نشرت صحيفة Ynet الإسرائيلية تقريراً الجمعة 15 ديسمبر/كانون الأول 2023، حول القرارات الحاسمة التي تستعد الحكومة الإسرائيلية لاتخاذها والتي وصفتها الصحيفة بـ "الأكثر خطورة" منذ اندلاع الحرب، لأنها ستحدد آلية القتال عام 2024 في غزة، فضلاً عن أنها سيكون لها تأثير كبير على العلاقات مع إدارة بايدن خلال العام المقبل.
تقرير الصحيفة أشار إلى أن هذه القرارات من ضمنها المتعلقة بالطريقة والجدول الزمني لعمليات الجيش الإسرائيلي وغيره من الفروع الأمنية على جميع الجبهات، فضلاً عن النهج المتبع في إدارة جهود الإفراج عن الأسرى والمفقودين.
الصحيفة أوضحت أنه خلال لقاءات الخميس 14 ديسمبر/كانون الأول بين مبعوثي الرئيس الأمريكي جو بايدن؛ جيك سوليفان وبريت ماكغورك، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت، نوقشت مراحل القتال المختلفة.
وأطلع رئيس الأركان الإسرائيلي هيرتسي هاليفي، الذي يشرف على القتال، مستشار الأمن القومي الأمريكي سوليفان على التطورات الحالية في ساحة المعركة والخطط المستقبلية.
وحسب الصحيفة، فإنه في المرحلة الحالية من الخطة القتالية، تدور اشتباكات مكثفة في شمال ووسط وجنوب القطاع. والهدف منها السيطرة العملياتية على المنطقة وإضعاف القدرة العسكرية لحماس. وتنتشر حالياً حوالي خمس فرق في ميدان القتال بهدف تدمير المقاومة المسلحة.
هكذا ستبدو المرحلة "ج" في القتال
التقرير سلّط الضوء على التصور الحالي الذي ناقشته الحكومة الإسرائيلية مع الأمريكيين وهو أن المرحلة الدائرة من القتال يُتوقع أن تنتهي بحلول نهاية يناير/كانون الثاني عام 2024.
وبعد ذلك، سينتقل الجيش الإسرائيلي إلى المرحلة ج. وفي هذه المرحلة، ربما يظل مقاتلو حماس والجهاد الإسلامي متواجدين تحت الأرض أو مختبئين بين اللاجئين، ويحاولون من حين لآخر مهاجمة القوات الإسرائيلية، لكن نشاطهم لن يعود منظماً، وفقاً للصحيفة.
وتفضل الولايات المتحدة أن ينسحب الجيش الإسرائيلي تدريجياً من معظم أراضي قطاع غزة خلال هذه المرحلة، وبالتالي تقليص القوات المتمركزة هناك. ومن الوارد إطلاق جزء كبير من قوات الاحتياط. وسيتغير النهج المتبع في القتال، ليصبح أقل كثافة وأكثر تركيزاً.
كما لفت تقرير الصحيفة إلى أن أحد الاحتمالات الخاضعة للمناقشة خلال المرحلة "ج" تنفيذ استراتيجية دفاعية بقيادة فرقة غزة. وخلال هذه الاستراتيجية الدفاعية سيُقام محيط أمني بعرض 1-3 كيلومترات على طول الأطراف الشمالية والشرقية لقطاع غزة. وتهدف إسرائيل إلى أن يكون هذا المحيط بمثابة حاجز بين جميع الفلسطينيين في القطاع والمستوطنات في النقب الغربي.
ويعترض الأمريكيون على اعتبار هذه الاستراتيجية حلاً دائماً لأنه يقلص مساحة الأراضي الخاضعة لسيطرة الفلسطينيين. ورغم أن هذه نقطة خلاف بين القدس وواشنطن، فالمسؤولون الأمريكيون على استعداد لقبولها باعتبارها حلاً مؤقتاً إلى حين التوصل إلى ترتيب أمني دائم في الجنوب.
كما اتُّفق على أن يواصل الجيش الإسرائيلي والشاباك العمل داخل القطاع، وفقاً للصحيفة، مشيرة إلى تنفيذ جهود استخباراتية وهجومية لمنع عودة حماس والجهاد الإسلامي والمنظمات المعادية الأخرى.
وفي الوقت نفسه، ستستمر جهود البحث عن شبكة الأنفاق والبنية التحتية العسكرية الأخرى لحماس وتدميرها. والمعركة مع من تبقى من مقاتلي حماس ستشمل هجمات جوية ومداهمات برية محددة. ويهدف هذا النهج إلى تمكين المواطنين الإسرائيليين في المستوطنات الواقعة على بعد 4-7 كيلومترات من الحدود من العودة إلى منازلهم في ظرف أشهر قليلة.
وفي المرحلة ج، يصر الأمريكيون على أن تسمح إسرائيل للاجئين الفلسطينيين الذين لجأوا إلى وسط وجنوب غزة بالعودة إلى أماكن إقامتهم الأصلية (لو أنها لا تزال سليمة) والبدء في إعادة الإعمار.
وبحسب الصحيفة؛ ستحظى هذه العملية بدعم وتمويل كبيرين من دول النفط العربية، التي سيكون لها دور في الحكومة المدنية أيضاً. وتُنَاقش أيضاً أفكار أخرى للحد من التهريب على محور فيلادلفيا بين جنوب غزة ومصر، إلا أن الموافقة المصرية، وهي غير مضمونة، ضرورية لتنفيذها.
الخلاف الرئيسي مع الولايات المتحدة: اليوم التالي لانتهاء الحرب
في السياق، تقرير الصحيفة أشار إلى أن الخلاف الأساسي بين إسرائيل والولايات المتحدة يكمُن في "اليوم التالي" للحرب. وبينما يفضل الإسرائيليون مصطلح "المرحلة د" من القتال، يصر الأمريكيون على أن تقدم إسرائيل خطة شاملة للسيطرة على غزة في مرحلة ما بعد حماس. ولا يطالب سوليفان بخطة للإدارة والسيطرة فحسب، بل يطالب أيضاً بالالتزام بالمشاركة في عملية سياسية تعالج الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على أساس مبدأ حل الدولتين.
ويعارض نتنياهو، لأسباب سياسية، إقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، ويرفض مشاركة السلطة الفلسطينية في الإدارة المدنية في غزة. وهذا الموقف يتناقض مع دعوة المسؤولين الأمريكيين إلى خطة إيجابية.
بينما يقترح وزير الدفاع بيني غانتس ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي غادي آيزنكوت أنه من الممكن الاتفاق على مجموعة مبادئ مع الأمريكيين للتسوية بعد القتال.
إلى ذلك، تحث الإدارة الأمريكية إسرائيل على الخروج بموقف واضح من "اليوم التالي" خلال الشهر المقبل. ومع ذلك، لم تصغ إسرائيل بعد موقفاً واضحاً. وتقترح المؤسسة الأمنية، وستتقدم بمقترحها لمجلس الوزراء قريباً، تحديد نظام الإدارة والنظام الأمني في غزة بعد القتال من خلال اتفاق يشمل إسرائيل والولايات المتحدة ومصر.
هل ستتولى إسرائيل المسؤولية في غزة؟ ستكلفها المليارات
ووفق الصحيفة، فإن أحد الحلول المحتملة لمشكلة غزة إنشاء قوة دولية موالية للغرب، ينظمها الأمريكيون، وبإدارة تتألف من مسؤولين سابقين في السلطة الفلسطينية وعناصر محلية في غزة. وستحتفظ إسرائيل بالحرية الاستخباراتية والعملياتية في القطاع، على غرار سيطرتها الأمنية في الضفة الغربية.
بينما تقترح بعض المصادر الأمنية إشراك السلطة الفلسطينية لإضفاء الشرعية على الحكم المحلي وتسهيل التنسيق الأمني مع إسرائيل، ومنع الصراعات. وإذا لم تقبل السلطة الفلسطينية بمسؤوليتها رسمياً تحت إشراف دولي، فقد تتولى إسرائيل مسؤولية غزة، التي ستشمل المساعدات الإنسانية وإعادة الإعمار وتمويلاً يقدر بالمليارات.
من جهتهم، أُبلغ المسؤولون الأمريكيون أنه عام 2024، قد تظل أجزاء معينة من غزة، خاصة في الجنوب، تشهد قتالاً عنيفاً. وخلال هذه الفترة، قد تُخفض قوات الجيش الإسرائيلي في بعض المناطق، مع احتفاظ إسرائيل بالسيطرة الأمنية من خلال الاستخبارات والغارات الموجهة. وفي مناطق معينة، قد تسمح إسرائيل للسكان بالعودة إلى منازلهم مع شكل من أشكال الحكم المحلي. ورغم أن الأمريكيين يتفهمون هذا الوضع المعقد، يؤكدون على ضرورة تكثيف الجهود الإنسانية والحد من الضرر الذي يلحق بالمدنيين.
رفض السنوار
وحول قضية الأسرى، قالت الصحيفة إنه في إسرائيل، يسود شعور بالإحباط بين المسؤولين عن قضية الرهائن؛ إذ لم تدفع الضغوط العسكرية يحيى السنوار رئيس حركة حماس بقطاع غزة إلى طلب صفقة تبادل أسرى أخرى؛ إذ شدد السنوار من مطالبه ويشترط على إسرائيل الآن وقف القتال وقفاً كاملاً قبل الدخول في مفاوضات.
وهذا الجمود، الناتج عن رفض السنوار، دفع كبار القادة الإسرائيليين إلى التفكير في محاولة زيادة الضغط الأمريكي على حماس من خلال قطر ومصر.
وتشير تقارير صحفية إلى استمرار المداولات، بمساعدة مصر وقطر، للتمهيد لصفقة رهائن محتملة. وقد تتضمن هذه الصفقة وفقاً مؤقتاً للقتال، واحتمال تعديل شروط استسلام السنوار وأحد رفاقه، مقابل إطلاق سراح جميع المختطفين.
الوقت ينفد في الشمال أيضاً
وبحسب الصحيفة؛ فإن المناقشات الوشيكة مع المسؤولين الأمريكيين ستشمل مداولات حول الأمن المستقبلي للمستوطنات على طول الحدود الشمالية أيضاً.
وتحث إسرائيل الولايات المتحدة على تسريع الجهود الدبلوماسية، مؤكدة أن عشرات الآلاف من الذين أُجلوا من الشمال لن يعودوا إلى ديارهم طالما ظل حزب الله قريباً من الحدود.
والجدول الزمني الذي وضعته إسرائيل محدود؛ إذ يهدف إلى إحداث تغييرات كبيرة في جنوب لبنان بحلول نهاية يناير/كانون الثاني ودخولاً في فبراير/شباط، ينتج عنها سحب حزب الله لقواته، ولا سيما وحدة الرضوان شمال نهر الليطاني.
وحثَّ وزير الدفاع غالانت مستشار الأمن القومي سوليفان على تسريع الاتصالات الدبلوماسية لأجل التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن رقم 1701 في الأشهر المقبلة.
لكن الأمريكيين لفتوا إلى ضرورة أن تتحلى إسرائيل بالصبر وتمتنع عن شن حملة عسكرية على حزب الله، خاصة مع انسحاب قواتها قريباً من قطاع غزة.
وتخشى الولايات المتحدة من التصعيد المحتمل إلى حرب إقليمية وتحث على ضبط النفس. على أن كبار المسؤولين الإسرائيليين أجمعوا على أنه إذا تباطأ حزب الله، فقد تضطر إسرائيل إلى شن حملة، ربما تشمل مناورة برية داخل جنوب لبنان وخارجه للقضاء على مقاتلي حزب الله.
الحوثيون في أسفل الأولويات الإسرائيلية
إضافة إلى ذلك تناول تقرير الصحيفة، موقف تل أبيب من الحوثيين، حيث يجري مجلس الوزراء الإسرائيلي مناقشات مع مسؤولين أمريكيين، من بينهم رئيس هيئة الأركان المشتركة تشارلز براون ووزير الدفاع لويد أوستن، حول مسألة حرية الملاحة في باب المندب.
وتتفق كل من إسرائيل والولايات المتحدة على أن هذا تحدٍ يتطلب اهتماماً دولياً، نظراً لأن 12% من الشحن التجاري العالمي، الذي يشمل ناقلات النفط والغاز الحيوية، يمر عبر مضيق باب المندب.
ولمواجهة تهديد الحوثيين للملاحة، أنشأ الأمريكيون قوة بحرية متعددة الجنسيات تحت قيادة الأسطول الخامس في البحرين، التي من المقرر أن تبدأ عملياتها قريباً.
الصحيفة أوضحت أن القوة البحرية متعددة الجنسيات يمكنها منع الحوثيين من الاستيلاء على السفن، إلا أنها قد لا تتمكن من منع إطلاق الصواريخ الساحلية وهجمات الغواصات منعاً كاملاً، مثلما اتضح مؤخراً من إطلاق صاروخ باتجاه سفينة تجارية دنماركية.
وقد أعلن الحوثيون، وربما بإيعاز من إيران، عن استراتيجية استهداف انتقائية، تركز على السفن المملوكة لإسرائيل أو التي تبحر إلى الموانئ الإسرائيلية.
ويبدو أن إسرائيل تميل إلى أن تترك للأمريكيين مهمة حل هذه المشكلة، حتى لو كان ذلك يعني تجنب السفن المتجهة إلى إسرائيل المرور من باب المندب لعدة أشهر، خاصة خلال القتال في غزة وربما لاحقاً في لبنان.
ويشكل الحوثيون في اليمن تحدياً هائلاً لإسرائيل لعدة أسباب أهمها بعدهم عنها. وفي الوقت الراهن تترك إسرائيل مهمة حماية الملاحة البحرية عند باب المندب للقوة متعددة الجنسيات التي ينظمها الأمريكيون، على أمل أن تحقق نجاحاً مماثلاً للقوة متعددة الجنسيات التي تعاملت مع القراصنة الصوماليين في المنطقة. ولذلك، تفضل إسرائيل في الوقت الحالي أن تترك الحوثيين في المرتبة الأخيرة في قائمة أولوياتها العسكرية.
وهذا الأسبوع، سيتحدد بدرجة كبيرة مستقبل العلاقة بين الحكومة الإسرائيلية وإدارة بايدن، وتحديداً بين إدارة بايدن ونتنياهو، وفقاً للصحيفة لافتة إلى أنه "لا خلافات في الرأي بين واشنطن والقدس فيما يتعلق بالحاجة الاستراتيجية للقضاء على حماس ككيان عسكري وحكومي في قطاع غزة"، لكن الخلافات حول خطة القتال، والتكتيكات، والتعامل مع الأزمة الإنسانية المتفاقمة في قطاع غزة و"اليوم التالي" لانتهاء الحرب في الجنوب والشمال.
كما أكد تقرير الصحيفة أنه لا يمكن التأكيد مطلقاً على أن المحادثات بين المسؤولين الأمريكيين ونظرائهم الإسرائيليين ستؤدي إلى اتفاقات، مشيرة إلى أنه "ما يجب فعله موافقة الأمريكيين بشأن السلطة الفلسطينية، والدخول معهم في مفاوضات جادة حتى يُلزموا السلطة بإجراء التصحيحات والتغييرات المطلوبة منها".