بعد أن عادت الاتصالات تدريجياً إلى قطاع غزة عقب يومين من الانقطاع عن العالم الخارجي، بدأت يتكشف حجم المعاناة النفسية التي كان يعيشها سكان القطاع للاطمئنان على أقاربهم، فقد استغرق الأمر من سميرة صابر يومين لمعرفة ما إذا كان أي من أقاربها قد قُتل جرّاء قصف منزل عمها في غزة.
يقول موقع Middle East Eye البريطاني في تقرير له الإثنين 30 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بعدما نزحت سميرة بسبب القصف، ولم تتمكن من الوصول إلى شبكات الهاتف بعدما فرض الاحتلال الإسرائيلي تعتيماً كاملاً على الاتصالات، لم تسمع عن الغارة على المنزل إلا بعد مرور شقيقها، الذي يعمل في منظمة إغاثة، بالمكان الذي تلجأ إليه حالياً ليخبرها شخصياً.
قُطِعَت جميع الاتصالات الهاتفية والإنترنت في قطاع غزة لمدة 36 ساعة اعتباراً من نحو الساعة الخامسة من مساء يوم الجمعة، 27 أكتوبر/تشرين الأول، تمهيداً لأعنف ليلة من القصف الجوي والمدفعي والبحري يتعرض لها القطاع الساحلي منذ ثلاثة أسابيع من العدوان.
نتيجة لذلك، لم يُعزَل 2.3 مليون فلسطيني في قطاع غزة عن العالم الخارجي فحسب، بل عن بعضهم البعض. وحذرت منظمة هيومن رايتس ووتش في ذلك الوقت من أنَّ التعتيم المعلوماتي قد يوفر غطاءً لارتكاب فظائع جماعية بحق سكان القطاع.
استمر انقطاع الكهرباء والإنترنت لمدة ليلتين، كانتا من أكثر الليالي المروعة التي عاشها سكان غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، عندما أعقب الهجوم الذي قادته حماس ضد الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، حملة قصف إسرائيلية شرسة.
في الوقت نفسه، أُصِيب المسعفون وفرق البحث والإنقاذ بالشلل، وعَلِقوا في مقار عملهم لأنهم لم يتمكنوا من تحديد المواقع التي تعرضت للهجوم.
تجمع حول سميرة صابر أكثر من 60 شخصاً من النازحين من مدينة غزة، الذين لجأوا أيضاً إلى نفس المنزل معها في دير البلح وسط قطاع غزة، لتهدئتها. ونزح حوالي 1.4 مليون فلسطيني في غزة بسبب الغارات الجوية والتهديدات الإسرائيلية بالموت الوشيك.
قالت سميرة لموقع Middle East Eye: "ما زالوا تحت الأنقاض. هل يمكنك أن تتخيل أنه مر يومان، وما زالوا تحت الأنقاض؟ لا يمكن أن يكونوا على قيد الحياة، آمل أن يكونوا قد ماتوا بالفعل".
كما تساءلت: "كيف لي أن أعرف حين يُنقَذون من تحت الأنقاض؟ كيف يمكنني الانتظار الآن حتى يمر أخي مرة أخرى غداً أو في اليوم التالي لإبلاغي؟".
بصفته سائق حافلة توزيع مساعدات، يعتبر شقيق سميرة شبه "محظوظ" لأنه قادر على الوصول إلى أصدقائه وعائلته خلال جولاته.
وقطعت إسرائيل عن قطاع غزة جميع إمدادات الوقود الخارجية، وكذلك الغذاء والماء؛ مما يجعل من شبه المستحيل على معظم الفلسطينيين التنقل بين مناطق مختلفة من القطاع.
كان عدم القدرة على الاتصال بالأصدقاء والعائلة في مكان آخر بمثابة الجحيم. ومما زاد الطين بلة هو الافتقار إلى المعلومات حول ما كان يحدث: فقد شعر الفلسطينيون بالقلق من أنَّ الهجوم البري الإسرائيلي ربما يكون قد بدأ، وهو التنبؤ الذي ثبُتَت صحته.
تحت ستار الظلام والقصف، لم يتمكن الصحفيون أيضاً من جمع المعلومات وتقديم تقرير عن الوضع إلى العالم الخارجي. ومع ذلك، ظلت أجهزة راديو FM تعمل، وكان الفلسطينيون يتجمعون حولها، حيث كانت تبث بين الحين والآخر معلومات عامة عن المناطق التي استهدفها القصف.
قالت راوية سلامة، وهي نازحة تبلغ من العمر 26 عاماً، لموقع Middle East Eye: "لقد تركت زوجي ليوم واحد فقط لزيارة عائلتي هنا في شمال القطاع، وبعد ساعتين فقدت الاتصال به. لم أرَ والدي طوال الأسبوعين الماضيين؛ لذا اضطررت إلى الحضور".
أضافت: "كانت الليلة طويلة، حيث استمعنا إلى أخبار استهداف المنطقة التي كان يتواجد فيها زوجي وعائلته.. كانت شبكة الهاتف معطلة تماماً".
بعدما توصلت راوية أخيراً إلى زوجها وعادا إلى خان يونس جنوبي قطاع غزة، فصلت القوات الإسرائيلية بين شمال غزة وجنوبها من خلال قصف الطرق الواصلة بينهما.
حتى صباح يوم الإثنين 30 أكتوبر/تشرين الأول، لم يتمكن النازحون في المناطق الجنوبية والوسطى من الوصول إلى منازلهم في مدينة غزة وبقية مناطق الشمال. وفي الوقت نفسه، شوهدت الدبابات الإسرائيلية وهي تتقدم على طول طريق صلاح الدين، الطريق الرئيسي بين الشمال والجنوب.