انتقد مسؤولون غربيون حاليون وسابقون، في موقفٍ نادر، المجازرَ التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين بقطاع غزة، بل وطالب بعضهم بفرض عقوبات على تل أبيب، ما يعكس بداية تآكل الدعم الغربي المطلق لإسرائيل، أمام فظاعة مشاهد آلاف الأطفال الذين يقتلهم الاحتلال بلا رادع في غزة.
أكثر المواقف الغربية جرأةً في انتقاد تل أبيب جاء من عاصمة الاتحاد الأوروبي بروكسل، حيث طالب رئيس الحكومة البلجيكية ألكسندر دي كرو، وقبله نائبته بيترا دي سوتر، بفرض عقوبات على إسرائيل.
بذلك تُعتبر بلجيكا أول دولة في الاتحاد الأوروبي تبدي رغبتها في فرض عقوبات على إسرائيل، لكنها ليست الوحيدة.
وما كان يقال همساً وفي غرف مغلقة أصبح مطلباً معروضاً للنقاش على طاولة الاتحاد الأوروبي، في اجتماع لوزراء خارجية أعضائه المرتقب في 13 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، لبحث "الحرب بين إسرائيل وحماس".
رئيس الوزراء البلجيكي حثَّ الدول العضوة في الاتحاد الأوروبي على فرض عقوبات مشتركة لمنع الإسرائيليين "المتطرفين" الذين يدعون إلى العنف ضد الفلسطينيين من زيارة أوروبا.
دي كرو قال في كلمة أمام البرلمان إنه "يجب على بلادنا ضمان منع أولئك الذين يرتكبون جرائم خطيرة، على سبيل المثال أولئك الذين يرتكبون أعمال عنف في الضفة الغربية، من دخول بلادنا ودول الاتحاد الأوروبي".
كما لوّح المسؤول البلجيكي بفرض عقوبات على وزير التراث الإسرائيلي عميحاي إلياهو، الذي دعا لإلقاء قنبلة نووية على قطاع غزة، قائلاً "وزير يدعو إلى استخدام الأسلحة النووية ضد شعب لا يستطيع فعل أي شيء، ويعيش اليوم في ظروف مروعة".
بدورها حثّت نائبة رئيس الوزراء البلجيكي، في تصريح صحفي، على فرض عقوبات أشد تتجاوز ما اقترحه دي كرو أمام البرلمان، ودعت دي ستور الاتحاد الأوروبي إلى "تعليق اتفاق الشراكة مع إسرائيل فوراً"، وفرض حظر على استيراد المنتجات من الأراضي الفلسطينية المحتلة، بالإضافة إلى منع المستوطنين الذين ينتهجون العنف، والسياسيين والجنود المسؤولين عن جرائم الحرب من دخول الاتحاد الأوروبي.
أكدت المسؤولة البلجيكية أيضاً على ضرورة التحقيق في قصف إسرائيل للمستشفيات ومخيمات اللاجئين في غزة، وقالت إن ذلك "يشكل جريمة حرب، وهو أمر غير مقبول إطلاقاً".
وزيران إسبانيان يتحديان إسرائيل
في إسبانيا أيضاً، دعت وزيرة الحقوق الاجتماعية الإسبانية بالإنابة إيوني بيلارا، الدول الأوروبية إلى فرض أربع عقوبات على إسرائيل.
تتمثل هذه العقوبات في "قطع العلاقات الدبلوماسية مع تل أبيب"، و"فرض العقوبات الاقتصادية بشكل حاسم"، و"حظر الأسلحة"، و"تقديم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وجميع القادة السياسيين الآخرين الذين قصفوا المدنيين إلى المحكمة الجنائية الدولية".
الوزيرة الإسبانية، التي تنتمي لحزب بوديموس (أقصى اليسار)، لم تكن الوحيد في حكومة تصريف الأعمال التي يقودها بيدرو سانشيز (يسار)، في انتقادها لمحاولة الإبادة الجماعية لسكان غزة، بل انضم إليها وزير حماية المستهلكين، ألبرتو غارزون، من حزب اليسار المتّحد، الذي وصف القصف الإسرائيلي على غزة بأنه "همجية محضة".
غارزون قال إن "الهجوم العنيف والعشوائي ضد السكان المدنيين هو عقاب جماعي ينتهك بوضوح القانون الدولي. وما تفعله حكومة إسرائيل هو همجية محضة"، كما اعتبر أنه من "الخطير أن هذا يصدر عن دولة تسمي نفسها ديمقراطية، وتحتل أراضي فلسطين دون عقاب منذ عقود".
رئيس الوزراء سانشيز، ورغم دعمه الصريح لتل أبيب، فإنه دافع عن حق أعضاء بحكومته في التعبير بحرية عن آرائهم، بعدما دعته السفارة الإسرائيلية لدى مدريد، في بيان رسمي، للتنديد وإدانة "بشكل لا لبس فيه هذه التصريحات المخزية"، ملوحة بورقة "معاداة السامية".
ورفضت الحكومة الإسبانية "بشكل قاطع مجافاة الحقيقة في بيان السفارة الإسرائيلية فيما يتعلق ببعض من أعضائها، ولا تقبل تلميحات إليهم لا أساس لها"، كما أوضحت الحكومة أنه "في ديمقراطية كاملة على غرار إسبانيا… يمكن لأي مسؤول سياسي أن يعبر بحرية عن مواقفه بصفته ممثلاً لحزب سياسي".
لكن هذا النقاش يشكل ضغطاً إضافياً على سانشيز، لدعم مواقف أكثر صرامة تجاه إسرائيل ضمن مؤسسات الاتحاد الأوروبي، خاصةً أنه رفض علانية تهجير سكان غزة إلى سيناء المصرية، وصوتت حكومته لصالح وقف إطلاق النار في الجمعية العامة للأمم المتحدة، ناهيك عن دعمه لإقامة دولة فلسطين.
انتقادات نادرة
وبعد أن كان أغلب الزعماء الأوروبيين لا يتجرؤون على انتقاد إسرائيل في العلن، أصبح أكثر من مسؤول يعبر عن موقفه من قتل الأطفال في غزة، وبينهم رئيس الوزراء النرويجي يوناس غار ستور.
ففي مقابلة إذاعية، اعتبر ستور أن إسرائيل تجاوزت قواعد القانون الدولي الإنساني في حربها، عبر ردها "غير المتكافئ" على هجوم حماس.
لكن رغم ذلك لم يطالب بفرض أي عقوبات على تل أبيب، وركز اهتمامه على كيفية إيصال المساعدات الطارئة إلى قطاع غزة المحاصر، قائلاً إن "عدم وصول المساعدات "ينتهك بشكل واضح قواعد الحرب أو القانون الإنساني".
من مفارقات المواقف الغربية أيضاً أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الداعم القوي لإسرائيل في الاتحاد الأوروبي، بدأ يتراجع عن مواقفه المتشددة ويوجه انتقادات لاذعة لتل أبيب، عندما طالبها بالتوقف عن قتل النساء والأطفال في غزة، وحث قادة الولايات المتحدة وبريطانيا إلى الانضمام لدعوات وقف إطلاق النار في غزة، دون أن يجرؤ على طلب معاقبتها.
كذلك اعتبر رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق دومينيك دوفيلبان، المعروف بدعمه هو الآخر لتل أبيب، أن رد الفعل الإسرائيلي "غير متناسب" مع هجوم حماس. وقال إن "الدفاع عن النفس ليس حقاً عشوائياً للقتل".
دوفيلبان، الذي شغل أيضاً منصب وزير الخارجية، شدد على أن "سياسة القصف المكثف للسكان المدنيين تتعارض مع القانون الدولي، ولن تؤدي إلا إلى تأجيج الصراع وانعدام الأمن".
تصاعُد الانتقادات الغربية لإسرائيل من أقرب حلفائها يهدد بفقدانها الدعم المطلق واللامحدود لحربها ضد الفلسطينيين، بمن فيهم سكان الضفة الغربية، وهذا ما حذر منه الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما.
إذ يرى أوباما أن "إجراءات من قبيل قطع إمدادات الغذاء والماء عن قطاع غزة، قد تقود إلى تصلب المواقف الفلسطينية على مدى أجيال، وتضعف الدعم الدولي لإسرائيل".
لكن إسرائيل فعلياً بدأت تفقد الدعم الدولي لسياساتها، ويتجلى ذلك من خلال تصويت 120 دولة لصالح وقف إطلاق النار مقابل رفض 14 دولة، بينها الولايات المتحدة.
كذلك فإن استدعاء كل من كولومبيا وتشيلي سفيريهما من تل أبيب، وقطع بوليفيا علاقاتها معها، يعكس المأزق الدولي الذي وقعت فيه، مع استمرارها في قصف المدنيين وقتل الأطفال.