لم تتصور نسمة أبو مسامح مطلقاً أنها ستكون على الخطوط الأمامية لأزمة الرعاية الصحية في غزة، حتى تساعد في علاج التدفق اللانهائي من المرضى والجرحى على عيادة حكومية في مخيم المغازي للاجئين.
إذ تخرجت ابنة الـ21 عاماً بشهادة في هندسة الاتصالات، وكانت تبحث عن وظيفة قبل أن يندلع الصراع في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وشرحت نسمة لموقع Middle East Eye البريطاني يوم الثلاثاء 26 ديسمبر/كانون الأول 2023 الكيفية التي تحولت بها إلى إدارية متطوعة في العيادة: "شعرت بإحساس مسؤولية مجتمعية دفعني إلى الحديث مع والدي، الذي يعمل إدارياً في العيادة، وأعربت له عن رغبتي في مساعدته في مهامه".
وأردفت نسمة: "أعمل في العيادة من الثامنة صباحاً وحتى الثانية بعد الظهر وسط ظروف قاسية. ويُعد عبء المرضى مرتفعاً بدرجةٍ استثنائية، حيث تصلنا قرابة الـ800 حالة طلباً للرعاية يومياً".
تركيز إسرائيل على المستشفيات في غزة
تحظى المنشآت الصحية الأصغر مثل عيادة المغازي بأهمية أكبر منذ بدء الصراع بالتزامن مع تركيز إسرائيل لحملتها العسكرية على المستشفيات، التي زعمت إسرائيل أن حماس وغيرها من الفصائل الفلسطينية أنشأت مقار قيادةٍ أسفلها.
لكن هذا لا يعني أن إسرائيل تركت العيادات الصغيرة وشأنها. حيث تعاني عيادة نسمة من انقطاع التيار الكهربي بعد أن أدى القصف الإسرائيلي لبناية قريبة إلى تدمير الألواح الشمسية على السطح.
وأوضحت نسمة: "أجبرني هذا الوضع على تأدية مهامي باستخدام الورقة والقلم. وتفاقمت تلك التحديات نتيجة تحطُّم كافة نوافذ العيادة، ما أثار ذعر وخوف العديد من الأشخاص الباحثين عن الملاذ هنا".
الأزمة الطبية في غزة جراء حرب إسرائيل
داخل غرفة مكتظة أخرى من العيادة نفسها، وقفت الدكتورة منى مطر (29 عاماً) تقدم العناية لمرضاها بمثابرة. ويعاون منى، الطبيبة الوحيدة في العيادة، ثلاثة من المساعدين الطبيين الذكور.
بينما تُسلّط تجارب منى الضوء على جانب آخر من الأزمة الطبية في غزة، وهي أن العاملين في المنشآت الصحية عادةً ما يكونون نازحين ويعانون نتيجة الحرب بصورةٍ مباشرة.
إذ تعرض الأطباء والعاملون في القطاع الطبي للقتل، أو الاعتقال بواسطة القوات الإسرائيلية، أو الإجبار على النزوح من بيوتهم طوال فترة الصراع.
وقد اضطرت منى، وزوجها، وأطفالها الثلاثة للنزوح من منزلهم في حي الشجاعية. ولجأوا في البداية إلى منزل والدها في حي الجلاء الشمالي، حيث أقاموا هناك لسبعة أيام.
وفي الـ13 من أكتوبر/تشرين الأول، أصدرت السلطات الإسرائيلية أمراً بالإخلاء لسكان شمال وادي غزة، ما أجبر منى وزوجها على النزوح إلى مدرسة العائلة المقدسة المسيحية.
البحث عن الأمان في غزة
قالت منى: "ذهبنا إلى مدرسة العائلة المقدسة بحثاً عن الأمان، لكننا وجدناها مكتظةً بالنازحين، فأصبح البقاء هناك مستحيلاً بالنسبة لنا. ثم نزحنا إلى منزل أصدقائنا في مخيم المغازي بوسط قطاع غزة"، موضحةً بذلك سبب تواجدها في موقعها الحالي.
وعملت منى في البداية داخل مستشفى شهداء الأقصى بمدينة دير البلح، حيث صادفت العديد من المشاهد التي تركت أثراً لا يُمحى في مخيّلتها.
وأردفت: "كانت الأوضاع هناك مروّعةً للغاية. وقد أدى الوجود الغامر للشهداء والمصابين، وتدفق النازحين، إلى شعوري بالإنهاك والاكتئاب".
ونظراً لعجزها عن احتمال الثقل النفسي لذلك الوضع، قررت منى الانتقال إلى عيادة المغازي التي تُعد أقرب إلى منزل صديقتها.
وأوضحت: "كنت آمل أن يساعدني الانتقال إلى المغازي على الهروب من تهديد الموت الفوري وحماية أطفالي من القصف الإسرائيلي. لكن الواقع مع الأسف هو أننا نستمر في سماع القصف الإسرائيلي والتعرض له حتى ونحن في المغازي".
وتشعر منى بالقلق؛ لأن أي وقتٍ تقضيه في العيادة يعني أنها لن تكون متواجدةً لرعاية أطفالها. وأضافت: "تتمثل أهم تحدياتي في الخوف المفرط الذي أشعر به على أطفالي كلّما تركتهم وغادرت المنزل. لكن دوري كطبيبة يقتضي مني الالتزام بتأدية واجبي الوطني والوفاء بمسؤوليتي تجاه شعبي".
وتعتني منى بـ200 مريض يومياً على الأقل، وهي مهمة منهكة تزداد صعوبةً نتيجة نقص الأدوية. كما تتفاقم صعوبة واجباتها نتيجة اضطرارها للذهاب إلى العيادة سيراً على الأقدام كل يوم، لأنهم لا يملكون ما يكفي من الوقود لتشغيل السيارة.
ولا تمتلك عائلة منى حالياً سوى القليل من الوقود الذين يحتفظون بها تحسباً لاضطرارهم أن ينزحوا مجدداً على عجل.