يضغط الغرب لوقف القتال في قطاع غزة لغياب أي دليل على نشاط عسكري للمقاومة الفلسطينية بمجمع الشفاء الطبي، في حين يتعرض الرئيس الأمريكي جو بايدن لضغوط متزايدة لكبح جماح الحملة العسكرية الإسرائيلية شديدة الكثافة في غضون أسابيع.
صحيفة واشنطن بوست الأمريكية نقلت عن دبلوماسي أوروبي، الخميس 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، أن غياب دليل على وجود نشاط عسكري بمجمع الشفاء الطبي دفع الغرب إلى الضغط لوقف القتال في قطاع غزة المستمر منذ 41 يوماً.
المصدر أوضح أن تل أبيب كانت تأمل أن يؤدي اقتحام مستشفى الشفاء إلى ظهور أدلة دامغة على وجود نشاط مسلح كبير.
وأضاف الدبلوماسي الأوروبي أن غياب دليل واضح على وجود نشاط عسكري في مجمع الشفاء دفع الحلفاء الغربيين، وضمنهم الولايات المتحدة الأمريكية، إلى زيادة الضغط على إسرائيل من أجل قبول وقف القتال.
وفي وقت سابقٍ الخميس، زعم الجيش الإسرائيلي، بعد عدم عثوره على ما يدين حركة "حماس" الفلسطينية في مستشفى الشفاء بمدينة غزة، أنه تم "إخفاء الأدلة".
بايدن تحت الضغط
في غضون ذلك، قالت صحيفة Financial Times البريطانية إن الرئيس الأمريكي جون بايدن يتعرض لضغوط متزايدة لكبح جماح الحملة العسكرية الإسرائيلية شديدة الكثافة في غضون أسابيع، حيث يتراجع حلفاء الولايات المتحدة ومسؤولو الإدارة وأعضاء الحزب الديمقراطي بسبب العدد المتزايد من القتلى في غزة.
ووفقاً للصحيفة، فإن الرئيس الأمريكي لم يصل إلى حد الدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار الذي طالبت به الدول العربية وبعض الساسة الأمريكيين. ولكن لغته ولغة كبار المسؤولين في إدارته بشأن الحملة التي تشنها إسرائيل لتدمير حماس، أصبحت أكثر انتقاداً في الأيام الأخيرة، وهو ما يعكس الانزعاج المتزايد داخل البيت الأبيض.
كما أوضحت فايننشال أن القلق بشأن النهج الإسرائيلي -من الهجوم العسكري في غزة إلى التوترات المتصاعدة بالضفة الغربية المحتلة- قد تزايد بشكل مطرد داخل إدارة بايدن، مع انتشار الإحباطات الداخلية في الاجتماعات وعبر القنوات الرسمية للمعارضة.
من جانبهم، قال دبلوماسيون غربيون إنّ تسامح البيت الأبيض مع تزايد عدد القتلى في غزة، وردّ الفعل العام عليه قد يتلاشى بحلول نهاية نوفمبر/تشرين الثاني، وهي فكرة تقرها إسرائيل أيضاً.
وقال وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين للصحفيين يوم الإثنين 13 نوفمبر/تشرين الثاني، إن أمام إسرائيل "أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع" قبل أن تواجه ضغوطاً دبلوماسية كبيرة لوقف إطلاق النار.
واعترف مسؤول إسرائيلي آخر بضغوط الوقت، وقدر أن الجيش لديه "عدة أسابيع" لـ"النمط الحالي للعملية".
وفي يوم الإثنين أيضاً، بعد أن حاصرت قوات الدفاع الإسرائيلية مستشفى الشفاء، أكبر منشأة طبية بغزة، كان بايدن قاطعاً في المطالبة بـ"حماية المستشفيات".
وجاءت تعليقات بايدن بعد أن قال أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي، إن "عدداً كبيراً جداً" من الفلسطينيين لقوا حتفهم في الصراع. وفي الأسبوع الماضي، قالت باربرا ليف، مسؤولة شؤون الشرق الأوسط في وزارة الخارجية، للكونغرس إن عدد القتلى في غزة قد يكون "أعلى حتى مما يُعترَف به".
توتر داخل إدارة بايدن
كما أفاد مسؤولون مطلعون على النقاش داخل إدارة بايدن بأن التوتر ساد الاجتماعات بين كبار المسؤولين والموظفين الأصغر سناً، في حين أرسل آخرون عدة "برقيات معارضة" اجتذبت مئات الموقعين للتعبير عن انتقاد دعم البيت الأبيض لإسرائيل.
وتأتي المناقشات بين الدبلوماسيين وداخل إدارة بايدن نفسها حول المدة التي يمكن أن تستمر فيها الحملة الإسرائيلية- وما سيتبعها- وسط قلق دولي متزايد بشأن القوة الهائلة للهجوم.
ودفع هذا التقدم في الحملة العسكرية الأمم المتحدة إلى التحذير من "كارثة" في غزة. وقال أمينها العام، أنطونيو غوتيريش، إن المنطقة أصبحت "مقبرة للأطفال". وطالب بوقف فوري لإطلاق النار.
وقال مسؤولون ومحللون، إن الولايات المتحدة تريد إحراز تقدم في تأمين إطلاق سراح أكثر من 200 أسير بغزة، قبل أن تفكر في دفع إسرائيل إلى وقف هجماتها.
وتسعى الولايات المتحدة أيضاً إلى تمديد فترة "الهدن" الإنسانية بشكل كبير، من أجل توصيل مزيد من المساعدات إلى غزة. ولكن كلما طال أمد الحرب، زاد الضغط على بايدن لممارسة ضغوطه السياسية على إسرائيل.
وقد دعت المملكة السعودية ودول إسلامية أخرى، وضمن ذلك إيران، بالفعل إلى وقف فوري لإطلاق النار وتوصيل المساعدات الإنسانية غير المشروطة إلى غزة.
وقالت الصحيفة إن الولايات المتحدة سوف تحتاج إلى حلفائها العرب في سعيها للمساعدة في تشكيل نظام ما بعد الحرب في غزة، مشيرة إلى أن المسؤولين الأمريكيين يشعرون بالقلق من أن السياسيين الإسرائيليين، ومن ضمنهم الوزراء، يزيدون من تنفير العواصم العربية، من خلال ترويج خطط استفزازية لمستقبل غزة، وضمن ذلك إعادة توطين القطاع ودفع الفلسطينيين إلى المغادرة.
وتكتسب المخاوف أيضاً رواجاً في الحزب الديمقراطي الذي ينتمي إليه بايدن، بدءاً من موظفي الكونغرس إلى المسؤولين في وزارة الخارجية والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية والبيت الأبيض نفسه، وقد أثار هؤلاء مخاوف بشأن العدد الكبير من القتلى المدنيين في الحرب، وفقاً للصحيفة.
وبصرف النظر عن برقيات المعارضة، أرسل موظفو حملة بايدن الانتخابية السابقون أيضاً رسالة إلى الرئيس يطالبون فيها بوقف إطلاق النار. وقال السيناتور الديمقراطي مارك وارنر من ولاية فرجينيا، الأحد، إن الانقسام بشأن غزة يمكن أن يضر بقاعدة بايدن في الحزب الديمقراطي، في الوقت الذي يبدأ فيه الرئيس الاستعداد لحملة إعادة انتخابه.
فيما أظهر استطلاع للرأي أجرته وكالة Associated Press الأمريكية ومركز NORC بجامعة شيكاغو مؤخراً، أن ما يقرب من نصف الديمقراطيين لا يوافقون على تعامل بايدن مع الصراع بين إسرائيل وحماس، رغم أن بعض مسؤولي البيت الأبيض يشيرون إلى أن نهج الرئيس يحظى أيضاً بدعمٍ بين الأمريكيين اليهود.