علم "عربي بوست" من مصادر إيرانية أن المرشد الأعلى علي خامنئي، تعرض لضغوط في الفترة الأخيرة التي سبقت الهدنة في غزة، من قبل أنصاره المتشددين وبعض المسؤولين الإيرانيين، للتدخل في الحرب ودعم حركة حماس.
وكشف مصدر من مكتب المرشد الأعلى الإيراني، لـ"عربي بوست"، أن "المئات من أنصار المؤسسة السياسية المخلصين راسلوا المرشد الأعلى؛ لحثه على التدخل في حرب غزة، وتقديم دعم أكبر لحماس عن طريق حزب الله اللبناني".
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فبحسب المصدر ذاته "انتقد عدد من المسئولين الإيرانيين، خاصة من حزب استقرار الثورة، موقف إيران الذي وصفوه بالضعيف؛ لعدم تقديم دعم قوي للفصائل الفلسطينية في الحرب مع إسرائيل".
جدير بالذكر هنا أن حزب جبهة استقرار الثورة من أكثر الأحزاب السياسية تشدداً في إيران، وهو الداعم الرئيسي للمرشد الأعلى ولحكومة الرئيس إبراهيم رئيسي الحالية.
طريق القدس يمر عبر كربلاء.. "شعار فقط"
وتواصل "عربي بوست" مع عدد من السياسيين والمسؤولين الإيرانيين الذين قاموا بإرسال رسائل إلى المرشد الأعلى الإيراني للضغط عليه للتدخل في حرب غزة، لإيصاح وجهة نظرهم.
يقول سياسي إيراني أصولي مقرب من المؤسسة السياسية في طهران، ومؤيد للتدخل الإيراني الأوسع في حرب غزة، لـ"عربي بوست": "طريق القدس يمر عبر كربلاء، هذا هو الشعار الأساسي لفيلق القدس والحرس الثوري بأكلمه".
"بعد ما يحدث في غزة والتخاذل الإيراني تجاه فصائل المقاومة الفلسطينية، أعتقد أنه لا يمكن لأي مسؤول في الحرس الثوري أو الحكومة أن يردد هذا الشعار مرة ثانية"، يقول المتحدث.
وأضاف المتحدث أنه "طوال عقود كانت المؤسسة الإيرانية تتفاخر بفيلق القدس وقدرته على تحرير فلسطين بمشاركة حلفائها في المنطقة، والآن يكتفون بتقديم الشعارات والتصريحات التي تؤيد هجوم حماس وتثني على الشعب الفلسطيني".
وكانت مصادر قد أكدت لـ"عربي بوست" أن طهران لا تريد المغامرة بقدرات حزب الله اللبناني الاستراتيجية من أجل تقديم دعم أكبر لحركة حماس الفلسطينية في الحرب الحالية، وأنها اكتفت بأن يكون حزب الله اللبناني أداة لتشتيت جزء من القوات الإسرائيلية على الحدود الجنوبية للبنان.
التخلي عن حماس
منذ بدء حرب الاحتلال الإسرائيلي على غزة تحدث وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، عن استراتيجية "توحيد الساحات"، التي تعني توحيد الهجمات والتعاون بين محور المقاومة ضد إسرائيل لتخفيف الضغط على حماس ووقف التوغل البري في القطاع.
لكن بعد التوغل البري الإسرائيلي النسبي في شمال قطاع غزة، ومع ازدياد الهجمات الصاروخية على سكان القطاع، لم تتحرك إيران لتنفيذ استراتيجيتها المعروفة باسم "توحيد الساحات والجبهات".
وهذا ما أثار ردود فعل غاضبة من قبل بعض أنصار المؤسسة السياسية الإيرانية، الأمر الذي أكده سياسي أصولي ورجل دين مقرب من المرشد الأعلى الإيراني لـ"عربي بوست".
وقال المتحدث: "دائماً ما قالوا لنا إن محور المقاومة وفيلق القدس هدفهما تحرير فلسطين في نهاية المطاف، نعم الفصائل الفلسطينية جزء أساسي من محور المقاومة وتم تقديم الدعم الإيراني بجميع أشكاله لهم، لكن وقت الحروب يجب أن يكون هذا الدعم أضعافاً، وهذا لم يحدث إلى الآن".
ويضيف المتحدث قائلاً: "لا أبالغ عندما أقول إن طهران قد تخلت عن حماس في هذه الحرب الهائلة، وردّ الفعل الإسرائيلي عنيف واستثنائي لا يتكرر كثيراً، وكان الأولى أن يتم تنفيذ استراتيجية توحيد الساحات واستغلال الحدث لتوجيه ضربة قوية لإسرائيل".
المشاعر الغاضبة نفسها التي تحدث بها المصدران السابقان، كررها مسؤول أمني إيراني مقرب من دوائر صنع القرار بطهران في تصريحه لـ"عربي بوست".
وقال المتحدث: "لا شك في أن القاعدة الجماهيرية للجمهورية الإسلامية ونظامها سوف تتأثر بالموقف الإيراني من الحرب الحالية في غزة، وأيضاً قاعدة أنصار حزب الله في لبنان".
وأضاف المتحدث أن "الموقف الإيراني متخاذل إلى حد كبير، وسوف يعرض سمعة محور المقاومة للانتقاد والخطر، صحيحٌ أن لكل بلد في محور المقاومة مصالح قومية ووطنية لا يمكن إغفالها، لكن كان يمكن أن يكون هناك موقف أقوى، خاصة من جانب إيران وحزب الله، لدعم أهم شركاء محور المقاومة وهم فصائل المقاومة الفلسطينية".
"لقد عبرنا عن هذا الغضب للمرشد الأعلى، وطلبنا منه التدخل وتقديم الدعم للمقاومة الفلسطينية، لكن جاءنا الرد بأن المؤسسة السياسية اتخذت قراراً باتباع خطة التصعيد تدريجياً وبشكل غير مباشر عن طريق الحلفاء في المنطقة"، يقول المتحدث.
وقال المتحدث: "أعتقد أن مسألة الهدنة ستصب في صالح قرارات المؤسسة السياسية الإيرانية، ولكن ماذا لو قررت إسرائيل استكمال حربها ضد غزة؟ لا أحد يعلم ما مدى صعوبة الموقف الإيراني حينها، وهل سيصمت قادة الحرس الثوري عن تفاخرهم بقدرتهم على قتال الصهاينة؟".
لن نحقق لإسرائيل ما تتمناه
على الجهة المقابلة، هناك من بين أنصار المؤسسة السياسية الإيرانية، من يرون أن الموقف الإيراني عقلاني وبراغماتي، وأن الخطوات الإيرانية حتى الآن تصب في مصلحة جميع الأطراف.
وفي هذا السياق، يقول حسين فقيهي، المحلل السياسي المقرب من دوائر صنع القرار في إيران، مدافعاً عن وجهة النظر الإيرانية، لـ"عربي بوست": "إلى الآن انتهجت طهران نهجاً متوازناً يضمن المصالح الوطنية للشعب الإيراني".
وقال المتحدث في تصريحه: "إضافة إلى استمرارها في دعم المقاومة الفلسطينية، دون الانجرار إلى محاولات توريط إيران في حرب إقليمية واسعة النطاق".
ويضيف المتحدث قائلاً: "إسرائيل تتمنى أن تنجر إيران إلى حرب معها لتدخل الولايات المتحدة التي تدعم تل أبيب لتوجيه ضربة عسكرية إلى إيران، هذا ما تسعى إليه إسرائيل منذ سنوات طويلة، وقد ضغطت على واشنطن في العديد من المرات السابقة لضرب إيران".
"لكن بفضل العقلانية والمرونة اللتين تتمتع بها القيادة الإيرانية لن نحقق لإسرائيل ما تتمناه، وهذا بجانب دعم فصائل محور المقاومة وعلى رأسها الفصائل الفلسطينية بالتأكيد"، يُضيف المتحدث.
ويصف حسين فقيهي من ينتقد إيران قائلاً إنها تخلت عن المقاومة الفلسطينية في الحرب الأخيرة بـ"الجبان والغبي"، قائلاً: "من الغباء تدمير إنجازات محور المقاومة وتحويل الأمر إلى حرب مباشرة بين إيران وأمريكا".
وأشار المتحدث، إلى أنَّ "تدخّل إيران في الحرب بغزة ليس من مصلحة أي طرف من الأطراف، ولن يفيد القضية الفلسطينية، بل يضرها ويزيد من وقت الحرب الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني".
معاداة إسرائيل من أسس الجمهورية
بعد معركة طوفان الأقصى، أقامت إيران احتفالات عامة كبيرة وتجمع عشرات المئات من الإيرانيين المؤيدين للقضية الفلسطينية في ميدان فلسطين بالعاصمة طهران.
كما خرج المسؤولون الإيرانيون بتصريحات مؤيدة للهجوم الفلسطيني على إسرائيل، وعلى الرغم من نفي المرشد الأعلى الإيراني أي تورط إيراني في هذا الهجوم فإنه بارك الأمر قائلاً: "نحن نُقبل جباه وأيدي المخططين الأذكياء والشباب الفلسطيني الشجاع".
وقد تربى الشعب الإيراني من بعد الثورة الإسلامية عام 1979 على معاداة إسرائيل، وتمني زوال الكيان الإسرائيلي في كل المناسبات الدينية والوطنية، وخطورة إسرائيل على إيران والمنطقة يتم تدريسها في المدارس والجامعات.
في هذا الصدد، يقول محمد أكبر زادة، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الشهيد بهشتي بإيران، لـ"عربي بوست": "القضية الفلسطينية في قلب كل إيراني، وليس فقط على مستوى القيادة السياسية، معاداة إسرائيل والعمل على إنهاء وجودها من أهم المبادئ التي تأسست عليها الجمهورية الإسلامية الإيرانية".
ويضيف المتحدث قائلاً: "لا أنكر أن هناك قلة من الإيرانيين قد سئموا من الدعم الإيراني لفصائل المقاومة الفلسطينية أو المقاومة اللبنانية أو العراقية، لكن لا يمكن محو القضية الفلسطينية من أذهان الشعب الإيراني".
في السياق نفسه، يقول الصحفي الإيراني الأصولي، مصطفى صادقي، لـ"عربي بوست": "مساعدة المستضعفين في الأرض، ينص عليها الدستور الإيراني، وهي ركن أصيل من أركان الجمهورية الإسلامية".
"لذلك فإنّ دعم الحكومة الإيرانية للشعب الفلسطيني والمقاومة الفلسطينية مسألة دستورية وأخلاقية تعهد بها الخميني وخامنئي وقادة الحرس الثوري، لا يمكن لأحد أن يرى الظلم الذي يتعرض له الفلسطيني ويقول لا علاقة لنا به"، يضيف المتحدث.
بالطبع يوجد كثير من بين الإيرانيين يؤيدون القضية الفلسطينية، ويرون أن هجوم حماس كان نتيجة للظلم والقمع الذي تمارسه سلطات الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، ويؤمن كثيرون في إيران بحق الفلسطينيين في إنهاء الاحتلال الإسرائيلي والتحرر.. لكن هناك من يرى أن التحرر الفلسطيني لا يكون على حساب الشعب الإيراني ومصالح الأمة الإيرانية.
إيران أولاً
بعد معركة طوفان الأقصى كان هناك قلق بين العديد من شرائح المجتمع الإيراني من أن يسفر هذا الهجوم عن تدخل إيراني في الحرب ضد غزة، ومن تعرض إيران لخطر ضربة عسكرية أمريكية.
وقد صرح وزير الخارجية الإيراني السابق، محمد جواد ظريف، قائلاً: "إن الإيرانيين سئموا من دفع الثمن نتيجة نهج المواجهة الذي تتبعه الحكومة الإيرانية تجاه إسرائيل والولايات المتحدة".
ويوافقه الرأي أستاذ العلوم السياسية الشهير في جامعة طهران، صادق زيبا الذي قال تصريحات مشابهة عن ضرورة الحفاظ على المصالح الوطنية للشعب الإيراني وعدم الانجرار تجاه مواجهة مفتوحة مع واشنطن وتل أبيب.
في هذا السياق، يقول مهدي رستم بور، صحفي إيراني إصلاحي، لـ"عربي بوست": "دعم الإيرانيين للشعب الفلسطيني أمر واجب، فأغلب الشعوب في العالم تدعم حق الفلسطينيين في تحرير بلادهم، ولا يوجد إنسان صادق لا يدعم هذا الحق، لكن نحن في إيران دفعنا أثماناً هائلة نتيجة مواجهة إسرائيل وأمريكا وأرهقتنا هذه المواجهة كثيراً".
في أغلب الاحتجاجات السابقة التي اندلعت في إيران، خاصةً تلك المتعلقة بالمظالم الاقتصادية، كان يُسمع شعار يردده المتظاهرون المطالبون بحياة اقتصادية مستقرة وجيدة، وهم يقولون: "لا غزة ولا لبنان، روحي فداء لإيران".
وتعليقاً على هذا الأمر، يقول أستاذ علم الاجتماع بجامعة طهران، مفضلاً عدم ذكر اسمه لمخاوف أمنية، لـ"عربي بوست": "لقد كلفنا دعم ما يطلقون عليه محور المقاومة الكثير والكثير، نحن نعاني من عقوبات لا نهاية لها، نعاني من اقتصاد منهار، من أزمات سياسية واجتماعية، وعزلة دولية خانقة، ندعم حق الشعب الفلسطيني في التحرر لكن ليس بالدعم المالي والعسكري الذي جعلنا منبوذين من العالم بأسره".
ويضيف المتحدث قائلاً: "القيادة السياسية أعلنت دعمها لهجوم حماس، جميل لكن هذا الدعم بماذا يفيد الشعب الايراني؟ بالعكس سيضره، أعتقد أن من الأفضل للحكومة حماية المصالح القومية للشعب الإيراني الذي عانى طويلاً من اتباع سياسات متهورة في المنطقة".
وبالعودة إلى الصحفي الإيراني مهدي رستم بور، الذي قال لـ"عربي بوست": "انظر إلى نسب الفقر المرتفعة في إيران، أليس من الأولى دعم هؤلاء المستضعفين في إيران قبل أن تدعم الحكومة الإيرانية المستضعفين في فلسطين؟ ألسنا أحق بهذه الأموال؟ كفانا ما خسرناه في سوريا من أجل حماية بشار الأسد".