قالت وزارة الصحة التي تديرها حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في قطاع غزة، السبت 30 ديسمبر/كانون الأول 2023، إن عدد الشهداء الفلسطينيين في قطاع غزة بعد نحو ثلاثة أشهر من الحرب بلغ 21672 شخصاً، فيما تجاوز عدد الجرحى 55 ألفاً. في الوقت نفسه تتعرض غزة أيضاً لخطر المجاعة، وهذا وفقاً لتقييم مبادرة التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي IPC، وهي هيئة تدعمها الأمم المتحدة وتضع المعيار الدولي الذي يحدد مدى خطورة الأزمات الغذائية، وذلك وفق التقرير الذي نشرته صحيفة The Times البريطانية يوم السبت 30 ديسمبر/كانون الأول 2023.
وقدرت المبادرة أيضاً، في تقرير لها هذا الشهر، أن جميع سكان غزة يواجهون أزمة جوع حادة. ويواجه ربعهم "ظروفاً كارثية"، وهو أعلى مستوى من انعدام الأمن الغذائي، يشمل "نقصاً شديداً في الغذاء، وجوعاً، واستنفاد القدرة على التكيف".
توقعات بمجاعة في غزة
قدرت المبادرة أن هذا من المرجح أن يؤدي إلى مجاعة في عدة مناطق بشمال ووسط غزة بحلول شهر فبراير/شباط. وكلمة "مجاعة" توصيف دقيق تستخدمه وكالات الإغاثة بحرص، وهي تُعلَن في منطقة ما حين تواجه قرابة 20% من أسرها نقصاً شديداً في الغذاء، ويصاب ما لا يقل عن 30% من أطفالها بسوء التغذية الحاد، ويموت شخصان من كل 10 آلاف شخص من سكانها يومياً بسبب الجوع التام أو التفاعل بين سوء التغذية والمرض.
وفي غزة، لا يحدث هذا بسبب الجفاف أو تلف المحاصيل، وإنما بسبب الحرب. وقبل أن تندلع، كان يدخل إلى غزة ما بين 150 و180 شاحنة طعام يومياً. ومنذ انتهاء "الهدنة الإنسانية" قبل شهر، لم تدخل سوى نحو 30 شاحنة. ويعيق هذه الشاحنات القصف الإسرائيلي، والقتال على الأرض، والقيود والتفتيش على الحدود مع مصر، الذي تفرضه السلطات الإسرائيلية والمصرية.
وقال نيكولاس باباكريسوستومو، منسق الطوارئ لمنظمة أطباء بلا حدود في غزة، الذي عاد لتوه من هناك بعد خمسة أسابيع: "نحن بعيدون جداً عن تقديم استجابة إنسانية لشعب غزة. لا أحد يحصل على الغذاء الكافي".
وحين تنجح شاحنات المساعدات في العبور، يتجمع عليها مدنيون يائسون، يحاولون الصعود على متنها لأخذ ما يمكنهم أخذه. وتزعم إسرائيل، التي تنكر منعها دخول المساعدات الغذائية إلى غزة، أن حماس تسرق المساعدات لكنها لم تقدم أي دليل على ذلك.
وقال جيسون لي، المدير القُطري لمنظمة إنقاذ الطفولة في الأراضي الفلسطينية: "هناك خطر حدوث انهيار كامل للقانون والنظام، لأن الناس يائسون"، مضيفاً أن "العديد من الأسر بدأت في ترشيد الغذاء؛ في محاولة للحفاظ على إمداداتهم منه لأطول فترة ممكنة".
البحث باستمرار عن الطعام
تقول وكالات الإغاثة التي زارت المنطقة، إن المدنيين الذين يعانون الجوع يلجأون إلى اصطياد القطط والكلاب الضالة في الشوارع ليأكلوها.
وأن تعيش في غزة، اليوم يعني أن تبحث باستمرار عن الطعام، فلا أحد يملك ما يكفي منه. فالأسواق معظمها مغلقة والطعام يُباع فور أن يتوافر: وفي بعض الأيام، قد تجد بيضاً ولا تجد عدساً، أو تجد ملحاً ولا تجد بطاطس. والمال قد لا يفيدك كثيراً، لأن الأسعار خيالية: فكيلو الأرز قد يكلف 10 دولارات، هذا لو وجدته. وأفراد الطبقة المتوسطة يقاسون الجوع أيضاً، فالبنوك مغلقة وأنفق كثيرون الأموال التي كانت معهم في بداية الحرب؛ و85% من السكان نازحون.
وفي منطقة المواصي، لا يملك معظم الناس شيئاً. والقليل منهم لديهم طعام معلب: عبارة عن حبوب أو تونة أحياناً، تقدمه لهم منظمات الإغاثة. لكنه لا يكفيهم بأي حال، فغالياً ما توزع المنظمات عبوة أو اثنتين فقط لكل أسرة كل بضعة أيام. وبعدها يأكلون كل ما يمكنهم العثور عليه: حتى لو كان طعاماً فاسداً ويجعلهم يتقيؤون مثل البيض الفاسد والخبز المتعفن.
وفي منطقة ممتدة بين خيمتين، كان محمد اليازجي البالغ من العمر 13 عاماً، يسخِّن علبة حبوب تسولها إخوته الصغار من أناس بالجوار. وقد هرب إلى هنا مع شقيق وشقيقتين أصغر منه– أصغرهما طفلة عمرها أقل من عام– بعد أن دُمر منزلهم. وقُتلت والدتهم في القصف الإسرائيلي، وفقدوا والدهم في خضم الفوضى.
وقال: "أخذت إخوتي وذهبنا إلى رفح سيراً على الأقدام. كانت أختي الصغيرة تبكي وتريد أن نحملها. وحين وصلنا إلى رفح، قضينا يومين في الشارع. ثم وضعت إخوتي على الرصيف وأخبرتهم بأن يظلوا في مكانهم حتى أعثر على مكان لهم. وجدت مكاناً وجلست فيه، لكنه تلوث بمياه الصرف الصحي، وساعدني بعض الناس في إنشاء خيمة".
وقبل بضعة أشهر كان في المدرسة، والآن عليه أن يكون أباً لإخوته. وقال: "يشكون لي من الجوع دائماً، ولا أملك شيئاً لإطعامهم. وأختي الصغيرة، لا أستطيع توفير الحليب والحفاضات لها. أشعر بأن هذا العبء ثقيل جداً علينا. وأنام وأنا أفكر في كيفية إطعامهم. أصبحنا مثل المتسولين. لم نكن كذلك".
معاناة في غزة بسبب نقص الغذاء
الأمهات والمواليد الجدد هم أكثر من يعانون جراء نقص الغذاء. إذ أنجبت إيمان المصري (29 عاماً)، أربعة توائم هذا الشهر في المنطقة الوسطى من دير البلح. ولم يتوافر مكان في المستشفى، الذي كان واحداً من تسعة مستشفيات فقط لا تزال تعمل جزئياً في القطاع، لذلك اضطرت إلى المغادرة في اليوم التالي للولادة بعملية قيصرية. وهي الآن تنام على مرتبة إسفنجية رقيقة في إحدى المدارس مع نازحين آخرين: أحد أطفالها، محمد، ضعيف جداً ولا يزال في المستشفى، وتيا، شقيقته التوأم، مصابة بمرض الزهري الخلقي.
وقالت: "لم نتمكن من حمايتهم منذ ولادتهم، كل ما أفعله أنني أمسحهم بالمنشفة. كنت أحلم باليوم الذي يولدون فيه، وكيف سنحتفل بهم. وزوجي يخرج كل يوم ليجد لي شيئاً آكله حتى أتمكن من إرضاع أطفالي. منذ أيام والحليب في صدري قليل جداً. آكل أي شيء أجده، بسكويت من المساعدات أو الجبن والخبز، لكني أشعر دائماً بالتعب والإرهاق".