بات تجمُّعٌ صغير لمياه راكمتها الأمطار في شارع طيني شمال قطاع غزة، مصدر الشرب الوحيد لأسرة الفلسطيني تامر كسكين في ظل المجاعة والنقص الحاد بمياه الشرب؛ جراء الحرب الإسرائيلية المدمرة على القطاع منذ أكثر من 120 يوماً.
في لحظة عطش شديد عاشها الطفل عبد السلام كسكين، لم يجد أمامه سوى تجمع لمياه الأمطار ليروي عطشه، قرب منزله المدمر في حي "المخابرات" الذي دمرت الآليات العسكرية الإسرائيلية منازله وبنيته التحتية، بحسب ما أظهرته لقطات على مواقع التواصل الاجتماعي.
مشهد يُظهر الطفل الفلسطيني وهو يجلس على ركبتيه ويحني رأسه أمام تجمع المياه الصغير، قبل أن تغوص يداه الصغيرتان برفق شديد فيه ويخرجهما تحملان كمية قليلة من المياه المعكرة بالأتربة ليرتشفها سريعاً قبل أن تتساقط قطراتها بنية اللون.
عطش شديد والمياه ملوثة
يقول عبد السلام، بعد أن جفَّف يديه من المياه الطينية: "أسير منذ ساعة كاملة من مخيم جباليا الذي نزحنا إليه وصولاً إلى منطقة المخابرات، لنتفقد منزلنا بعد أن انسحبت القوات الإسرائيلية من المنطقة قبل أيام".
ويضيف: "وصلنا إلى هنا متعبين للغاية، واكتشفنا أن منزلنا دمرته الدبابات الإسرائيلية"، مردفاً: "كنت أشعر بعطش شديد، والمياه المتوفرة في المدينة ملوثة بشكل عام؛ فشربت من تجمع مياه الأمطار هذا. ربما تكون مياه الأمطار أفضل من تلك التي نحصل عليها من الآبار التي تمتزج مياهها بالصرف الصحي".
"شربت بيدي القليل من المياه حتى أستطيع العودة إلى المخيم، فمنزلنا مدمر ولا يمكننا العيش هنا"، يكمل عبد السلام.
المشهد لم يكُن وليد صدفة، فوالد عبد السلام، تامر كسكين (50 عاماً) يعمل منذ أيام على الاستفادة من مياه الأمطار ليحوِّلها إلى مصدر شرب رئيسي لأفراد أسرته.
ويقول كسكين: "بركة مياه الأمطار أقوم بتصفيتها من الأتربة والشوائب ليشرب أطفالي منها، هذه ليست المرة الأولى"، مضيفاً: "لا تتوفر لدينا مياه، وعلينا الوقوف في طوابير طويلة للحصول على غالون واحد (18 لتراً) من المياه المالحة".
"مياه الأمطار مذاقها عذب أكثر"
وأوضح: "أنا أفضّل مياه الأمطار؛ فمذاقها عذب أكثر من تلك المياه الملوثة بمياه الصرف الصحي التي نحصل عليها من الآبار".
ويشرح كسكين طريقة استفادته من مياه الأمطار قائلاً: "أحضر وعاء صغيراً أجمع فيه مياه الأمطار وأقوم بتصفيتها بقطعة قماش من الأتربة والشوائب ليشرب أطفالي وزوجتي".
ويتابع: "مياه الأمطار أغرقت خيامنا، ولكنها روت ظمأ أطفالي أيضاً، لا نملك الكثير من الخيارات حتى نعيش، ومياه الأمطار أحد الخيارات القليلة هذه الأيام حتى نروي بها عطشنا".
الأونروا تحذر
والأحد 4 فبراير/شباط، حذرت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، من "موت عدد أكبر من سكان قطاع غزة بسبب نقص المياه الصالحة للشرب، وانتشار الأمراض".
وقالت الوكالة الأممية في تدوينة على منصة إكس: "قامت فرقنا بتسليم نحو 20 مليون لتر من المياه لسكان غزة، لكن هذا لا يكفي لتلبية الاحتياجات".
وتوقعت الأونروا "موت عدد أكبر من أهالي غزة، بسبب نقص المياه الصالحة للشرب، وانتشار الأمراض"، مشيرة إلى أن "الظروف غير إنسانية، ويكافح سكان غزة من أجل البقاء دون أي من الأساسيات".
ومنذ 7 أكتوبر/تشرين أول 2023 يشن جيش الاحتلال الإسرائيلي حرباً مدمرة على قطاع غزة، خلَّفت حتى الثلاثاء، "27 ألفاً و585 شهيداً و66 ألفاً و978 مصاباً، معظمهم أطفال ونساء"، وفق السلطات الفلسطينية، وتسببت في "دمار هائل وكارثة إنسانية غير مسبوقة"، بحسب الأمم المتحدة.