بأنه مرّر رشاوى نقدية لاثنين من الملحقين العسكريين الروس، وأخبره إم آي 5 لاحقاً أنهما من عملاء الاستخبارات العسكرية الروسية، كما التقى مع مسؤول في وزارة الخارجية الروسية.
واعترف بتسليم نسخ من بطاقة هويته والمعلومات التجارية المرتبطة بحلف شمال الأطلسي إليهما، لكنه قال إن المواد لم تكن سرية، وإنه كان من الشائع دفع عمولات للوسطاء المشاركين في الصفقات.
وظل C2 يعمل في أفغانستان حتى سقوط كابول، وخلال هذه الفترة أصبحت أجهزة الأمن البريطانية متشككة في علاقته مع روسيا، وعندما سافر إلى لندن لرؤية عائلته، طُلب منه مقابلة ضابط من المخابرات البريطانية ورجل آخر من مكتب التحقيقات الفيدرالي، وتم استجوابه بشأن صِلاته بوكالات المخابرات واجتماعاته مع عملاء المخابرات العسكرية الروسية.
وقال C2 إن الرجل البريطاني، الذي أطلق على نفسه اسم "روبرت"، اتهمه بالتدرب على يد الاستخبارات العسكرية الروسية منذ أن كان في الخامسة من عمره، ودخول المملكة المتحدة في عام 2000 للعمل عميلاً لتلك الاستخبارات، وقيل له أيضاً إن رسائل البريد الإلكتروني والهاتف الخاصة به تخضع للمراقبة، كما طُلب منه إجراء اختبار كشف الكذب، وقيل له إنه فشل في ذلك.
"سجل حافل من الولاء للمملكة المتحدة"
وفي المحكمة هذا الأسبوع، قال روبرت بالمر، محامي C2، إن موكله عرّض حياته للخطر أثناء عمله في وزارة الخارجية في أفغانستان، وكان لديه "سجل حافل من الولاء للمملكة المتحدة"، ونفى أن يكون خطراً على الأمن القومي أو عميلاً، وأوضح أنه لم يلتقِ مع الضباط الروس إلا بعد ترك الوظيفة الحكومية، وفي ذلك الوقت لم تكن لديه إمكانية الوصول إلى الوثائق السرية.
واعتبرت التايمز أن هذا الحدث يعتبر محرجاً للحكومة البريطانية، مع الأخذ في الاعتبار أن الوصول الممنوح للجاسوس المزعوم هو بمثابة تهديد من روسيا يتزايد بشكل مطرد.
وفي السنوات الأخيرة، حذر كبار المسؤولين الأمنيين مراراً وتكراراً من حملة النفوذ والتجسس التي تمارسها روسيا. وفي وقت لاحق من هذا العام، سيواجه خمسة أشخاص الاتهام بأنهم جزء من شبكة تجسس روسية قامت بعمليات مراقبة في المملكة المتحدة.
وتأتي هذه النتائج أيضاً في أعقاب مخاوف أمنية طويلة الأمد بشأن الافتقار إلى الدقة والتدقيق في نظام اللجوء، بعد أن كذب سلسلة من الحراس بشأن ظروفهم أو بالغوا فيها حتى يتمكنوا من البقاء في بريطانيا.