خرج الاحتلال الإسرائيلي مساء الثلاثاء 17 أكتوبر/تشرين الأول 2023، برواية مضللة ينأى فيها عن نفسه بعملية القصف التي استهدف ساحة المستشفى المعمداني، والتي أسفرت عن مجزرة بشعة، راح ضحيتها ما لا يقل عن 500 شهيد، بحسب ما ذكره المتحدث باسم وزارة الصحة في غزة أشرف القدرة.
قمنا في موقع "عربي بوست" برصد الأدلة البصرية للواقعة، وبعد التحقق تبين لنا أن إسرائيل استهدفت على نحو مقصود ساحة المستشفى المعمداني، ولا بد من الإشارة قبل سرد هذه الأدلة إلى أن هذا الاستهداف للمستشفى يأتي بعد أيام من تحذير صدر عن جيش الاحتلال زعم فيه بأن "المستشفيات يتم استخدامها كملاجئ"، وطلب أن يتم "إخلاء المستشفيات على الفور"، ومن بينها المستشفى المعمداني الذي رفض الاستجابة لهذه التهديدات بسبب عنايته بعدد كبير من ضحايا القصف والمرضى.
في هذا التقرير نرصد لكم الأدلة البصرية على استهداف إسرائيل للمستشفى ولماذا سقط هذا العدد الكبير من الضحايا التي يتوقع أن تزداد حصيلة عددهم في الساعات المقبلة، إضافة إلى تنفيذ ما زعمته حسابات على شبكات التواصل ووسائل إعلام إسرائيلية، بأن استهداف المستشفى جاء جراء صاروخ أُطلق من غزة وسقط فيها، وهي مزاعم غير صحيحة، لأسباب سنوردها لكم.
يُعد المستشفى المعمداني أحد أقدم المستشفيات العاملة بقطاع غزة، وتم تأسيسه عام 1882، وتديره الكنيسة الأسقفية الأنجليكانية في القدس.
يقع المستشفى في البلدة القديمة بغزة، في الشارع المتفرع من ميدان فلسطين (ساحة الشوا) تقاطع شارع عمر المختار مع شارع أم الليمون، يحده من الجنوب دوار عسقولة ومن الشرق مسجد الشمعة، ومن الغرب تحده مقبرة إسلامية تدعى مقبرة الشيخ شعبان.
يظهر هذا المخطط الذي استخرجناه من قاعدة بيانات بلدية غزة، موقع المستشفى الذي يتألف من 13 مبنى، ويتخللها عدة مصفات للسيارات وحدائق، وهو مستشفى يقدم خدماته لعدد كبير من المرضى.
بدأت أول الأخبار العاجلة تتوارد عن قصف المستشفى بعد الساعة 8 مساءً بتوقيت فلسطين، وفي هذه الأثناء كانت وسائل الإعلام تبث مباشرة قصفاً يتعرض له قطاع غزة، وبحسب الأدلة البصرية التي قمنا بفحصها لمكان الاستهداف ومكان ترامي جثث الضحايا، فإن إسرائيل استهدفت وبشكل مقصود الساحة الرئيسية للمستشفى الذي تحيط به عدة مبانٍ طبية.
وبحكم أن قطاع غزة مراقب بالكامل وعلى مدار الساعة بطائرات الاستطلاع، فإنه يتضح لدى إسرائيل وجود أطفال ومرضى داخل حرم المستشفى وفي أروقته وغرفه.
في هذا الفيديو يظهر عدد من السيارات المحترقة، وهي التي كانت مصطفة في ساحة المستشفى، التي كانت مليئة أيضاً بالمرضى، ومن خلال تحديد موقع المستشفى ومقارنتها بالصور والفيديوهات لاستهداف المستشفى، قارنا الأدلة البصرية بالموقع، ويتضح كيف أن الاستهداف وقع في الساحة الرئيسية للمستشفى.
توصلنا إلى دليل بصري آخر، يؤكد مكان القصف الإسرائيلي على المستشفى المعمداني، إذ تظهر في هذه الصور سيارة إسعاف تقف على بعد 61 متراً عن بوابة المستشفى، وتظهر مقارنة الأدلة البصرية وعلى يسارها تشتعل النيران في ساحة المستشفى.
يظهر مقطع فيديو عدداً من الأطفال الذين استشهدوا في القصف على المستشفى المعمداني، ولا يبين الفيديو الكثير من التفاصيل بسبب قلة الإضاءة في المكان، لكن وبحسب الدخان المتصاعد في الفيديو، ووجود شجرة بجانب الضحايا، وبمقاطعة ذلك مع المكان الذي تأكدنا بأنه تعرض للانفجار، فإننا نعتقد بأن الأطفال الضحايا موجودون في المساحة الخضراء الواقعة بعد المبنى الأول على الجهة اليسرى من بوابة المستشفى.
حسابات على شبكات التواصل، وغرف إسرائيلية على تلغرام نشرت مزاعم بأن القصف الذي تعرض له المستشفى كان بسبب صاروخ سقط بالخطأ أطلقته حركة "حماس"، لكن عند فحص الأدلة البصرية فإن شكل الانفجار يشبه الأشكال الأخرى للانفجارات التي تعرضت لها مناطق في غزة جراء قصف من الطيران الإسرائيلي.
أيضاً ذهب مركز مكافحة التضليل التابع لدائرة الاتصال في الرئاسة التركية، إلى القول بأنه "عند فحص صور قصف المستشفى تبين بوضوح أن الذخيرة التي كان لها القدرة على تحويل المنطقة إلى خراب ليست من أنواع الذخيرة التي استخدمتها حماس حتى اليوم".
كذلك فإن المشاهد التي تداولتها حسابات دعائية إسرائيلية مع الزعم بأن "صاروخ حماس أصاب المستشفى" تعود لعام 2022، ونشر المراسل العسكري للقناة 11 الإسرائيلية مقطع فيديو قال فيه إنه يظهر صاروخاً لـ"حركة الجهاد الإسلامي" يسقط على غزة، لكن بالتحقق من الفيديو تبين أن الفيديو الذي نشره قديم ويعود للعام 2022.
كانت إسرائيل قد قصفت يوم الجمعة 13 أكتوبر/تشرين الأول 2023 مستشفى الدرة للأطفال شرق قطاع غزة بقنابل الفسفور الأبيض، حيث تم إخلاؤه على الفور، بحسب ما أكده بيان مقتضب لمتحدث وزارة الصحة في القطاع أشرف القدرة.
من جانبها، أكدت منظمة الصحة العالمية بأن المستشفى المعمداني كان من بين 20 مستشفى في شمال قطاع غزة، تلقى أوامر من الجيش الإسرائيلي بالإخلاء والتوجه جنوباً، وأدانت المنظمة بشدة الهجوم على المستشفى المعمداني.
أثار الهجوم على المستشفى غضباً عربياً عارماً، وخرجت احتجاجات في العديد من الدول العربية المنددة بقصف المستشفى، وقرر الأردن عدم عقد القمة الرباعية التي كانت مقررة الأربعاء في عمّان بين الملك عبد الله، والرئيس الأمريكي، جو بايدن، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والرئيس الفلسطيني محمود عباس.