منذ أكثر من 100 يوم يشن جيش الاحتلال الإسرائيلي حرباً جوية وبرية وبحرية على قطاع غزة، دمَّر خلالها أحياءً سكنية بالكامل، متسبباً في مقتل أكثر من 24 ألف شهيد فلسطيني، معظمهم من النساء والأطفال، إضافة لعشرات الآلاف من المصابين.
في خضم هذا الهجوم العنيف على القطاع، يقع مجمع الشفاء الطبي على خط النار منذ الأيام الأولى، إذ يتعرض الصرح الصحي، وباحاته التي تؤوي الآلاف من الجرحى والنازحين الباحثين عن الأمان، لقصفٍ عنيف إثر ادعاءات الاحتلال "وجود مقر للمقاومة الفلسطينية" فيه، وهو ما نفاه المكتب الإعلامي الحكومي في غزة أكثر من مرة.
هذه الاستهدافات المتكررة تسببت في كارثة صحية لسكان القطاع، باعتبار مجمع الشفاء أحد أهم المؤسسات الطبية المتخصصة التي تقدم الخدمات الصحية المختلفة لسكان المنطقة. فما هو تاريخ مجمع الشفاء الطبي وأهميته؟
تاريخ طويل لأكبر مؤسسة طبية بالقطاع
مجمع الشفاء هو مؤسسة حكومية تابعة لوزارة الصحة الفلسطينية، ويُعدّ أكبر مؤسسة لتقديم الخدمات الطبية المتخصصة في قطاع غزة بالكامل.
تم تأسيسه أول الأمر في موقع كان في الأصل ثكنةً عسكرية للجيش البريطاني أثناء فترة الانتداب، وكان مكوناً من نقاط محدودة لعلاج المصابين واستقبال الجرحى، قبل أن يتم تحويل الموقع إلى منشأة للرعاية الصحية في العام 1946.
بعد ذلك تم توسيع المستشفى تدريجياً خلال الإدارة المصرية لقطاع غزة، والتي بدأت في عام 1948 حتى 1956، ثم مرة أخرى من 1957 حتى حرب النكسة في 1967، قبل أن يعود القطاع مرة أخرى تحت إدارة الاحتلال الإسرائيلي خلال فترة الثمانينيات.
ومع توقيع منظمة التحرير الفلسطينية اتفاقية أوسلو مع إسرائيل عام 1993، أصبح المستشفى تابعاً لإدارة السلطة الفلسطينية، وتلقى حينها دعماً يابانياً وأوروبياً للتطوير وإنشاء مبانٍ جديدة، وتوسيع الغرف، ليشهد المستشفى بعدها عدة عمليات تطوير حوّلته إلى أكبر مجمع طبي بالمنطقة، يضم عدة مستشفيات متخصصة.
بحلول القرن الحادي والعشرين أصبح المستشفى قلباً للحروب والعمليات العسكرية التي يشنها الاحتلال على غزة، خاصةً مع بث معظم التغطيات الصحفية والإعلامية من ساحات الصرح الطبي الضخم، الذي يستقبل أكبر قدر من الضحايا والمصابين نظراً لمساحته الضخمة وإمكانياته الكبيرة. إذ يبلغ عدد العاملين في مجمع الشفاء الطبي ما يقارب ربع عدد العاملين في جميع مستشفيات القطاع، بحوالي 1500 موظف.
ويطل المجمع الطبي اليوم على شارعَي عز الدين القسام والوحدة، ويقع في محيطه مسجد الشفاء، وتبلغ مساحة المجمع 45 ألف متر مربع، ما يجعله دوماً قِبلة المصابين والنازحين الفلسطينيين بعد أي هجوم على القطاع، بحثاً عن الرعاية وطلباً للأمان.
مجمع الشفاء: صرح طبي وملاذ اللاجئين
لطالما وقع مستشفى الشفاء على الخطوط الأمامية للحرب التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، بزعم أن حركة المقاومة الفلسطينية حماس تدير أحد مراكز القيادة التابعة لها تحته، وهو اتهام رفضه مسؤولون أكثر من مرة.
وفي خضم الهجوم الجاري على غزة، أغلقت قرابة نصف مستشفيات القطاع أبوابها، وفقاً للأمم المتحدة، لكن مستشفى الشفاء ظل مفتوحاً أطول فترة ممكنة، وذلك رغم النقص الحاد في الوقود والمستلزمات الطبية، حسبما قالت وزارة الصحة في غزة.
وقال الأطباء في المستشفى قبل أيام، إن الطاقم الطبي يعالج ما يزيد عن 2500 جريح في منشأة تتسع لحوالي 700 سرير. إلى أن انهار المستشفى بالكامل بعد نفاد طاقة مولدات الكهرباء بسبب نقص الوقود.
كما لجأ ما بين 50 ألفاً و60 ألف شخص إلى المستشفى وحوله مع اشتداد وتيرة الاعتداء الإسرائيلي على القطاع، قبل أن تبدأ قوات الاحتلال باستهداف ساحات المؤسسة ومبانيها بهجوم عنيف، أدى لنزوح العائلات إلى مناطق أخرى.
استهداف متعمد من قوات الاحتلال
ويقع مستشفى الشفاء في الجزء الغربي من مدينة غزة، وتحديداً في النصف الشمالي من القطاع، وهو مركز العمليات العسكرية الإسرائيلية، حيث قامت القوات الإسرائيلية بعزل شمال غزة عن الجنوب، وقد أدى هذا الطوق العسكري إلى استنزاف المستشفى نهائياً، خاصةً مع قطع الطريق أمام المساعدات الإنسانية، وحرمان القطاع بأكمله من الوقود والكهرباء والماء والغذاء.
ويشهد قطاع غزة موجة قصف إسرائيلي غير مسبوقة، طالت مناطق متفرقة، واستهدفت بشكل خاص المستشفيات المكتظة بالنازحين، وسط تحذيرات من وزارة الصحة في القطاع، بضرورة "لجم الاحتلال".