تعرَّض المسجد العمري في قلب مدينة غزة الجمعة 8 ديمسبر/كانون الأول 2023، لدمار كبير، بعد استهدافه من الاحتلال الإسرائيلي ضمن حربه الواسعة على قطاع غزة للشهر الثالث على التوالي.
ويُعدّ "العمري"، الذي أُسس قبل أكثر من 1400 عام، من أكبر وأعرق مساجد غزة، وثالث أكبر مسجد في فلسطين بعد المسجدين، الأقصى في القدس، وأحمد باشا الجزار في عكا، ويوازيه بالمساحة جامع المحمودية في يافا.
وفي غزة، يطلق عليه بعض الأهالي اسم "المسجد الأقصى الصغير"، وذلك لتشابهه مع المسجد الأقصى المبارك في مدينة القدس المحتلة.
وتبلغ مساحة المسجد العمري نحو 4100 متر مربع، أما مساحة فنائه فتصل إلى 1190 متراً مربعاً، إذ يحمل المبنى نحو 38 عموداً من الرخام تعكس جمال الفن المعماري للعصور المختلفة.
وأقيم المسجد على أنقاض أحد المعابد الرومانية، و"مرّ عبر 6 مراحل تاريخية"، ففي البداية، بُني معبد يحمل اسم "مارناس" ويعني "إله المشتري"، وبانتقال أهل غزة من الوثنية إلى المسيحية، حولوا المعبد إلى كنيسة بيزنطية عرفت باسم "أفذوكسيا" عام 407 ميلادي، دمّرت في أثناء الغزو الفارسي عام 614 ميلادي.
ومع اعتناق أهالي القطاع الإسلام، بالتزامن مع فتح فلسطين (636 ميلادي) في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، بني المسجد العمري على أنقاض الكنيسة، وأطلق عليه اسم "العمري"، نسبة إلى أمير المؤمنين.
وخلال الحروب الصليبية التي طالت بلاد الشام، دُمر المسجد وحُوّل إلى كنيسة، أطلق عليها اسم (القديس يوحنا المعمدان) عام 1149 ميلادي، وما زال مبناها قائماً حتى الآن، ويستخدم مُصلّى داخل المسجد.
وفي العهد المملوكي، عاد المبنى إلى أصله كمسجد وأضاف إليه الظاهر بيبرس مكتبة ضمت أكثر من ألفي مجلد، ووضع لوحة رخامية منحوتة في المبنى الخارجي للجامع، وتحمل ضمن كلماتها اسم "بيبرس".
وفي العصر العثماني، "تمت توسعة الجامع وإضافة زيادات معمارية، فأضيفت الساحة الشمالية (الإيوانات)، ومنبر ومحراب جُلب من أنقاض مسجد قديم، كان مندثراً في ذلك العهد".
وكانت الساحة الخارجية (الشمالية) تضم 4 غرف تستخدم في العهدين المملوكي والعثماني لتعليم القرآن وعلومه، ولم يتبقّ منها حالياً إلا اثنتان تم تحويلهما إلى مكاتب إدارية تابعة للمسجد.
وتضم الساحة الغربية بركة مياه تسمى (بيضأة)، خصصت للوضوء بالعهد العثماني، وكُتب عليها: "أتى بهذا الحوض البهيج ابتغاء مرضاة السلام، أمير الأمراء الكرام متصرف غزة، بلغه الله ما شاء عام 1930".
ورداً على "اعتداءات إسرائيلية يومية بحق الشعب الفلسطيني ومقدساته"، شنّت حركة "حماس" في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي هجوماً استهدف مستوطنات وقواعد عسكرية بمحيط غزة، وقتلت نحو 1200 إسرائيلي، وأصابت نحو 5431، وأسرت 239، بادلت العشرات منهم، خلال هدنة إنسانية استمرت 7 أيام حتى 1 ديسمبر/كانون الأول الجاري، مع إسرائيل التي تحتجز في سجونها 7800 فلسطيني.
ومنذ ذلك اليوم، يشن الجيش الإسرائيلي حرباً على غزة خلّفت حتى مساء الثلاثاء 16 ألفاً و248 شهيداً، بينهم 7112 طفلاً و4885 امرأة، إضافة إلى 43 ألفاً و616 جريحاً، فضلاً عن دمار هائل في البنية التحتية و"كارثة إنسانية غير مسبوقة"، بحسب مصادر رسمية فلسطينية وأممية.