قالت مصادر مطلعة لـ"عربي بوست" إن الجزائر بدأت في إجراء خطوات ملموسة من أجلعودة السفير الجزائري إلى إسبانيا بعد أكثر من سنة ونصف من سحبه على خلفية تغيير رئيس الحكومة بيدرو سانشيز موقف البلاد من نزاع الصحراء، وتبنيه الطرح المغربي الخاص بالحكم الذاتي للصحراويين داخل نطاق المملكة.
ووفق المصدر ذاته، فإن الجزائر تعتزم تعيين المستشار السابق بالسفارة الجزائرية في مدريد عبد الفتاح دغموم سفيراً لها خلفاً للسفير سعيد موسى الذي عُيّن بعدما تم سحبه سفيراً للجزائر في باريس.
وأضافت المصادر عينها أن الجزائر رتبت كل شيء لعودة سفيرها وتنتظر الوقت المناسب لإعلان العودة الرسمية.
وكان وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف قد صرح مؤخراً أن العلاقات بين البلدين ما زالت تراوح مكانها، لا سيما وأن مدريد تعيش حالة من الجمود على مستوى الحكومة بسبب فشل اليمين واليسار في تشكيل الحكومة حتى الآن.
مقدمات إيجابية
رفعت الجزائر السقف عالياً بعد تغيير الحكومة الإسبانية بقيادة بيدرو سانشيز موقفها التاريخي من النزاع الصحراوي باعتبارها مستعمرتها السابقة، حيث قطعت معها العلاقات التجارية كاملة تقريباً ما عدا العقود الخاصة بالطاقة.
وتكبدت الشركات الإسبانية خسائر كبيرة قُدرت بمليارات الدولارات، ما اضطر مدريد لتقديم شكوى إلى الاتحاد الأوروبي باعتبار أن العلاقات التي تربط البلدين تنضوي تحت قبعة الاتحاد الأوروبي.
ولم يستطع الاتحاد الأوروبي إقناع الجزائر بالتراجع عن قراراتها، كما فضل عدم الضغط أكثر عليها في ظل الحرب الروسية الأوكرانية، وحاجته إلى مورد للطاقة بدل الطاقة الروسية.
وحسب مصادر "عربي بوست" فإن الجزائر بدأت تبدي ليونة في المجال التجاري مع إسبانيا، لا سيما بعد الانتخابات البرلمانية الإسبانية التي لم تعط أغلبية لخصمها كما تسميه بيدرو سانشيز.
ففي الأسابيع الأخيرة ظهرت بعض أعراض الانفتاح، ولعل أهمها كان الزيادة في صادرات الغاز الجزائري باتجاه إسبانيا والتي شكلت، في سبتمبر/أيلول الماضي 42.4% من واردات إسبانيا.
وانخفض الغاز القادم من الولايات المتحدة في نفس الشهر إلى 20٪، وقبل عام واحد اشترت إسبانيا الغاز المسال من الولايات المتحدة بكميات تفوق كثيراً ما تم ضخه عبر خط أنبوب الغاز الجزائري "ميدغاز".
من جهة أخرى، وافقت وزارة الطاقة الجزائرية على قيام شركة النفط الإسبانية "ريبسول" إلى جانب الشركة الألمانية "فينترسهال ديا" بشراء مشاركة الشركة الإيطالية "إديسون آر إس بي سبا" في حقل رقان نورد للغاز الواقع جنوبي البلاد.
وفي مجال النقل، لم تسمح الجزائر في عام 2022 لشركة الطيران العمومية الخطوط الجوية الجزائرية بزيادة رحلاتها مع إسبانيا، كما لم تتمكن شركة "فيولينغ" من زيادة تردداتها مع الجزائر.
وكان الطلب أعلى بكثير من العرض، بينما سمحت الجزائر مؤخراً لشركة طيران فيولينغ بربط برشلونة مع وهران، مع الحفاظ على تردداتها مع الجزائر العاصمة.
كما ستقوم الخطوط الجوية الجزائرية قريباً بربط الجزائر العاصمة بعدة مطارات إسبانية جديدة، وهو مؤشر على العودة الاقتصادية التدريجية بين البلدين.
الجزائر تنتظر مصير سانشيز
ربما سيكون فشل بيدرو سانشيز في تشكيل حكومة جديدة بعد تكليفه من الملك إثر فشل خصمه رئيس الحزب الشعبي المحافظ المعارض ألبرتو نونيز فيخو، الوقت المناسب الذي تنتظره الجزائر لإعادة سفيرها رسمياً إلى منصبه بعد أكثر عام ونصف من مغادرته العاصمة مدريد.
وكان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون قد قال في أحد حواراته، إن الجزائر لا مشكل لها مع إسبانيا، وعلاقاتها جيدة مع العائلة المالكة والشعب الإسباني، مؤكداً أن المشكل مع رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز، الذي يرى أن قرار تغيير موقفه من ملف الصحراء موقف شخصي لا يعبر عن أعضاء الحكومة والأحزاب السياسية والمجتمع المدني.
وتتضاءل حظوظ سانشيز الخاسر في الانتخابات التشريعية الأخيرة، والمكلف من قبل الملك فيليب السادس، بيدرو سانشيز، بتشكيل الحكومة الإسبانية المقبلة بسبب الخلافات بين الأحزاب اليسارية، ما يعني تعزيز فرض الذهاب إلى انتخابات تشريعية معادة في النصف الأول من شهر يناير المقبل.
ماذا عن عودة التجارة؟
قالت مصادر مطلعة لـ"عربي بوست" إن عودة السفير الجزائري المحتملة إلى مدريد لا تعني عودة المياه إلى مجاريها في المجال الاقتصادي، رغم تقديم بعض الاستثناءات لا سيما في مجال الطاقة.
يُذكر أن الشركات المتضررة من الإجراءات الجزائرية نظمت صفوفها من خلال تأسيس جمعية الشركات المتضررة من الأزمة الجزائرية، وحاولت مراراً الضغط على رئيس الحكومة بيدرو سانشيز من أجل استعادة العلاقات مع الجزائر.
وكان بيدرو سانشيز قد حاول مراراً التقرب من الجزائر وإرسال رسائل إيجابية من أجل طي الخلافات لدرجة إعلانه في ندوة صحفية استعداده لزيارة الجزائر العاصمة من أجل حل المشاكل الثنائية، لكنه لم يلق تجاوباً من السلطات الجزائرية.