يقوم الاحتلال الإسرائيلي بخنق مدن الضفة الغربية المحتلة، وفق ما أكّده الأهالي هناك لـ"عربي بوست"، متحدثين عن حصار أمني واقتصادي خانق في مدن عدة، مركّزاً على جنين ونابلس، اللتين تشهدان باستمرار عمليات واشتباكات مع قوات الاحتلال نصرة لقطاع غزة الذي يتعرض لحرب إسرائيلية استشهد على إثرها أكثر من 8500 شخص، بينهم أكثر من 3400 طفل.
تشهد الضفة، منذ بداية عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، اعتقالات واسعة ومداهمات وانتهاكات صارخة ضد الفلسطينيين تنفذها قوات الاحتلال الإسرائيلي التي تخشى انضمام مدن الضفة الغربية إلى جانب غزة في الحرب الجارية.
تصعيد عمليات القتل
استشهد حتى الآن في الضفة، منذ بداية حرب طوفان الأقصى، 137 شهيداً في عمليات متنوعة أبرزها الاشتباك المسلح مع قوات الاحتلال.
بحسب مركز "معطى" الفلسطيني، فقد استشهد 25 فلسطينياً في طولكرم، و23 في جنين، و20 في نابلس. أما في رام الله استشهد 17 فلسطينياً، و16 في الخليل، و15 في القدس، و6 في أريحا، و6 في طوباس، و5 في قلقيلية، و4 في بيت لحم.
وشددت قوات الاحتلال من إجراءاتها العسكرية على مداخل المدن الفلسطينية، ما أدى إلى إعاقة حركة المواطنين الفلسطينيين وتنقلهم.
يأتي ذلك في الوقت الذي تدعو فيه فصائل المقاومة، الفلسطينيين في الضفة، إلى نصرة غزة.
شهدت مدن الضفة الغربية تصعيداً في عمليات إطلاق النار من جيش الاحتلال الذي يستخدم الرصاص الحي بشكل متعمد بهدف القتل وبشكل مكثّف.
إلى جانب عدد الشهداء البالغ 137 في الضفة، فقد فاق عدد الجرحى برصاص الاحتلال 2000، بعضهم مصاب بجروح خطيرة، بحسب وزارة الصحة الفلسطينية.
تركّز التصعيد الإسرائيلي في مناطق طولكرم وجنين، من خلال تصعيد عمليات القصف من طيران الاحتلال، ما أدى إلى استشهاد عدد من المقاومين في المدينتين.
هجمات المستوطنين والترحيل من الضفة
كما صعّدت العصابات الاستيطانية من جرائمها بحق الفلسطينيين، حيث بات المستوطنون مدعومين بجيش الاحتلال يطلقون النار الحي على المواطنين الفلسطينيين، ما أدى إلى استشهاد 9 فلسطينيين برصاص المستوطنين.
من جانبه، حذّر رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان مؤيد شعبان، في حديثه لـ"عربي بوست"، من خطورة المرحلة المقبلة التي أُطلق العنان فيها للعصابات الاستيطانية لتنفيذ جرائم بحق الفلسطينيين.
وقال شعبان إن "المرحلة الحالية تشهد تصعيداً خطيراً، خاصة ونحن في موسم قطف الزيتون، حيث بدأت العصابات الاستيطانية بمهاجمة المزارعين الفلسطينيين".
وأوضح شعبان أن المستوطنين يستغلون ما يجري في قطاع غزة من أجل ترحيل المواطنين من أراضيهم، كما جرى في مناطق جنوب الخليل وشرق رام الله".
بحسب مصادر محلية، اضطرت نحو 80 عائلة للرحيل من مناطق في شرق رام الله وجنوب الخليل التي تعرضت لهجمات من المستوطنين.
وأشار شعبان إلى أن المستوطنين يمارسون الترحيل بالضفة كما يريد جيش الاحتلال فعله بترحيل الفلسطينيين من قطاع غزة.
إغلاق الطرق الرئيسية بين المدن
بهدف خنق مدن الضفة وعزلها عن بعضها، يقوم جيش الاحتلال الإسرائيلي بإغلاق الطرق الرئيسية التي تصل بين مدن الضفة، ومنع تنقّل العاملين والموظفين إلى أعمالهم منذ بداية الحرب الجارية.
بحسب ما رصده "عربي بوست"، فإن المواطنين الفلسطينيين يضطرون لسلك طرق التفافية وترابية في ظل إغلاق جيش الاحتلال لطرق رئيسة تصل مدن الضفة الغربية.
منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول تغلق سلطات الاحتلال الشارع الرئيسي في بلدة حوارة جنوبي نابلس، وهو الطريق الرئيسي الرابط بين مدن الشمال والوسط.
كذلك يواصل الاحتلال إغلاق معبر قلنديا شمالي مدينة القدس المحتلة.
استهداف العمال في الضفة الغربية
ونشر جيش الاحتلال مقاطع مصورة لعمال فلسطينيين يعملون داخل الأراضي المحتلة عام 1948، في أوضاع مهينة بتجريدهم من ملابسهم والاعتداء عليهم، بطرق تعيد إلى الذاكرة ما حصل في السجنين الأمريكيين أبوغريب وغوانتانامو، وسط ضحكات الجنود الإسرائيليين.
علّق الأمين العام لاتحاد نقابات عمال فلسطين، شاهر سعد، في حديثه لـ"عربي بوست"، بأن "تلك المشاهد تؤكد فاشية الاحتلال، وممارسته العقاب الجماعي بحق الفلسطينيين".
وتابع بأن "هذه الجرائم التي ينفذها الاحتلال بحق العمال تظهر حجم الحقد لديه، وإلا ماذا يعني استهداف عمال بهذا الشكل وتصويرهم بهذه الحالة؟".
وأشار سعد إلى أن "هناك ما يزيد عن 3800 عامل محتجزين في معسكر للاحتلال، وسط ظروف صعبة، ويجري التحقيق معهم".
وأكد أن "هناك وثائق تم تقديمها إلى منظمة العمل الدولية، وسيتم رفعها لمحكمة العدل الدولية من أجل محاسبة مرتكبي الجرائم بحق العمال".
هذا ولم يتم حصر عدد المعتقلين من عمال قطاع غزة الذين اعتقلهم الاحتلال من أعمالهم داخل الأراضي المحتلة 1948 رغم حصولهم على تصاريح العمل.
إلى ذلك تشن قوات الاحتلال حملات اعتقال يومية بحق الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس المحتلتين، إذ وصل عدد المعتقلين فيهما إلى 1830 معتقلاً.
الانتهاكات ضد أسرى الضفة
من جانبها، قالت مسؤولة الإعلام في نادي الأسير، أماني سراحنة، لـ"عربي بوست"، إن إجراءات السجون بحق الأسرى استهدفت كل مقومات الحياة، ومسّت بشكل أساسي حقوقهم في الحصول على المياه أو الكهرباء، إضافة إلى حرمانهم من الطعام والعلاج.
وأضافت أنه تمت مصادرة مقتنيات الأسرى كافة في غرفهم، حتى وصل الأمر لمصادرة أحذيتهم.
وحذرت سراحنة من حرمان الأسرى من العلاج، خاصة الذين يعانون من أمراض مزمنة، إما حرمان بشكل كامل أو بعضهم تأخرت إدارة السجون بتقديم العلاج اللازم لهم.
وقالت إن الأسرى تعرضوا لاعتداءات وضرب عنيف داخل السجون، وترك الاحتلال الأسرى المصابين دون علاج، وهذا ضاعف من معاناتهم.
كما مارست سلطات الاحتلال سياسة التجويع بحق الأسرى، إذ امتنع عن تقديم كامل الوجبات الغذائية لهم، وعلى فترات متباعدة.
وصادرت سلطات الاحتلال الإسرائيلي المواد الغذائية للأسرى، من معلبات وغيرها داخل أقسامهم، إضافة إلى إغلاق" الكنتينا" التي يشتري منها الأسرى حاجاتهم.
ونوّهت سراحنة إلى أن أسيرين استشهدا في بداية موجة الاعتقالات الحالية بعد أيام من اعتقالهما، وهما عمر دراغمة وعرفات حمدان، في سياق الإعدام الميداني والقتل عن سبق إصرار، نظراً لظروف اعتقالهم وتعذيبهم والتنكيل بهم.
ونبّهت إلى محاولات الاحتلال الاعتداء على المعتقلين الفلسطينيين، ونشر مقاطع مصورة عنهم تظهر ما يتعرضون له، فيما هناك جرائم لم تظهر.
ويتعمد الاحتلال إحداث دمار وخراب في البنى التحتية، خاصة في مخيم جنين ومخيم طولكرم، في كل عملية اقتحام جديدة.
وقالت مصادر فلسطينية، إن قوات الاحتلال جرفت طرقات بشكل كامل في المخيمات السالفة الذكر.
وعادة ما ترافق قوات الاحتلال جرافات ضخمة تعرف بـ(D9)، وهي مخصصة لإحداث الدمار وتجريف الطرق.
كما تتعمد السلطات الإسرائيلية تدمير خطوط المياه والصرف الصحي وقطع التيار الكهربائي.
وقالت شركة كهرباء الشمال، إن انقطاع التيار الكهربائي في مخيم جنين، الأربعاء 1 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، نتج عن استهداف جيش الاحتلال لمحولات الكهرباء.
وسبق أن شهد كل من مخيمي جنين ونور شمس، عمليات لجيش الاحتلال استخدم خلالها آليات وجرافات وطائرات مسيرة، وقام بقصف أهداف فيهما.
وقام الاحتلال بتدمير البنية التحتية للمخيمين، وتفجير محال تجارية ونصب تذكارية وتحطيم مركبات.
يشار إلى أن الضفة الغربية تشهد تصاعداً ملحوظاً من الاحتلال الإسرائيلي، بالتوازي مع حرب مدمرة يشنّها على قطاع غزة، أسفرت عن استشهاد 8796 فلسطينياً، معظمهم مدنيون، بينهم 3648 طفلاً و2290 امرأة، وتسببت بوضع إنساني كارثي، وفق تحذيرات أطلقتها مؤسسات دولية.