قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، الإثنين 15 يناير/كانون الثاني 2024، إن مناطق مدينة غزة وشمال القطاع تواجه مأساة مروعة ناتجة عن الشح الكارثي في مصادر المياه الصالحة الشرب، ومنع وصولها، بما يمثل حكماً بالإعدام الفعلي، بالإضافة إلى كونه شكلاً من أشكال الإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي ضد المدنيين في القطاع.
المرصد الأورومتوسطي أشار إلى أن العطش يغزو مناطق مدينة غزة وشمالها بشكل صادم بسبب قطع إمدادات المياه عن قطاع غزة والقصف الإسرائيلي المنهجي والمتعمد لآبار ومصادر المياه، إلى جانب نقص الوقود اللازم لتشغيل محطات تحويل وتوزيع المياه.
كما حذّر المرصد من أن نقص مياه الشرب في قطاع غزة بات مسألة حياة أو موت، في وقت يجبر السكان على استخدام مياه غير نظيفة من الآبار، وهو ما ساهم في انتشار الأمراض المنقولة والمعدية، خاصة مع انقطاع الكهرباء الذي ساعد في نقص إمدادات المياه.
كان قطاع غزة الذي يعتبر من أكثر المناطق كثافة سكانية في العالم يواجه في الأصل قبل الهجمات العسكرية الإسرائيلية المتواصلة منذ 100 يوم أزمة خانقة في توفر مياه آمنة للشرب فقدها أكثر من 90% من السكان الذين تجاوز عددهم 2.3 مليون نسمة، يعيشون بالحد الأدنى من الخدمات الأساسية في واقع اقتصادي متردٍّ.
الاحتلال دمّر مصادر المياه في غزة وشمالها
فريق الأورومتوسطي وثّق، نهاية الأسبوع الماضي، دماراً كلياً لحق بخزاني "البلد" و"الرمال" الرئيسين في مدينة غزة، نتيجة تجريف الجيش الإسرائيلي لهما خلال عملياته البرية العسكرية في المنطقة.
طال التجريف خزان "البلد" الذي يضم بئراً للمياه ومستودعاً لقطع صيانة خطوط المياه في مدينة غزة، إلى جانب مكاتب إدارية لدائرة المياه، فيما جرى تجريف خزان "الرمال" على تقاطع شارعي "الجلاء" و"الوحدة"، والذي يضم مكاتب دائرة الصرف الصحي ومستودعاً لقطع صيانة شبكات الصرف الصحي.
كما أدى تدمير ما لا يقل عن 12 بئراً بفعل القصف الإسرائيلي إلى نقص حاد وغير مسبوق في المياه في مدينة غزة. فقبل بدء "إسرائيل" هجماتها العسكرية على القطاع في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، كانت بلدية غزة تضخ شهرياً ما يقارب ثلاثة ملايين كوب من المياه،؛ حيث كان يتم توفير 700 ألف كوب يومياً من خط "ماكروت" الإسرائيلي، بما يمثل 25%، فيما يتم توفير 10% من محطة التحلية، ونحو مليونين و200 ألف كوب من الآبار المحلية في المدينة، وقد باتت جميع تلك المصادر متوقفة تقريباً.
بحسب سلطة المياه الفلسطينية، فإن الهجمات العسكرية الإسرائيلية المستمرة دمرت البنية التحتية المائية في قطاع غزة، بما لا يقل عن 65% من آبار المياه في مدينة غزة وشمال القطاع.
المحنة تتضاعف جراء القيود المشددة على إيصال المساعدات لغزة
تتضاعف المحنة مع مواصلة السلطات الإسرائيلية فرض قيود مشددة على وصول الإمدادات الإنسانية إلى قطاع غزة، لا سيما مناطق مدينة غزة وشمال القطاع، بما في ذلك كميات الوقود اللازمة لتشغيل مرافق المياه والصرف الصحي.
ومنذ بدء هجماتها العسكرية غير المسبوقة على غزة، فرضت "إسرائيل" إغلاقاً شاملاً على القطاع، ومنعت إمدادات الغذاء والماء والوقود وغيرها من الاحتياجات الإنسانية الأساسية، ودمرت لاحقاً محطات وخزانات المياه بشكل منهجي ومتعمد.
على وقع الضغوط الدولية، سمحت "إسرائيل" بدخول 100 شاحنة مساعدات يومياً إلى القطاع عبر معبر رفح البري، وهي معدلات لا تقارن مع متوسط حمولة 500 شاحنة كانت تدخل لتلبية الاحتياجات الإنسانية قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
السكان لا يتذوقون مياه شرب نظيفة
المرصد الأورومتوسطي قال إن معاناة انعدام مياه الشرب في شمال قطاع غزة أشد وأكثر كارثية، حيث لم يتذوق سكان مخيم جباليا للاجئين مياه الشرب النظيفة منذ بدء الهجمات العسكرية الإسرائيلية.
وفقاً للشهادات التي جمعها المرصد، فإن الناس يضطرون لشرب المياه المالحة والمستخدمة للحياة اليومية، والتي يتم توفيرها بصعوبة، كما تلجأ الكثير من عائلات مخيم جباليا إلى غلي المياه على نيران الحطب وتبريدها في محاولة لتعقيمها وجعلها قابلة للشرب نسبياً.
نبه المرصد الأورومتوسطي إلى أن الإفراط في تناول الماء المالح غير الصالح للشرب، إلى جانب تسببه بأمراض المعدة والنزلات المعوية والقيء والإسهال المستمرة، يؤدي إلى زيادة ضغط الدم وأمراض الكلى واحتمال الإصابة بالسكتة الدماغية، ويؤدي ذلك في النهاية إلى الجفاف المفرط لأنسجة الجسم، خاصة المخ.
كما ذكر أن مياه الشرب إن كانت تُستخرج من الآبار من دون معالجة، فإن ذلك قد يُحدث اختلالاً في نسبة الأملاح في الجسم، وقد يؤدي إلى الجفاف، في وقت يبقى فيه الأطفال وكبار السن الأشد تضرراً نظراً لضعف مناعتهم، حيث قد تؤدي النزلة المعوية دون الوصول إلى محلول لمعالجة الجفاف إلى الوفاة.
المخاوف بشأن الأمراض المنقولة والمعدية عن طريق المياه، مثل الكوليرا والإسهال المزمن بشكل خاص، تزداد نظراً لنقص المياه الصالحة للشرب، خاصة بعد هطول الأمطار والفيضانات في ظل موسم الشتاء.
في ديسمبر/كانون الأول الماضي، أجرى المرصد الأورومتوسطي، دراسة تحليلية شملت عينة مكونة من 1200 شخص في غزة للوقوف على آثار الأزمة الإنسانية التي يعانيها سكان القطاع، أظهرت أن 66% من عينة الدراسة يعانون أو عانوا من حالات الأمراض المعوية والإسهال بسبب عدم توفر مياه صالحة للشرب.
ورصدت الدراسة أن معدل الحصول على المياه، بما في ذلك مياه الشرب ومياه الاستحمام والتنظيف، يبلغ 1.5 لتر للشخص الواحد يومياً في قطاع غزة، أي أقل بمقدار 15 لتراً من متطلبات المياه الأساسية لمستوى البقاء على قيد الحياة وفقاً لمعايير (إسفير) الدولية.