أجبر الاحتلال الإسرائيلي عائلات فلسطينية في غزة، على النزوح القسري إلى وسط وجنوب القطاع، بعد اقتحام منازلهم ومراكز إيواء لجأوا إليها سابقاً، فيما قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنه ينظر بخطورة بالغة لانتقال إسرائيل إلى مرحلة إفراغ المدينة من سكانها عنوة وبقوة السلاح.
المرصد الحقوقي قال في بيان، مساء السبت 20 يناير/كانون الثاني 2024، إنه تلقى إفادات توثق إجبار الجيش الإسرائيلي عائلات فلسطينية مكونة من عشرات الأفراد- غالبيتهم من النساء والأطفال- على النزوح القسري إلى وسط وجنوب قطاع غزة، بعد اقتحام المنازل ومراكز إيواء لجأوا إليها يومي الأربعاء والخميس الماضيين.
المرصد الأورومتوسطي ذكر أن عمليات التهجير عنوةً جرت بعد إعادة قوات الجيش الإسرائيلي معززة بآليات عسكرية مداهمة مناطق واسعة في مدينة غزة، لا سيما أحياء "تل الهوى"، و"دوار أنصار" و"الشيخ عجلين"، وإجبار من تبقي من عائلات فيها على النزوح قسرياً.
وقال "أ. غ" (فضَّل عدم الكشف عن اسمه) للفريق الأورومتوسطي إن القوات الإسرائيلية داهمت بناية سكنية مكونة من عدة طوابق، يقطنها وعائلته قرب "دوار أنصار" غربي مدينة غزة، وعمدت إلى إجبارهم جميعاً على النزوح قسرياً باتجاه وسط وجنوبي قطاع غزة، بعد احتجازهم لعدة ساعات والتحقيق معهم والاعتداء على بعضهم بالضرب.
فيما قال "ظ.ح" إنه فقد منذ يومين الاتصال بنحو 25 من أقاربه في حي "تل الهوى"، جنوب غربي مدينة غزة، إثر تعرض المنطقة لمداهمة جديدة من الجيش الإسرائيلي، قبل أن يتلقى اتصالاً من أحدهم يفيد بإجبارهم على النزوح إلى رفح، أقصى جنوب القطاع.
كما أوضح أن أقاربه كانوا يقيمون مع مئات الأشخاص في مدرسة تحولت إلى مركز إيواء قرب "دوار أنصار"، وقد داهمتها القوات الإسرائيلية، وأجبرت جميع من ظلوا بها على النزوح الفوري بعد تهديدهم بالقتل.
أظهرت إفادات أخرى متطابقة للفريق الأورومتوسطي، تنفيذ قوات الجيش الإسرائيلي السيناريو ذاته في مدرستين أخريين، تُستخدمان مركزَيْن للإيواء في منطقة غربي مدينة غزة، ودفع من يقيمون فيهما للنزوح القسري، على وقع إطلاق النار والقذائف المدفعية.
كما نشر الجيش الإسرائيلي عبر الناطق باسمه للإعلام العربي، أفيخاي أدرعي، أمس السبت، إنذاراً جديداً لسكان قطاع غزة بضرورة النزوح إلى رفح عبر شارع "الرشيد- البحر"، الذي قال إنه يظل مفتوحاً أمام الانتقال من شمال القطاع إلى جنوبه حصراً، بين الساعات (09.00 صباحاً إلى 16.00 عصراً).
الاحتلال يصعّد من استخدام تجويع سكان غزة وشمالها
بموازاة ذلك، تصعّد القوات الإسرائيلية من استخدام التجويع ومنع الإمدادات الإنسانية عن سكان مناطق مدينة غزة وشمال القطاع، وتَستخدم ذلك سلاحاً لتحقيق التهجير القسري وإجبار المدنيين على النزوح، لمحاولة تجنب الموت قصفاً أو جوعاً.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، عبّر عن رفضه دخول أي شاحنات مساعدات دون تفتيش إسرائيلي، ومواصلة نهج تقييد كميات الإمدادات الإنسانية. كما صرح وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، زعيم حزب "الصهيونية الدينية" اليميني المتطرف، في منشور على منصة X: "أرحب بمبادرة الإجلاء الطوعي لعرب غزة إلى دول العالم، هذا هو الحل الإنساني الصحيح لسكان غزة والمنطقة بأكملها، بعد 75 عاماً من اللجوء والفقر والمخاطر".
المرصد الأورومتوسطي قال إن إحصاءاته الأولية تفيد بنزوح مليون و955 ألف فلسطيني من مناطق سكنهم، وقد نزح الكثير منهم عدة مرات، بحيث اضطرت العائلات إلى التنقل مراراً وتكراراً دون أن تعثر على ملجأ آمن.
كما باتت محافظة رفح الملاذ الرئيسي للنازحين، حيث يعيش أكثر من مليون شخص في مكان مكتظ للغاية، في أعقاب تكثيف الهجمات العسكرية الإسرائيلية في خان يونس، جنوبي القطاع، ودير البلح، في وسطه، وأوامر الإخلاء المتكررة التي أصدرها الجيش الإسرائيلي، وفق المرصد.
كان الجيش الإسرائيلي أطلق، منذ 12 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، (أي بعد 5 أيام من بدء هجماته العسكرية المتواصلة)، حملةً للتهجير القسري ضد نحو 1.1 مليون من سكان مدينة غزة وشمال القطاع، بإجبارهم على الانتقال إلى وسط وجنوبي القطاع، دون وجود أي مكان آمن يلجأون إليه، ودون أية ضمانات للسماح لهم بالعودة مستقبلاً، أو ضمان الأمن لهم خلال طريق نزوحهم.
في الـ22 من الشهر ذاته، عمد الجيش الإسرائيلي إلى تهديد سكان مناطق غزة وشمال القطاع بأنه سيتم تصنيفهم على أنهم "شركاء في منظمة إرهابية"، إذا لم يتبعوا أوامره بالنزوح القسري، وبالتالي جعلهم أهدافاً مشروعة للقصف الشامل، بما يكرّس سياسة الإبادة الجماعية المستمرة، وبما يشكل انتهاكاً صريحاً لمبدأ التمييز بين المدنيين والمقاتلين، ومبدأ حظر تعمد توجيه الهجمات العسكرية ضد السكان المدنيين، الذين لا يشاركون بشكل مباشر في الأعمال الحربية، وإلا اعتبر ذلك الاستهداف جريمة حرب بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
مع إطلاق مناوراته البرية في نهاية الشهر ذاته، ضاعف الجيش الإسرائيلي من جرائمه المروعة عبر عمليات القتل غير القانوني والإعدام خارج نطاق القانون والقضاء والاعتقالات التعسفية، ومن ثم الإخفاء القسري، وذلك بهدف دفع جميع مَن تبقي من مدنيين في مناطق سكنهم إلى النزوح القسري.
الاحتلال يصر على تنفيذ عمليات نقل قسري للمدنيين في غزة
قال الأورومتوسطي إن إسرائيل تصرّ على تنفيذ عمليات نقل قسري للمدنيين في قطاع غزة خارج نطاق القانون، والأخطر أنها تمنح نفسها ترخيصاً لاستهداف من يرفض أمر الإخلاء، باعتبارهم "إرهابيين"، عبر القصف العشوائي للمنازل والأعيان المدنية أو المداهمة الميدانية، لإجبارهم عنوةً على النزوح.
وأضاف أن المدنيين- ممن يرفضون الإخلاء لافتقادهم إلى ملجأ بديل، أو لأن من بينهم مسنون ومرضى عاجزون عن الحركة وأشخاص من ذوي الإعاقة، أو لأنهم لا يريدون ترك منازلهم- لا يمكن بأي شكل اعتبارهم أهدافاً مشروعة، وتجريدهم من الحماية الكاملة التي يتمتعون بها بموجب قوانين الحرب.
وشدد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان على أن قوانين الحرب تحظر تحت أي مبرر استهداف المدنيين عمداً، وتعتبر تهجيرهم قسرياً انتهاكاً جسيماً، يصل إلى حد جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.