نشرت صحيفة New York Times الأمريكية تقريراً موسعاً، السبت 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، عن عدد القتلى المدنيين في غزة تحت القصف الإسرائيلي في أقل من شهرين، مقارنةً بحروب أخرى، إضافة إلى الحجم الهائل من الضربات وطبيعة الأسلحة المستخدمة من قبل إسرائيل، وحجم المباني المُدمرة.
وتوصلت الصحيفة في تقريرها إلى أن أرقام الضحايا الواردة من غزة تُظهر أن وتيرة الوفيات خلال الحملة الإسرائيلية ليس لها إلا سوابق قليلة في هذا القرن.
تقرير الصحيفة أوضح أن إسرائيل قد اعتبرت مقتل المدنيين في قطاع غزة جزءاً مؤسفاً، ولكن لا مفر منه من الصراع الحديث، مشيرةً إلى الخسائر البشرية الفادحة الناجمة عن الحملات العسكرية التي شنتها الولايات المتحدة نفسها من قبل في العراق وسوريا.
الصراعات الماضية
لكن نيويورك تايمز أجرت مراجعة للصراعات الماضية والمقابلات مع خبراء الأسلحة، والتي أشارت إلى أن الهجوم الإسرائيلي مختلف.
ورغم أن أعداد القتلى في زمن الحرب لن تكون دقيقة على الإطلاق يقول الخبراء إنه حتى القراءة المحافظة لأرقام الضحايا الواردة من غزة تظهر أن وتيرة الوفيات خلال الحملة الإسرائيلية ليس لها إلا سوابق قليلة في هذا القرن.
التقرير أشار إلى أن المدنيين في غزة يُقتلون بسرعة أكبر حتى من اللحظات الأكثر دموية للهجمات التي تقودها الولايات المتحدة في العراق وسوريا وأفغانستان، والتي تعرضت هي نفسها على خلفيتها لانتقادات واسعة النطاق من قبل جماعات حقوقية.
من المستحيل إجراء مقارنات دقيقة بين قتلى الحرب، لكن خبراء ضحايا الصراع فوجئوا بعدد الأشخاص الذين أُبلِغَ عن مقتلهم- معظمهم من النساء والأطفال- ووتيرة قتلهم.
استخدام إسرائيل المفرط للأسلحة
بحسب الصحيفة لا يتعلق الأمر فقط بالحجم الهائل للضربات، التي قدرتها إسرائيل بأكثر من 15 ألف غارة قبل التوصل إلى وقف إطلاق نار قصير مؤخراً، إنها أيضاً طبيعة الأسلحة نفسها.
ويقول بعض الخبراء إن استخدام إسرائيل المفرط لأسلحة كبيرة جداً في المناطق الحضرية المزدحمة، بما في ذلك القنابل الأمريكية الصنع التي يبلغ وزنها ألفي رطل، والتي يمكن أن تسوي برجاً سكنياً بالأرض، أمر مثير للدهشة.
على النقيض من ذلك، في القتال خلال هذا القرن، اعتقد المسؤولون العسكريون الأمريكيون في كثير من الأحيان أن القنبلة الجوية الأمريكية الأكثر شيوعاً (سلاح يبلغ وزنه 500 رطل) كانت كبيرة جداً بالنسبة لمعظم الأهداف عند قتال تنظيم الدولة الإسلامية في المناطق الحضرية مثل الموصل في العراق والرقة في سوريا.
ويشير الجيش الإسرائيلي إلى أن غزة تمثل ساحة معركة مثل القليل من الأماكن الأخرى، إنها صغيرة ومكثَّفة، يعيش فيها مدنيون بجوار مقاتلي حماس، وحتى فوقهم وهم في الأنفاق، ويعتمد المقاتلون على شبكات الأنفاق لحماية أنفسهم وأسلحتهم، ما يضع السكان مباشرةً في خط النار، كما يقول الجيش الإسرائيلي.
وفي الأسبوعين الأولين من الحرب كان ما يقرب من 90% من الذخائر التي أسقطتها إسرائيل على غزة عبارة عن قنابل موجهة عبر الأقمار الصناعية، تزن ما بين ألف إلى ألفي رطل، وفقاً لمسؤول عسكري أمريكي كبير غير مخول بمناقشة الأمر علناً.
في إحدى الحالات الموثقة استخدمت إسرائيل قنبلتين على الأقل، زنة ألفي رطل، خلال غارة جوية في 31 أكتوبر/تشرين الأول على مخيم جباليا، وهي منطقة مكتظة بالسكان شمال مدينة غزة، ما أدى إلى تسوية المباني بالأرض وإحداث حفر يبلغ عرضها 40 قدماً، وفقاً لتحليل صور الأقمار الصناعية. وقُتِلَ هناك ما لا يقل عن 126 مدنياً، أكثر من نصفهم من الأطفال.
من جهته، قال بريان كاستنر، محقق الأسلحة في منظمة العفو الدولية والمحقق السابق في منظمة العفو الدولية، إن القنابل المستخدمة في غزة أكبر من تلك التي استخدمتها الولايات المتحدة عندما كانت تقاتل داعش في مدن مثل الموصل والرقة، وهي أكثر اتساقاً مع استهداف البنية التحتية تحت الأرض مثل الأنفاق.
وليست غزة صغيرة فحسب مقارنةً بمناطق الصراع مثل العراق أو أفغانستان أو أوكرانيا، بل إن حدود القطاع مغلقة أيضاً من قبل إسرائيل ومصر، ما لا يتيح للمدنيين سوى القليل من الأماكن الآمنة، إن وجدت، للفرار.
وفيات غزة مرتفعة بشكل استثنائي
ووفقاً للصحيفة فإنه من الصعب إحصاء الخسائر في صفوف المدنيين، ولا يفصل المسؤولون في قطاع غزة الذي تديره حماس بين الوفيات بين المدنيين والمقاتلين.
ويشير الباحثون في المقابل إلى ما يقرب من 10 آلاف امرأة وطفل أُبلِغَ عن مقتلهم في غزة، باعتباره مقياساً تقريبياً- وإن كان متحفظاً- للوفيات بين المدنيين في القطاع. ويقول مسؤولون وخبراء دوليون مطلعون على الطريقة التي تُجمَع بها الإحصاءات في غزة إن الأرقام الإجمالية يمكن الاعتماد عليها بشكل عام.
ومع ذلك، يقول الباحثون إن وتيرة الوفيات المبلغ عنها في غزة خلال القصف الإسرائيلي كانت مرتفعة بشكل استثنائي. وقد أُبلِغَ عن مقتل أكثر من ضعف عدد النساء والأطفال في غزة مقارنةً بأوكرانيا، بعد عامين تقريباً من الهجمات الروسية، وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة.
ووفقاً لتقديرات منظمة بحثية بريطانية مستقلة، فقد أُبلِغَ عن مقتل عدد أكبر من النساء والأطفال في غزة في أقل من شهرين، مقارنةً بحوالي 7700 مدني وُثِّقوا على أنهم قُتِلوا على يد القوات الأمريكية وحلفائها الدوليين في العام الأول بأكمله من غزو العراق في عام 2003.
وقد بدأ عدد النساء والأطفال الذين قُتلوا في غزة منذ بدء الحملة الإسرائيلية، الشهر الماضي، يقترب بالفعل من 14,200 مدني، وُثِّقوا أنهم قُتِلوا على يد الولايات المتحدة وحلفائها في أفغانستان خلال ما يقرب من 20 عاماً من الحرب.
وتستند هذه المقارنات إلى آلاف الوفيات المنسوبة مباشرة إلى قوات التحالف الأمريكية على مدى عقود في العراق وسوريا وأفغانستان. وتشير التقديرات إلى أن عدداً أكبر بكثير من الأشخاص- مئات الآلاف في المجمل- قُتِلوا في هذه الصراعات على يد أطراف أخرى، بما في ذلك الحكومة السورية وحلفاؤها، والميليشيات المحلية، وتنظيم الدولة الإسلامية، وقوات الأمن العراقية.
ولكن في حين أن إجمالي عدد القتلى في تلك الحروب كان أكبر، فإن عدد الأشخاص الذين قُتِلوا في غزة "في فترة قصيرة جداً من الزمن أعلى مما كان عليه في الصراعات الأخرى"، كما قال البروفيسور كروفورد، الذي أجرى أبحاثاً مكثفة في الحروب الحديثة.
وفي معركة الموصل التي استمرت تسعة أشهر، والتي استشهد بها المسؤولون الإسرائيليون على سبيل المقارنة، قُتل ما يقدر بنحو 9 إلى 11 ألف مدني على يد جميع أطراف الصراع، بما في ذلك عدة آلاف قتلوا على يد تنظيم الدولة الإسلامية، حسبما أوردت وكالة Associated Press الأمريكية.
وقد أُبلِغَ بالفعل عن مقتل عدد مماثل من النساء والأطفال في غزة في أقل من شهرين.
تدمير نصف مباني غزة
تشير تحليلات الأقمار الصناعية إلى أن أكثر من 60 ألف مبنى تضررت أو دمرت في قطاع غزة، بما في ذلك حوالي نصف المباني في شمال غزة.
ويقول المسؤولون الإسرائيليون إن حملتهم تركز على البنية التحتية العسكرية المتدهورة في غزة، والتي غالباً ما تُبنَى بالقرب من المنازل والمؤسسات المدنية أو تُدفَن تحتها.
وقد وجهت إسرائيل سكان غزة إلى إخلاء المناطق التي تتركز فيها حملة القصف بشكل خاص، لكنها واصلت قصف مناطق أخرى أيضاً.