امتدت الرحلة التي أجراها وزير الخارجية الأمريكية، أنتوني بلينكن، إلى الشرق الأوسط من يومين إلى 6 أيام، وتوقف خلالها في 10 محطات حتى صباح الثلاثاء 17 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ما يؤشر إلى حجم وتعقيد الأزمة الدبلوماسية التي يواجهها الوزير الأمريكي، مع تصاعد الحرب بين إسرائيل وفصائل المقاومة الفلسطينية.
صحيفة New York Times الأمريكية قالت، الثلاثاء 17 أكتوبر/تشرين الأول 2023، إن بلينكن وخلال حديثه إلى المراسلين في العاصمة المصرية القاهرة يوم الأحد الفائت، قال: "أعتقد أنني نسيت" عدد الدول التي هبطت فيها طائرته.
لكنه سرعان ما ذكر العدد الصحيح للدول التي زارها منذ مغادرته واشنطن بعد ظهر يوم الأربعاء، 11 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وهي: مصر والبحرين وقطر والإمارات، بالإضافة إلى زيارتين لكل من إسرائيل والأردن والسعودية.
هذه الرحلة التي أجراها بلينكن والتي وصفتها الصحيفة بأنها "فوضوية"، بدأت بعد أيام قليلة من هجوم حماس، حيث قدّم بلينكن موعد زيارته للمنطقة التي كان مخططاً لها في الأسبوع التالي، وأعلنت وزارة الخارجية أنه سيغادر لزيارة إسرائيل والأردن في الـ11 من أكتوبر/تشرين الأول، قبل العودة في يوم الجمعة الـ13 من أكتوبر/تشرين الأول.
إلا أنه مع تصاعد الحرب بين إسرائيل وفصائل المقاومة، سرعان ما أُلغيت تلك الخطة، بعد أن وسع مسؤولو وزارة الخارجية مسار رحلة بلينكن، ليضم عدة عواصم كبرى أخرى، بالتنسيق مع البيت الأبيض.
لا نجاح ملحوظاً بعد لبلينكن
تُشير الصحيفة الأمريكية إلى أن بلينكن لم ينجح حتى الآن في تحقيق أحد أهدافه، وهو تأمين المرور الحر للمواطنين الأمريكيين من غزة إلى مصر عبر معبر حدودي، إذ ظل المئات عالقين عند المعبر المغلق حتى يوم الإثنين، 16 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
لكن بلينكن لم يدخر جهداً رغم إخفاقه حتى الآن، فبعد وصوله إلى المنطقة، وضع بلينكن ومساعدوه في يوم الخميس 12 أكتوبر/تشرين الأول 2023 جدول رحلتهم لليوم المقبل، واستقروا على زيارة أربع دول هي الأردن وقطر والبحرين والسعودية.
تؤكد الصحيفة الأمريكية أن الفريق اضطر للارتجال في وسائل مواصلاتهم أحياناً، حيث استقلوا طائرة بوينغ سي-17 العسكرية التي حلَّقت فوق سماء قبرص لنقلهم من محطتهم الأولى في تل أبيب إلى عمّان، بعد أن أرسلوا طائرة بوينغ 757 التابعة للقوات الجوية إلى الأردن قبلهم -حتى يرتاح طاقمها أثناء اجتماع الدبلوماسيين الأمريكيين بالمسؤولين الإسرائيليين.
في الأردن، التقى بلينكن بالملك عبد الله داخل قصره، ثم برئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس داخل فيلا، وفي قطر، عقد بلينكن مؤتمراً صحفياً مشتركاً مع رئيس الوزراء داخل بناية حكومية فاخرة.
أما في البحرين، فقد تحدث إلى رئيس الوزراء وولي العهد سلمان بن حمد آل خليفة داخل صالة كبار الزوار في المطار، بينما انتشر أفراد الحرس الملكي بالزي الرسمي حول السجادة الحمراء المفروشة على مدرج الهبوط خارج الصالة.
تأخر لقاء بلينكن والأمير محمد بن سلمان
وكثّف بلينكن اجتماعاته بالسفر في رحلةٍ نهارية سريعة من الرياض إلى الإمارات يوم السبت، 14 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ثم عاد إلى العاصمة السعودية ثانيةً، واستعد في مساء السبت للقاء ولي العهد محمد بن سلمان.
بحسب الصحيفة الأمريكية، فإنه طُلِبَ من المراسلين المسافرين مع بلينكن الاستعداد لخروج موكب الوزير من فندق الإقامة في أي لحظة من أجل التوجه للقاء ولي العهد، لكن الانتظار استمر لساعات منذ منتصف الليل وحتى الثانية صباحاً، ثم الرابعة صباحاً بعدها.
في النهاية، وافق الأمير على لقاء بلينكن بعد الساعة الـ7:30 من صباح الأحد داخل مقر إقامته الخاص في مزرعته، مما يعني منع دخول الصحفيين الذين سهروا طوال الليل تقريباً.
المسؤولون قالوا إنه من المعتاد لولي العهد أن يُبقي أهم زواره في الانتظار، ومع ذلك، كانت تلك الواقعة نادرةً ومحبطة على الأرجح بالنسبة لبلينكن المحروم من النوم، والمعتاد على تكيّف المسؤولين الأجانب مع جدول زيارته.
بعد ظهر يوم الأحد 15 أكتوبر/تشرين الأول 2023، انطلق بلينكن إلى مصر في آخر محطةٍ له قبل العودة إلى أمريكا، لكن هذا لم يحدث، فبعد حديثه إلى الرئيس جو بايدن، أضاف بلينكن إلى جدوله رحلة عودةٍ لإسرائيل.
قضى بلينكن الليلة في الأردن قبل السفر جواً إلى تل أبيب من جديد صباح الإثنين، ثم انتقل بالسيارة إلى القدس للقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مرةً أخرى.
تُشير "نيويورك تايمز" إلى أنه بحلول ذلك الوقت، بدأ مسؤولو الخارجية يتهامسون حول احتمالية زيارة بايدن لإسرائيل في الأسبوع الجاري، ولهذا تم إلغاء خطط العودة إلى واشنطن في يوم الإثنين.
نصت الخطة الجديدة على السفر جواً إلى الأردن مرةً أخرى بعد المفاوضات مع الحكومة في إسرائيل لإدخال المساعدات الإنسانية للفلسطينيين، مع انتظار وصول التعليمات الإضافية في الأردن.
بين اجتماعاته مع قادة إسرائيل في القدس يوم الإثنين، توقف بلينكن في محطة غير مجدولة داخل مقر إقامة السفير الأمريكي من أجل استعارة خط آمن لإجراء اتصال مع واشنطن.
البيت الأبيض كان قد أعلن قبلها بقليل أن بايدن ألغى رحلة إلى كولورادو في اليوم نفسه من أجل حضور اجتماع للأمن القومي، ومن المحتمل أن يكون هو الاجتماع نفسه الذي اتصل بلينكن للمشاركة فيه.
بلينكن يتجه للملجأ
كانت رحلة بلينكن مشحونةً على نحو غير معتاد بالمخاطر، حيث ارتدى حرسه الأمني الدروع الواقية من الرصاص والخوذات أثناء حراسة طائرته كلما هبطت في إسرائيل.
ودقت صافرات الإنذار في القدس بعد مغادرة موكب بلينكن المتجه إلى تل أبيب مباشرةً، ثم دقت صافرات الإنذار داخل قاعدة كرياه العسكرية بتل أبيب بعد لقاء بلينكن بنتنياهو وحكومة الحرب في الساعة الـ7 تقريباً من مساء الإثنين، واضطر الصحفيون المرافقون للوزير وجنود إسرائيل للتدافع إلى درج داخلي من أجل الاحتماء به.
كان بلينكن مجتمعاً بنتنياهو داخل مكتب رئيس الوزراء، الذي يقع في بناية شيمون بيريز بالقاعدة، عندما دقت صافرات الإنذار، واختبأ بلينكن مع المسؤولين الإسرائيليين داخل أحد الملاجئ لمدة خمس دقائق.
اتجهوا بعد ذلك سيراً على الأقدام إلى مركز تحكم من أجل استئناف اجتماعهم حول المساعدات الإنسانية، والذي تخلله دوي صافرات الإنذار مرةً أخرى، قبل أن يُشرق صباح الثلاثاء 17 أكتوبر/تشرين الأول دون أن تلوح نهاية الزيارة في الأفق.