تعقد اللجنة القانونية في مجلس النواب الأردني، منذ الثلاثاء 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، جلساتها لبحث مراجعة الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل عقب دعوتها من رئيس المجلس أحمد الصفدي، إلى البدء بهذه الخطوة، في حين أن البرلمان الأردني يراجع الاتفاقيات في الوقت الذي تتصاعد فيه لهجة الخطاب الأردني مع الاحتلال الإسرائيلي إثر العدوان على قطاع غزة، والحديث عن تهجير الفلسطينيين إلى سيناء المصرية والأردن.
وطلب رئيس البرلمان من اللجنة القانونية مراجعة الاتفاقيات مع الاحتلال وتقديم التوصيات اللازمة بشأنها من أجل تقديمها إلى الحكومة، متضمنة اتفاقية "وادي عربة".
وأكد رئيس اللجنة القانونية في مجلس النواب غازي الذنيبات لـ"عربي بوست"، في تصريح مقتضب بعد اجتماع للجنة: "سنقوم باستشارة بعض رجال القانون البارزين بشأن مراجعة الاتفاقيات الموقعة مع الاحتلال الإسرائيلي، وسنقدم في الختام توصيات إلى الحكومة".
هل من الممكن إلغاء اتفاقية وادي عربة؟
من جانبه، أوضح النائب في البرلمان الأردني صالح العرموطي لـ"عربي بوست"، أنه من ناحية قانونية يمكن ذلك، موضحاً: "هذا استحقاق دستوري للمجلس، ومن حقنا كمجلس نواب بموجب المادة 95 من الدستور التقدم بمشروع قانون حول ذلك، فكل ما يجري على تراب فلسطين يستدعي أن يكون لنا موقف واضح ضد جرائم الإبادة الجماعية، وسبق لنا أن تقدمنا منذ عام ونصف بمشروع لإلغاء اتفاقية وادي عربة، وهذا الأمر يمثل أرضية للجنة القانونية".
وتابع: "إذا قرر مجلس النواب إقرار مقترح مشروع القانون لإلغاء اتفاقية وادي عربة، وليس مجرد توصية، فسيصبح ملزماً للحكومة، بتقديمه في نفس الدورة أو الدورة التي تليها".
وقال: "ننتظر قرار مجلس النواب، فهو بإمكانه أن يدخل التاريخ في حال قرر رفض كل هذه الاتفاقيات"، مضيفاً: "المجلس يدرس الآن بشكل سريع هذه الاتفاقيات، وسيكون قرارنا برفضها".
رسائل إلى الداخل والخارج معاً
المحلل السياسي عامر السبايلة أكد لـ"عربي بوست"، أن "هذه خطوة دبلوماسية تشير الى أن هناك ورقة أردنية ترمى على الطاولة، وأن توظيفها سياسياً مقترن باتخاذ خطوات على الأرض".
وقال: "هناك جزآن في هذه المعادلة، أولاً التوافق مع حجم الغضب الشعبي السائد بالتالي هي رسالة للداخل الأردني المتفاعل مع ما يحدث في غزة".
أما خارجياً، أضاف السبايلة: "بلا شك فإن هذه الخطوة تخلق مناخاً غير مريح للولايات المتحدة كحليف للأردن، وغير مريح للإسرائيلي، لكن يجب أن يقترن هذا بخطة واضحة المعالم، مع توفير بدائل مناسبة كبديل عن اتفاقية الماء مقابل الكهرباء، وكيفية التخلي عن هذا الارتباط، لا سيما إذا كان هنالك خطوات أكثر تصعيداً في المستقبل".
وقال إنه يعتقد بأنه "يمكن في هذه المرحلة المناورة بتأجيل توقيع اتفاقية الماء مقابل الكهرباء، إذا كان هناك رغبة بإرسال رسائل خارجية أكثر شدة".
لكنه أشار إلى أنه "عملياً فإن الأمر عبارة عن عملية معقدة جداً، وبحاجة إلى كثير من الخطوات التي تمهد للوصول إلى إلغاء الاتفاقيات، مثل الاعتماد الكبير على إسرائيل في ملف الغاز الذي أصبح استيراده وفق الرواية الحكومية الأردنية مجدياً بعد ارتفاع أسعاره".
وإعلان عمّان أن البرلمان الأردني يراجع الاتفاقيات مع الاحتلال، يأتي ضمن سلسلة من التصعيد الأردني مع الاحتلال الإسرائيلي منذ بداية حرب طوفان الأقصى 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وتحدث الأردن عن "جرائم" و"تجاوز للخطوط الحمراء" و"حرب همجية" ضد قطاع غزة، وأن تهجير الفلسطينيين إلى المملكة يُعد بمثابة "إعلان حرب".
وقرر كذلك في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 2023، استدعاء سفيره لدى تل أبيب "فوراً"، رافضاً إعادة السفير الإسرائيلي إلى المملكة أيضاً، بعد مساعٍ أمريكية -بطلب إسرائيلي- مرتبطة بطرح مشروع تهجير الفلسطينيين إلى سيناء المصرية وإلى المملكة الأردنية.
محاولات سابقة
الصحفي الخبير في الشأن النيابي وليد حسني غير متفائل بالخطوة المعلنة، ولا يعتقد بأن ترى قرارات اللجنة القانونية النور، وذلك بناءً على أن التوجهات السابقة والمراجعات والمذكرات النيابية التي طالبت بإلغاء الاتفاقيات مع الاحتلال "ذهبت أدراج الرياح"، مؤكدا أن القول بأن البرلمان الأردني يراجع الاتفاقيات مع الاحتلال فليس جديداً ولا يدعو كثيراً للتفاؤل، على حد قوله.
وقال لـ"عربي بوست": "هذه ليست المرة الأولى التي يطرح فيها مثل هذا التوجه، ولكن الجديد أنه يمكن تفسير الأمر باعتباره جزءاً من منظومة الضغط الأردني الخارجي، كنوع من الاحتجاج على الممارسات الإسرائيلية في غزة والضفة".
بحسب حسني، فإن "هناك العشرات من المطالبات السابقة بمراجعة اتفاقية وادي عربة ووقفها من مجالس نيابية سابقة، كما كانت هناك مذكرات وقع عليها غالبية أعضاء المجالس بهذا الشأن لكنها تذهب إلى الأدراج، واليوم لن يكون هذا التوجه مختلفاً عن التوجهات السابقة بمراجعة الاتفاقيات، سواء وادي عربة أو الغاز".
وقال إنه رغم أن البرلمان الأردني يراجع الاتفاقيات إلا أنه "كان يجب عليه دعوة المجلس البرلماني الدولي، إلى إدانة هذه المجازر باعتبارها جرائم حرب، لكنه اكتفى بدور مُصدّر البيانات والتصريحات، لذلك لا أعتقد أن قرار اللجنة القانونية سيأخذ مجراه بشكل عملي"، بحسب تقديره.
وليست هذه المرة الأولى التي يلوح الأردن فيها بمراجعة الاتفاقيات مع الاحتلال الإسرائيلي، فقد كلف رئيس مجلس النواب عاطف الطراونة في 2017 اللجنة القانونية بمراجعة الاتفاقيات مع إسرائيل عندما أعلنت الإدارة الأمريكية الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ورداً على صفقة القرن، لكن قرارات اللجنة لم تخرج إلى النور أبداً.
ويحفل تاريخ المجالس النيابية الأردنية بعشرات المذكرات التي تطالب بطرد السفير الإسرائيلي وإلغاء اتفاقية السلام التي وقعت عام 1994، إلى جانب مشاريع قوانين تقدم نواب كتلة الإصلاح الإسلامية لإلغاء معاهدة وادي عربة لكن دون جدوى.
ماذا عن اتفاقية الماء مقابل الغاز؟
أمين سر حملة غاز العدو احتلال محمد العبسي، تساءل في حديثه لـ"عربي بوست" عن الخطوات التي من المنطقي أن تسبق إلغاء أي اتفاقيات مع الاحتلال، موضحاً: "المطلوب وفوراً، الإعلان عن الانسحاب من اتفاقية الماء مقابل الكهرباء المزمع توقيعها مع الاحتلال في الفترة من 30 نوفمبر/تشرين الثاني إلى 12 ديسمبر/كانون الأول خلال قمة المناخ في دبي، وهذا إن كان المجلس جاداً في خطوته".
وأضاف: "الأردن لم يستفد من هذه الاتفاقيات، ولا مصلحة له باستمرار اتفاقية الغاز، وهنالك العديد من المخارج القانونية لإلغاء هذه الاتفاقية دون شرط مالي".
وتساءل: "كيف يمكن للأردن استيراد الماء من الكيان في الوقت الذي يقوم به نتنياهو بتعطيش أهل غزة؟".
وتابع: "جرّبنا مجلس النواب كثيراً، وهناك عشرات المذكرات التي قدمت لطرد السفير الإسرائيلي ولم يتم طرده، كما لم تلغ المعاهدات رغم مشاريع القوانين التي قُدمت لهذه الغاية، وكان مجلس النواب قد أوصى بالإجماع بإلغاء اتفاقية الغاز أيضاً، لكن لم تُلغَ!".
بناءً على ما سبق، قال العبسي: "بالتالي على المجلس أن يعي أن دوره الدستوري من خلال سن قوانين لإلغاء جميع الاتفاقيات، وليس تقديم توصيات، وإذا لم تستجب الحكومة، فله الصلاحية بإسقاطها".
ويجمع الأردن بالاحتلال الإسرائيلي نحو 15 اتفاقية تجارية وسياحية بعد توقيع معاهدة السلام (وادي عربة) في 1994، أبرزها اتفاقية استيراد الغاز الموقعة عام 2016، التي تنص على تزويد إسرائيل للأردن بنحو 45 مليار متر مكعب من الغاز، على مدار 15 عاماً، اعتبار من يناير/كانون الثاني 2020، مقابل 10 مليار دولار تدفعها المملكة.
جرى توقيع الاتفاقية بين شركة الكهرباء الوطنية الأردنية (حكومية) وشركة "نوبل إنيرجي" المشغلة لحقل ليفاثيان للغاز الطبيعي الذي يصفه الشعب الأردني بأنه مسروق من الاحتلال الذي يستخرجه من السواحل المحتلة.
في ديسمبر/كانون الأول 2019، وقع 58 نائباً من أصل 130 مذكرة تم التصويت عليها في مجلس النواب بالإجماع في يناير/كانون الثاني 2020، تلزم الحكومة بتقديم مشروع قانون يمنع استيراد الغاز من إسرائيل، غير أن الحكومة لم تقدم هذا المشروع حتى اللحظة.