أقر مسؤولون إسرائيليون بإخفاقهم في توقع الهجوم الذي شنته حركة حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وأبدوا استعدادهم لتحمل المسؤولية، بينما تجنب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الإدلاء بتصريحات من هذا القبيل، رغم تلقيه انتقادات داخل إسرائيل.
مسؤولون إسرائيليون وعدوا بتحقيق شامل وشفاف في الأحداث التي واكبت عملية "طوفان الأقصى" التي توصف بأنها "الأصعب على إسرائيل في تاريخها".
تُشير توقعات وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى أن التحقيقات ستفضي في نهاية الأمر إلى إقالة عدد كبير من المسؤولين الأمنيين والعسكريين والسياسيين وعلى رأسهم نتنياهو، ويقول المسؤولون الإسرائيليون إن التحقيق في الإخفاقات سيبدأ بعد انتهاء الحرب.
كان الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، قد قال الإثنين 16 أكتوبر/تشرين الأول 2023، في كلمة بالكنيست: "هناك التزام واضح وأساسي هنا – لإجراء تحقيقات حاسمة لا تقبل التأويل، وفحوصات بجميع أنواعها، واستخلاص الدروس والنتائج. لا شك في ذلك ولا يختلف اثنان عليه. هذه ضرورة وجودية لأي دولة تسعى إلى الحياة تعرضت لمثل هذه الكارثة المروعةـ ولكن يجب ألا يضر ذلك المجهود الحربي".
ومنذ يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، صدرت تصريحات وبيانات عن مسؤولين أمنيين وسياسيين إسرائيليين أقروا بالمسؤولية عن الإخفاق، وهو ما لم يصدر عن نتنياهو.
نتنياهو قال في كلمة أمام الكنيست الإسرائيلي، أمس الإثنين: "هناك أسئلة كثيرة حول الكارثة التي حلت بنا. ستحقق في كل شيء حتى النهاية. بدأنا في تنفيذ دروس فورية. والآن نحن نركز على هدف واحد – توحيد القوى والتقدم نحو النصر".
لم يذهب نتنياهو في تصريحه إلى حد الإقرار بالمسؤولية، مع أنه المسؤول الأرفع في إسرائيل عن السياسة والأمن والجيش، ورفض يوم الخميس الفائت تقارير إعلامية إسرائيلية عن عدم تحركه بعد بدء الهجوم.
مكتب نتنياهو قال في تصريح مكتوب: "تم تحديث رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في تمام الساعة 06:29 يوم السبت (7 أكتوبر/تشرين الأول 2023)، وليس قبل ذلك، عند اندلاع القتال. وذهب على الفور إلى وزارة الدفاع (تل أبيب) وأجرى تقييماً للوضع وعقد اجتماعاً لمجلس الوزراء الأمني".
لكن هذه الكلمات لا تصل إلى حد الإقرار بالمسؤولية التي أعلنها رئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي "الشاباك" رونين بار يوم 14 أكتوبر/تشرين الأول 2023، والتي وزعها على أعضاء جهازه.
كتب بار في الرسالة: "قبل ثمانية أيام، تعرضنا لهجوم إرهابي قاتل، من قبل عدو قاسٍ لا يرحم، وعلى الرغم من سلسلة الإجراءات التي قمنا بها، فإننا لسوء الحظ، لم نتمكن يوم السبت الماضي من إصدار تحذير كافٍ يسمح بإحباط الهجوم"، وفق تعبيره.
أضاف بار: "باعتباري الشخص الذي يرأس المؤسسة، فإن المسؤولية عن ذلك تقع على عاتقي. سيكون هناك وقت لإجراء التحقيقات، ولكن الآن هو وقت القتال".
كذلك اعترف رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي، يوم السبت الماضي بخطئه، عندما قال إن حركة "حماس" في قطاع غزة "مرتدعة"، مؤكداً أن بلاده "تلقت ضربة قاسية".
قبل ستة أيام فقط من الهجوم المفاجئ الذي شنته "حماس" وفصائل فلسطينية أخرى، قال هنغبي إن "حماس مرتدعة للغاية، وتدرك عواقب المزيد من التحدي".
لكن في مؤتمر صحفي مساء السبت الماضي قال هنغبي، وفق ما نقلت عنه صحيفة "يديعوت أحرنوت" الإسرائيلية: "هذا خطئي، وهو يعكس خطأ كل عوامل التقييم على مدى سنوات طويلة، وبشكل أكبر في الفترة الأخيرة، عندما كنا نعتقد أن حماس تعلمت درس حارس الأسوار (عملية أطلقتها إسرائيل على غزة في مايو/أيار 2021) حيث تلقت وقتها ضربة حاسمة".
من جانبه، أقرّ وزير المالية بالحكومة الإسرائيلية بتسلئيل سموتريتش، يوم الأحد الماضي، بأن حكومة بلاده وقيادتها الأمنية "فشلت بالحفاظ على أمن المواطنين".
صحيفة "يديعوت أحرنوت" نقلت عن سموتريتش، قوله: "أتحمل المسؤولية عمّا كان، وعمّا سيكون، علينا الاعتراف وبصدق أننا فشلنا، قيادة الدولة وقيادة المؤسسة الأمنية فشلت في الحفاظ على أمن المواطنين".
أضاف سموتريتش أن "الهجوم المفاجئ الذي قامت به حماس، كان مروعاً، مثل هذه القسوة التي لا يمكن تصورها".
من جانبهم، يبدي إسرائيليون استياءهم من أن نتنياهو لم يعترف بالمسؤولية عن ما جرى حتى اليوم رغم اعترافات مسؤولين في حكومته بالمسؤولية، وقال الكاتب الإسرائيلي الشهير في صحيفة "معاريف" بن كسبيت في تغريدة على منصة "إكس": "نتنياهو – تحمل المسؤولية!".
أضاف كسبيت أن "الحملة التي يديرها نتنياهو من أجل رفع المسؤولية عنه لا يجب أن يتم تجاهلها في صمت. هناك حد"، وتابع: "رئيس الأركان ورئيس الشاباك والوزراء في الحكومة كلهم يتحملون المسؤولية ولا يهرب إلا نتنياهو. من اليوم سنرفعها كل يوم، كل يوم، حتى يتحمل نتنياهو مسؤولية الفشل المأساوي الذي حدث في ولايته"، واعتبر كسبيت إنه "لا يجوز السماح له بالتهرب من المسؤولية".
من جهته، قال الكاتب في صحيفة "هآرتس" نيحاميا شتراسلر: "ليس غداً. ليس الأسبوع المقبل. على نتنياهو أن يرحل الآن".
كتب شتراسلر في الصحيفة أن "رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو غير لائق. ولا يمكنه البقاء في منصبه ولو ليوم واحد آخر. لقد رأينا هذا ليلة السبت، عندما وقف أمام الميكروفون، شاحباً وشاحباً على الرغم من كمية كبيرة من المكياج، وألقى خطاباً غريباً وفارغاً. وكشف وجهه عن الصدمة التي كان يعاني منها. ومن الواضح أنه غير قادر على قيادة الأمة في الحرب".
أضاف شتراسلر: "كل التحركات في الحرب وكل الاتصالات الدبلوماسية ستستهدف هدفاً واحداً فقط: بقاؤه في السلطة. وهذا لن يتيح تحقيق النصر في الحرب. ولذلك يجب على نتنياهو أن يرحل"، واعتبر أن نتنياهو "يشكل الآن أيضاً تهديداً وجودياً واضحاً لدولة إسرائيل ومواطنيها".
كذلك لفت شتراسلر إلى أن "في أول كلمة للحرب بدأ (نتنياهو) العمل الحيوي لإنقاذ نفسه. سارع هو وأبواقه إلى إلقاء اللوم في المذبحة الرهيبة على الجيش والمخابرات العسكرية وجهاز الأمن العام "الشاباك" وغانتس و"الفوضويين" من الاحتجاج، هؤلاء الطيارين والمقاتلين الذين ينقذون البلاد الآن. أما هو؟ نقي كالثلج. لا يجب إلقاء اللوم عليه في أي شيء".
تُشير توقعات إلى أن التحقيقات في سبب تمكن فصائل المقاومة من النجاح في عملية "طوفان الأقصى"، ستبدأ بعد انتهاء الحرب الحالية.