تسبب القصف الإسرائيلي المستمر على مدينة غزة، منذ أكثر من 100 يوم، في تدمير المواقع الثقافية والتاريخية، حيث لم تتبقَّ سوى الذكريات حولها، ومن المتوقع أن يستغرق إعادة تأهيل المواقع الدينية والتراث الثقافي وقتاً كبيراً بعد أن يهدأ الصراع.
صحيفة The Guardian البريطانية قالت، في تقرير، الأحد 4 فبراير/شباط 2024، إن أطلال المسجد العمري الكبير في غزة شاهدة على التدمير واسع النطاق الذي طال المواقع التاريخية في القطاع.
ويعبر المسجد الذي يعود تاريخه إلى القرن السابع الميلادي، والذي كان يوماً النقطة المحورية في تاريخ غزة وثقافتها، عن الضرر الشامل الذي لحق بالمواقع التراثية في أنحاء المدينة.
هذا، وأكدت اليونسكو أن أضراراً لحقت بما لا يقل عن 22 موقعاً في غزة، تشمل مساجد وكنائس ومنازل أثرية وجامعات وسجلات والموقع الأثري لميناء الأنثيدون (البلاخية).
إلى ذلك، أفادت وزارة الثقافة الفلسطينية أن القصف الإسرائيلي دمر 207 مواقع ذات أهمية ثقافية أو تاريخية، منها 144 في المدينة القديمة و25 موقعاً دينياً.
ويشمل ذلك تدمير مقبرة رومانية قديمة ومقبرة الإنجليز، التي دُفن بها أكثر من 3000 جندي من بريطانيا ودول الكومنولث خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية.
في السياق لفتت اليونسكو إلى أن مواقع أخرى مهددة، مثل مجمع سانت هيلاريون، أحد أقدم الأديرة المسيحية في المنطقة. وتؤكد الوكالة على أهمية حماية التراث الثقافي، بما يتماشى مع القانون الدولي، الذي يعتبر المواقع الثقافية بنية تحتية مدنية.
"كل شيء جميل تحطم"
من جهته، قال وسام نصار، وهو مصور غطى عدة حروب في غزة وتراثها الثقافي أيضاً، إن الأضرار التي لحقت بالمسجد العمري ومحيطه أثرت عليه شخصياً؛ لأنه كان يمضي وقته هناك.
وأضاف: "يحظى هذا المسجد بمكانة خاصة لدى كل فلسطيني في غزة، لأنه كان نقطة تجمع خلال شهر رمضان، ومكاناً للعبادة وتلاوة القرآن. وبالنسبة لي كمصوّر فله أهمية خاصة عندي، لأنني سجلت العديد من اللحظات والذكريات داخل هذا المسجد".
وقال أيضاً: "مع الأسف، إسرائيل دمرت كل شيء جميل في غزة. ولم تهدف إلى تدمير البشر فحسب، بل الحجارة والبنية التحتية والمباني التاريخية أيضاً، تريد أن تقضي على الحياة البشرية والتراث الثقافي".
يُشار إلى أن جنوب أفريقيا أوردت في قضيتها التي رفعتها على إسرائيل في محكمة العدل الدولية، أن إسرائيل تستهدف الثقافة الفلسطينية، وتدمر المتاحف الحديثة والمراكز الثقافية، وتهدد "الإمكانات الثقافية" في غزة بتخريب المدارس وقتل الصحفيين والمدرسين والطلاب والمثقفين.
"مدينة أشباح"
فيما أشار إسبر صابرين، رئيس منظمة التراث من أجل السلام غير الحكومية، إلى أن الأضرار التي لحقت بتراث غزة ستكون لها تأثيرات دائمة تتجاوز الهياكل المادية، لتؤثر على الحياة الاجتماعية للمسلمين والمسيحيين. ومن المتوقع أن تستغرق إعادة تأهيل المواقع الدينية والتراث الثقافي وقتاً كبيراً بعد أن يهدأ الصراع.
وتأثير هذا الدمار الشامل يشعر به الفلسطينيون النازحون ومن بقوا في غزة، حيث قال بعضهم إن المدينة تحولت إلى "مدينة أشباح"، وإن مدينة غزة القديمة، التي كانت مليئة بالمواقع الثقافية، تبدو الآن "كئيبة ورمادية"، ويتجول فيها السكان بأرواح منهكة بعد عذاب الحرب. ويصف بدر الزهارنة، أحد سكان مدينة غزة، الوضع بالكارثي، وقال إن ذكريات المواقع الثقافية والدينية هي كل ما تبقى.
وأضاف إسبر صابرين: "هذا تدمير متعمد للتراث، هدفه فصل سكان غزة عن أرضهم. ومن المهم الحفاظ على هذه المواقع التراثية وترميمها. وحين تتوقف الحرب من الضروري تقييم ما تم تدميره".