أعادت معركة "طوفان الأقصى" إلى الواجهة، الحديث عن أسرى المؤبدات، الذين تطالب بهم حركة "حماس" بأن تشملهم صفقات التبادل مع الاحتلال الإسرائيلي، ومن ضمنهم الأسير مروان البرغوثي، الذي رفض الاحتلال شموله بصفقات تبادل الأسرى، لما له من خصوصية، نظراً لتاريخه النضالي وشعبيته بين الفلسطينيين.
البرغوثي (65 عاماً) قيادي في "فتح" جمع السياسة والنضال، فهو عضو في اللجنة المركزية للحركة رغم أسره، كما أنه زعيم "التنظيم" فيها، وهو فصيل مسلح تابع لها، أسسه بنفسه عام 1995، وأسير منذ عام 2001، إذ حكمت ضده محكمة الاحتلال بالسجن المؤبد 5 مرات.
قناعته بأن "العمل السياسي والمفاوضات من دون مقاومة استجداء، وأن المقاومة من دون عمل سياسي ومن دون استثمارها مغامرة"، وفق ما نقله عنه قادة في فتح.
يرفع البرغوثي شعار "الوحدة الوطنية قانون الانتصار، وأن شركاء الدم هم شركاء في القرار، والشركاء في الميدان شركاء في البرلمان".
بين السياسة والنضال
يُعدّ مروان البرغوثي من القيادات البارزة التي قادت الجماهير الفلسطينية في انتفاضتها الأولى عام 1987، ليصبح بعدها عضواً في المجلس الثوري لحركة فتح في العام 1989، كأصغر عضو في المجلس وقتها، كما أنه لعب دوراً بارزاً في الانتفاضة الثانية عام 2000، لتزيد شعبيته بشكل كبير.
في آخر منصبٍ له، شغل البرغوثي الأمين العام لحركة فتح في الضفة الغربية، كما أنه كان من القيادة التأسيسية لكتائب شهداء الأقصى الجناح المسلح لفتح، واتهمه الاحتلال الإسرائيلي بأنه كان مرجعية تنظيمية لها، معللاً ذلك بأنه كان مسؤول اللجنة الحركية العليا للحركة في الضفة، ليعتقله ويحكم عليه بالمؤبدات الخمس من خلال محكمة مدنية.
تعرّض البرغوثي "أبو القسام" وهي كنيته، لمحاولات اغتيال إسرائيلية فاشلة أكثر من مرة، أبرزها قصف موكبه أمام مكتبه في رام الله يوم 4 أغسطس/آب 2001، ما أسفر عن استشهاد مرافقه.
مروان البرغوثي في صفقة تبادل الأسرى
جاء اسمه في قوائم تبادل الأسرى في صفقة إطلاق سراح الأسير الإسرائيلي جلعاد شاليط 2011، إلا أن الاحتلال رفض إدراجه وإطلاق سراحه إلى جانب عدد من الأسرى أصحاب الأحكام العالية.
أعلن مروان البرغوثي ترشحه لرئاسة السلطة الفلسطينية في يناير/كانون الثاني 2021، بعد إصدار محمود عباس مرسوماً رئاسياً يحدد مواعيد الانتخابات، إلا أن الانتخابات لم تجرِ، إذ أعلن الأخير تأجيلها رغم أنها الأولى منذ 15 عاماً حينها، قائلاً إن السبب هو حظر الاحتلال الإسرائيلي إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمان في شرق مدينة القدس المحتلة.
شعبية مستمرة
بحسب المركز الفلسطيني للبحوث السياسية واستطلاعات الرأي (مستقل)، فإن البرغوثي برز كمرشح مفضّل في الانتخابات الرئاسية، التي كان من المزمع إقامتها في الضفة الغربية قبل الإعلان عن تأجيلها إلى أجل غير مسمى في 2021.
استطلاع أجراه المركز في مارس/آذار 2021، أفاد بحصول رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية على 14% من التصويت، ورئيس السلطة محمود عباس على 9%، في حين حصل مروان البرغوثي على أكبر نسبة، وهي 22%.
وكان أكثر من 50 استطلاعاً للمركز الفلسطيني أُجريت منذ عام 2007 وحتى 2021، أعطت مروان البرغوثي النسبة الأكبر من التأييد.
يفسّر مدير المركز الفلسطيني خليل الشقاقي، شعبية مروان البرغوثي، بأنه "مناضل مؤمن بالحل السياسي بلا تهور ولا تخاذل، وشديد الإيمان بالوحدة الوطنية المستندة إلى المقاومة، وشخص مقاوم للفساد، وكان يُنظر إليه على أنه خليفة ياسر عرفات"، وفق تصريحات سابقة له لوسائل إعلام محلية.
خطره بالنسبة لإسرائيل
فسّر عاموس جلعاد، المنظر الاستراتيجي في وزارة الحرب الإسرائيلية لمدة طويلة، عدم إطلاق سراح مروان رغم المطالبة الفلسطينية الواسعة، بل حتى من أوساط إسرائيلية، بأنه "يمكنه أن يفاوض، لكنه لن يتخلى عن المقاومة، وذلك لتحقيق حلم شعبه" بالتحرر.
رأت مصادر قناة "i 24 news" الإسرائيلية، أن "اختيار البرغوثي رئيساً يحظى بإجماع شعبي حوله، وقد يضع إسرائيل في الزاوية في كل ما يتعلق بمسيرة الأسير ومستقبل العلاقة مع الجانب الفلسطيني والقضية الفلسطينية".
ونقلت صحيفة "لوتان" السويسرية عن الباحثة المهتمة بالشأن الفلسطيني سيلفين بول، أن "البرغوثي مكروه في إسرائيل بعد هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، حتى في معسكر اليسار، ولن يرغب أحد في إطلاق سراحه".
وأضافت: "بل إن الناشطين الإسرائيليين المؤيدين للسلام، يرون أنه من المستحيل الثقة برجل لا يعرفون هل ما زال يدعو للكفاح المسلح، وهل يعترف بدولة إسرائيل داخل حدود 1967 أم لا"، وما إذا كان الإفراج عنه قد يعيد إلى حركة فتح خيار الكفاح وليس الاكتفاء بالمساومات السياسية.
معسكر الأسير مروان البرغوثي في حركة فتح
تحت عنوان: "مروان البرغوثي.. هل هو أمل سلام مغيب في السجون؟"، وصفته صحيفة لوتان، بأنه "زعيم محتمل لفلسطين بعد الحرب"، أي بعد معركة طوفان الأقصى التي بدأت منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
نقلت الصحيفة عن الباحث يزيد صايغ من مركز "كارنيغي" للشرق الأوسط، قوله، إن البرغوثي "يتمتع بشرعية سياسية بين الفلسطينيين، سواء داخل تنظيمه حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح)، أو بين المتعاطفين مع الفصائل الفلسطينية الأخرى".
من جهته، قال القيادي في حركة فتح جمال حويل في تصريحات لـ"عربي بوست"، إنه يعتقد أن مروان البرغوثي سيكون من ضمن الأسرى الذين سيفرَج عنهم في النهاية".
وقال "اجتمعنا مع الإخوة في حركة حماس، قبل عملية طوفان الأقصى، وأكدوا لنا أن هناك معايير للإفراج عن الأسرى والمعتقلين، معظمها تنطبق على الأخ مروان، حتى أن أحدهم قال لنا إنه لن تكون هناك صفقة وطنية شاملة دون أن تشمل مروان البرغوثي وأحمد سعادات القيادي في الجبهة الشعبية، والأسرى من كل فصائل العمل الوطني".
وأكد أنه "قبل عملية طوفان الأقصى، كان اسم مروان البرغوثي مدرجاً ضمن الإفراجات عنهم، وأعتقد أنه وجود العديد من الأسرى من الضباط الإسرائيليين بعد العملية في يد حركة المقاومة حماس سيساهم في خروجه، بالإضافة إلى أن حماس لن تقبل إلا بتبييض السجون من جميع الأسرى".
وأيد القول إن مروان البرغوثي يحظى بشعبية كبيرة داخل حركة فتح، لا سيما أنه "يؤمن بالوحدة الوطنية، وبالمواجهة الشاملة مع الاحتلال على جميع المستويات الثقافية والسياسية والدبلوماسية والحجر والمولوتوف والكفاح المسلح"، مشيراً إلى أنه من قال عنه رئيس وزراء الاحتلال السابق أرئيل شارون "أخطأنا عندما أتينا به على قيد الحياة، بل كان يجب أن نأتي به رماداً داخل جرة".
وأضاف أن الشعب الفلسطيني يعرف أن مروان البرغوثي "لا يقبل أن يكون هناك سلطة فلسطينية تظهر وكأنها وكيل أمني وشرطي لحماية الاحتلال، بل إنه "قادر على مواجهة الفاسدين، وإعادة صياغة بناء منظمة التحرير على أساس وطني، هدفها الرئيسي إزالة هذا الاحتلال لتكون ممثلاً حقيقياً لشعبنا الفلسطيني، لذلك فإن خروجه من الأسر سيكون انطلاقة قوية نحو الوحدة والمواجهة مع الاحتلال، ونحو إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشريف".
وقالت مصادر من حركة فتح لـ"عربي بوست"، فضلت عدم ذكر اسمها، إنه في داخل الحركة حالياً 3 معسكرات، الأول يتبع السلطة الفلسطينية بقيادة عباس، والثاني مع القيادي المفصول محمد دحلان (التيار الإصلاحي)، والثالث معكسر مروان البرغوثي، الذي يرى أنه يمكن أن يكون محل إجماع حتى من المعسكرين الآخرين، لا سيما أن الأول في حالة تنافس شديد بين القيادات على خلافة عباس في رئاسة الحركة والسلطة.
وقال إن المرشحين كثر لخلافة عباس، مثل حسين الشيخ وناصر القدوة وجبريل الرجوب، إلا أنه في حال إطلاق سراح مروان البرغوثي، فإنه لا أحد من قادة فتح يعارضه حتى لو لم يكن من معسكره.
لكنه أشار إلى أن بعض قادة فتح يرون بتبني حماس تحرير مروان البرغوثي أنه يصبّ في صالحها، وأن ذلك يثير مخاوف من حدوث انقسام في الحركة، في وقت تزداد فيه شعبية حماس وتقل بالنسبة للسلطة الفلسطينية وعباس.
سبق أن نشرت مجلة "ناشونال إنترست" الأمريكية مقالاً لديفيد مي وعبدل عبد الرحمن الباحثَين في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية، قالا فيه إن "تبني حركة حماس حملة تحرير القيادي في حركة فتح مروان البرغوثي، هي محاولة تأتي على حساب حركة فتح، وتهدف إلى زيادة الصدع في الحركة، وزيادة الضغوط على السلطة الوطنية وتقوية شعبية حماس دون إثارة معارضة محتملة ضدها".
إلا أن مصدراً من حركة حماس طلب عدم نشر اسمه، قال في تصريح مقتضب لـ"عربي بوست"، إن الحركة "تتبنى إطلاق سراح الأسير مروان البرغوثي، وتهدف إلى تحرير جميع الأسرى ومن جميع الفصائل في مقدمتهم القادة المحكومين بالمؤبدات، وهي تعرف تاريخه النضالي جيداً".
وقال القيادي في فتح جمال حويل: "القائد بحركة حماس صالح العاروري هو صديق مقرب لمروان البرغوثي، وهما ينحدران من المكان ذاته، وكذلك الأمر بالنسبة ليحيى السنوار الذي عاش معه سنوات طويلة في سجون الاحتلال، لذلك فإنهم الأقدر على تشكيل قيادة وطنية للشعب الفلسطيني وتحقيق وحدة وطنية".
خلافة عباس
بشأن التطلعات المتعلقة بكونه مرشحاً لخلافة محمود عباس، قال حويل: "أعتقد أن مروان البرغوثي رغم أن هذا الموضوع سابق لأوانه، لكنه هو الشخص الأنسب فعلاً للرئاسة، وقد قمنا في قائمة الحرية، في الانتخابات التي تم تأجيلها، بترشيح الأخ القائد مروان البرغوثي لرئاسة الشعب الفلسطيني".
لكنه أضاف: "الأمر ليس مناصب ومكاسب، بل الأولوية الآن هي خروجه من السجن، ووقف العدوان على إخواننا في غزة، ومساعدتهم على إعادة إعمار القطاع".
وشدد على أن مروان البرغوثي "يحظى بثقة الفصائل وقيادات حماس، الذين عاشوا معه داخل السجون وخارجها، وجميعهم يدركون أنه مؤمن بالوحدة الوطنية وبالشراكة وبوحدة القرار الفلسطيني، وبالعمل المؤسسي، سواء داخل الحركة أو منظمة التحرير أو السلطة، فهو رجل وطني ومناضل وقانوني وبرلماني، ونحن نصفه بأنه مانديلا فلسطين".
مبادرات البرغوثي
كان البرغوثي من أطلق "إعلان الأسرى" الذي وقعه المعتقلون الفلسطينيون من حماس وفتح عام 2006، وهي وثيقة وفاق وطني بينهما على إثر الاشتباكات التي حصلت بعد فوز حماس بالانتخابات التشريعية.
كما أنه اعتبر اتفاقية أوسلو بين منظمة التحرير والاحتلال فرصة يمكن خوضها، وعمل على إقناع التنظيم به، لكنه سرعان ما اكتشف أن أوسلو لم يؤدّ إلى إنهاء الاحتلال، ولا إلى وقف التوسع الاستعماري الاستيطاني، وأن الاحتلال استخدم العملية السياسية لاستكمال تطبيق مشروعه، فعاد إلى النضال الفلسطيني وكان ممن قادوا الانتفاضة حينها.
كذلك، فإن البرغوثي من أعد صيغة اتفاق الفصائل الفلسطينية عام 2003 لوقف العمليات العسكرية 3 أشهر مقابل وقف الاحتلال عمليات الاغتيال والاقتحامات التي ينفذها.
نشأة مروان البرغوثي
البرغوثي من مواليد قرية كوبر إلى الشمال الغربي من مدينة رام الله، واعتقل مرات عدة منذ 1967 وأُبعد عن الضفة، قبل أن يعود إليها مع قيام السلطة الفلسطينية.
ولد "أبو القسّام" في 6 يونيو/حزيران 1959، وهو متزوج من فدوى البرغوثي، وهي محامية تعمل في المجال الاجتماعي والمنظمات النسائية الفلسطينية.
أنهى البرغوثي دراسة الثانوية العامة أثناء فترة اعتقاله وإبعاده عن مقاعد الدراسة بسبب سجنه بتهمة المشاركة في مظاهرات مناهضة للاحتلال في أواخر السبعينيات، وتمكن من تعلم اللغة العبرية ومبادئ في اللغتين الفرنسية والإنجليزية خلال فترة سجنه.
درس البكالوريوس في التاريخ والعلوم السياسية، في جامعة بيرزيت، وأنهى الماجستير في العلاقات الدولية من الجامعة ذاتها.
عمل حتى اعتقاله في أبريل/نيسان 2002 محاضراً في جامعة القدس أبو ديس.
وحصل في 2010 على الدكتوراه من قسم العزل الجماعي في سجن (هداريم) في العلوم السياسية من معهد البحوث والدراسات التابع لجامعة الدول العربية، واقتضى إيصال رسالته سراً خارج السجن نحو عام كامل بمساعدة محاميه.
لديه مؤلفات سربها ونشرها خارج السجن، منها:
- ألف يوم في زنزانة العزل الانفرادي.
- الوعد.
- الوحدة الوطنية قانون الانتصار.
يشار إلى حركة حماس والاحتلال الإسرائيلي أجريا صفقة تبادل للأسرى على 7 دفعات خلال فترة الهدنة التي استمرت أسبوعاً وركزت على الإفراج عن الأطفال والقاصرين والنساء، خلال معركة طوفان الأقصى التي بدأت 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، في حين استأنف الاحتلال عدوانه على قطاع غزة، مخلفاً حتى الآن أكثر من 15 ألف شهيد بينهم أكثر من 6 آلاف طفل، وإصابة أكثر من 36 ألف فلسطيني.