أمر القضاء التركي بحبس شخصين للاشتباه بتجسسهما لصالح إسرائيل، على خلفية تواصلهما مع المبرمج الفلسطيني المقيم في تركيا عمر البلبيسي، الذي أحبطت الاستخبارات التركي "MİT"، خطة للموساد كانت تهدف إلى اختطافه من العاصمة الماليزية كوالالمبور إلى تل أبيب، بعدما نجح في اختراق نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي "القبة الحديدية".
وكشف تحقيق مكتب الإرهاب والجرائم المنظمة بالنيابة العامة في إسطنبول، الخميس، أن شخصاً يدعى رياض غزال يعمل بشركة ذات صلة بجهاز المخابرات الإسرائيلي، وأن غزال قدم عرض عمل للمبرمج عمر، بحسب الأناضول.
وأشارت التحقيقات إلى أن المشتبهَين قدما إلى إسطنبول من أجل لقاء عمر بخصوص عرض العمل، وحوّلا مبلغاً من النقود إلى حسابه المصرفي مقابل مشروع أعده.
وذكرت أن المخابرات الإسرائيلية تجري لقاءات مع الأشخاص عبر هذه الطريقة من حين إلى آخر، وأنها جمعت معلومات عبر الشركة المذكورة.
وصدر أمر الحبس قيد التحقيق بحق المشتبه غزال بعد توقيفه بمطار إسطنبول في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بتهمة "التجسس العسكري والسياسي" بعد التأكد من صلته بجهاز المخابرات الإسرائيلي.
كما صدر أمر توقيف آخر بحبس المدعو "ف. ه" في إطار التحقيق ذاته بتهمة التجسس لصالح المخابرات الإسرائيلية.
تعود القصة إلى أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي (2022)، حينما اختطف فريق تابع للموساد الإسرائيلي مهندس البرمجيات الفلسطيني عمر البلبيسي في كوالالمبور، قبل أن يتم إطلاق سراحه من قبل الشرطة الماليزية.
وفق ما نقلته صحيفة "صباح" المقربة من الحكومة، عن مصادر استخباراتية، فإن الاستخبارات التركية كانت حذرت البلبيسي حينما كان يقيم على أراضيها، من السفر إلى خارج البلاد، لكن حينما قرر المغادرة لماليزيا كانت تتعقبه عبر هاتفه المحمول، وهي التي أوعزت إلى السلطات الماليزية لإنقاذه من يد الموساد.
وتشير الصحيفة إلى أن البلبيسي (32 عاماً)، تمكن من اختراق برمجية منظومة القبة الحديدية، بين عامي 2015 و2016؛ ما جعلها آنذاك تعجز عن صد صواريخ كتائب القسام الجناح العسكري لحركة "حماس".
بعد 3 سنوات من التحقيقات الإسرائيلية، توصلت تل أبيب إلى أن المهندس الفلسطيني هو من يقف وراء التأثير على برمجية القبة الحديدية، فيما أشارت الصحيفة إلى أنه متخرج في قسم برمجة علوم الحاسوب بجامعة غزة الإسلامية، وأنشأ برنامج قرصنة لوزارة الداخلية بالقطاع، وأنه من أفضل مطوري البرمجيات والهاكرز في العالم.
محاولات اختراق عبر عروض عمل
في عام 2019، حاول الاحتلال الإسرائيلي اختراق المهندس البلبيسي، من خلال تقديم عرض عمل من قبل شركة نرويجية، إلا أنه رفض الوظيفة.
تشير الصحيفة إلى أن المهندس البلبيسي قرر الانتقال إلى إسطنبول في مارس/آذار 2020، حيث سافر إليها عبر القاهرة، وكان مراقباً من قبل الموساد الإسرائيلي في تركيا.
في أبريل/نيسان 2021، تلقى المهندس البلبيسي الاتصال الأول من عميل لدى الموساد يُدعى رائد غزال، حيث تواصل معه عبر "واتساب" وادّعى أنه مدير موارد شركة فرنسية اسمها "Think Hire"، وقدّم له عرض عمل كذلك.
تقول الصحيفة إن غزال تمكن من لقاء المهندس الفلسطيني وجهاً لوجه في يونيو/حزيران وأغسطس/آب 2021، قبل أن يسلّم المهمة لعميل آخر يُدعى عمر شلبي، وكان هدف كليهما هو اختطاف المهندس الفلسطيني إلى تل أبيب.
عرض شلبي على مهندس البرمجيات الفلسطيني مبلغ 10 آلاف دولار، لإنشاء برمجية خاصة، لصالح الشركة الفرنسية التي أرسلت بدورها الأموال عبر ضابط في الموساد استخدم اسماً مزيفاً هو جون فوستر.
20 ألف دولار مقابل السفر من تركيا
سلّم البلبيسي البرمجية إلى شخص يدعى نيكولا رادونيج (44 عاماً) في يونيو/حزيران 2022، كما التقاه في منطقة كاراكوي بإسطنبول وجهاً لوجه بأحد الفنادق، وعرض عليه مبلغ 5200 دولار مقابل فرصة عمل من تركيا، وبراتبٍ قدره 20 ألف دولار إذا وافق على العمل من البرازيل.
وقال رادونيج للمهندس الفلسطيني إنهم سيعملون معاً في المشروع عبر الإنترنت مع ضباط بالموساد الإسرائيلي، وهم: عبد البر محمد كايا، وفؤاد أسامة حجازي، ومواطن مغربي يدعى يوسف دحمان جديد.
كما زعم رادونيج أن لديه معارف بإدارة الهجرة التركية في إسطنبول، ويمكنه مساعدة المهندس الفلسطيني في الحصول على جواز سفر بشكل سريع بمجرد الحصول على عنوان إقامته في المدينة التركية، كما أصر رادونيج على أن يسافر البلبيسي خارج تركيا بسبب أن "الشركة بحاجة إليه".
الوقوع في شباك الموساد
بدوره، تدخّل جهاز الاستخبارات التركي وحذّر المهندس الفلسطيني من السفر إلى الخارج، ومع ذلك قرر البلبيسي الذهاب إلى ماليزيا بغرض السياحة لمدة 15 يوماً في سبتمبر/أيلول 2022، وفق صحيفة "صباح".
تقول الصحيفة إن قسم "مكافحة التجسس" التابع لجهاز الاستخبارات التركي، أصدر جميع التحذيرات اللازمة قبيل سفر البلبيسي، حيث كان القسم على علم بوجود شبهة في عروض العمل التي قُدّمت من الخارج.
في الوقت ذاته، وضعت الاستخبارات التركية تطبيق تعقّب في هاتف المهندس الفلسطيني، كي تحصل بشكل مباشر على موقعه في ماليزيا حتى ولو كان هاتفه مغلقاً.
بحسب صحيفة "صباح"، فإن فريقاً تابعاً للموساد الإسرائيلي تمكن من اختطاف المهندس البلبيسي في كوالالمبور يوم 28 سبتمبر/أيلول 2022، واستجوبه في شاليه على بعد 50 كيلومتراً من العاصمة، حيث تعرض للتعذيب بشدة والاستجواب لمدة 36 ساعة عبر الفيديو كونفرانس مع تل أبيب.
حاول مسؤولو الموساد الذين استجوبوا البلبيسي من تل أبيب، معرفة الطريقة التي تمكن بها المهندس الفلسطيني من التأثير على أداء القبة الحديدية وحجب رؤيتها للصواريخ لفترة من الزمن، وكيف طوّر البرنامج، وما هي لغة التشفير التي استخدمها، كما سألوه عن طريقة إيقاف تشغيل نظام اختراق هواتف موظفين حكوميين وجنود إسرائيليين.
الاستخبارات التركية تتدخل
بدورها، حينما علمت الاستخبارات التركية بحادثة الاختطاف، أرسلت موقع مطور البرمجيات الفلسطيني إلى نظرائها في ماليزيا، مشددة على أن الأمر "عاجل للغاية" لإنقاذه من الشاليه الموجود فيه.
وفق الصحيفة التركية، فإن فريق العمليات الخاصة الماليزية شن هجوماً مفاجئاً، وتمكن من إنقاذ الشاب الفلسطيني، في حين اعتقلت محكمة في العاصمة كوالالمبور 11 شخصاً من المختطِفين.
من جانبها، قامت الاستخبارات التركية في الأسابيع الأخيرة، بإلقاء القبض على عميل الموساد أسامة حجازي، كما نقلت المهندس الفلسطيني البلبيسي إلى تركيا ووضعته تحت حماية أمنية تابعة لها.
أشارت صحيفة "صباح" إلى أن هذه ليست أول محاولة للموساد في استهداف ناشطين وخبراء فلسطينيين بماليزيا، لافتة إلى أنه في عام 2018، قُتل المهندس الكهربائي فادي محمد البطش، المولود يغزة، وهو أيضاً عضو في حماس، على يد سائقَي دراجات نارية يعملان لصالح الموساد، كما ذكرت وسائل الإعلام المحلية الماليزية آنذاك، أن البطش قُتل على يد المخابرات الإسرائيلية.