اتبعت حركة المقاومة "حماس" حملة خداع مركزة من أجل مباغتة إسرائيل في الهجوم المفاجئ والمدمر الذي تعرضت له مستوطنات إسرائيلية داخل غلاف غزة، والذي مثّل صدمة لدى تل أبيب والعالم، لا سيما مع الارتفاع الكبير في أعداد القتلى الإسرائيليين التي وصلت إلى 800.
وكالة رويترز وفي تقرير مطوَّل لها، قالت الإثنين 9 أكتوبر/تشرين الأول 2023، إنه من خلال خطة الخداع، تمكنت عناصر الفصائل الفلسطينية من تحقيق التوغل، واستخدمت الجرافات والطائرات الشراعية والدراجات النارية وتمكنت من التغلب على "أقوى جيش في الشرق الأوسط".
نقلت الوكالة عن مصدر مقرب من حركة "حماس"، قال إنه في الوقت الذي كانت فيه إسرائيل تظن أنها تحتوي "حماس" من خلال توفير حوافز اقتصادية للعمال في غزة، كان مقاتلو الجماعة يتدربون ويتمرسون على القتال، وكان معظم هذا التدريب على مرأى من الجميع.
قدم المصدر -الذي لم تذكر رويترز اسمه- كثيراً من التفاصيل بشأن الهجوم وأحداثه المتفرقة، وشارك في رواية ما حدث أيضاً ثلاثة مصادر من داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، وتحدثوا شريطة عدم الكشف عن هوياتهم.
الإيحاء بعدم الرغبة بالقتال
المصدر قال إن "حماس أعطت إسرائيل انطباعاً بأنها غير مستعدة للقتال، لقد استخدمت حماس تكتيكاً استخباراتياً غير مسبوق لتضليل إسرائيل خلال الأشهر الماضية، وأعطتها انطباعاً عاماً بأنها غير مستعدة للدخول في قتال أو مواجهة مع إسرائيل، بينما هي تجهز لهذه العملية الضخمة".
تقرير الوكالة أشار إلى أن هذا الهجوم المباغت الذي أطلقت عليه حركة "حماس" اسم عملية "طوفان الأقصى"، جاء بعد عامين اتخذت فيهما حماس حيلاً كثيرة لإبقاء خططها العسكرية طي الكتمان، وإقناع إسرائيل بأنها غير عازمة على القتال، وأضافت أن الهجوم الذي وقع يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، يُعد أسوأ اختراق لدفاعات إسرائيل منذ أن شنت الجيوش العربية حربها في عام 1973.
المصدر المقرب من "حماس" قال إنه من الأمور المذهلة في تجهيزات الحركة لهذا الهجوم، أنها أنشأت نموذجاً محاكياً لمستوطنة إسرائيلية في غزة، وتدربت فيه على الإنزال العسكري واقتحام المستوطنات، بل وصورت مقاطع فيديو لهذه المناورات.
أضاف المصدر أنه "من المؤكد أن إسرائيل شاهدتها، لكنهم كانوا مقتنعين بأن حماس غير راغبة في خوض مواجهة" مع قوات الاحتلال.
في الوقت نفسه، سعت حماس إلى إقناع إسرائيل بأنها مهتمة أكثر في الوقت الراهن بحصول العمال في غزة على فرص عمل خارج حدود القطاع، وليس لديها مصلحة في بدء حرب جديدة. وقال المصدر: "لقد تمكنت حماس من بناء صورة كاملة مفادها أنها غير مستعدة لمغامرة عسكرية ضد إسرائيل".
في هذا الصدد، نقلت رويترز عن متحدث باسم الجيش الإسرائيلي (لم تذكر اسمه) قوله: "ظننا أن السماح بمجيئهم [الفلسطينيين] للعمل وجلب الأموال إلى غزة، هو السبيل إلى قدر معين من الهدوء؛ لكننا كنا مخطئين".
كذلك اعترف مصدر أمني إسرائيلي بأن حماس خدعت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، وقال: "جعلونا نعتقد أنهم يريدون المال، وطوال الوقت كانوا يتدربون حتى انتفضوا في هذا الهجوم".
حيلة ضبط النفس
تضمنت حملة الخداع أيضاً خلال العامين الماضيين امتناع "حماس" عن العمليات العسكرية ضد إسرائيل، فحتى عندما شنت حركة "الجهاد الإسلامي" سلسلة من العمليات والهجمات الصاروخية، لم تشارك حماس فيها.
أشار المصدر المقرب من "حماس" إلى أن ضبط النفس الذي أبدته "حماس" أثار انتقادات علنية من بعض المؤيدين، وكان الهدف من ذلك أيضاً نشر الانطباع بأن "حماس" لديها مخاوف اقتصادية ولا يخطر لها الدخول في حرب جديدة.
في الضفة الغربية، التي يسيطر عليها الرئيس الفلسطيني محمود عباس وحركته "فتح"، كان قد سخر كثيرون من "حماس" أيضاً بسبب التزامها الصمت، وكانت الحركة قد اتهمت في بيان نُشر في يونيو/حزيران 2022، الحركة قادة "حماس" بالفرار إلى العواصم العربية للعيش في "الفنادق والفيلات الفاخرة" تاركين الناس في غزة للفقر والعوز.
من جانبه، أكد مصدر أمني إسرائيلي ثانٍ في تصريح لرويترز أن إسرائيل ظنت في وقتٍ ما أن قائد حركة "حماس" في غزة يحيى السنوار، منشغل بإدارة القطاع، وغير مهتم بمواجهة الإسرائيليين، لذا انصرفت إسرائيل عن اهتمامها بـ"حماس"، وانشغلت بالدفع من أجل التوصل إلى اتفاق لتطبيع العلاقات مع السعودية.
القيادة العسكرية لـ"حماس" أحاطت عملية "طوفان الأقصى" بسرية تامة كجزء من خطتها للمعركة، إذ لطالما تفاخرت إسرائيل بقدرتها على اختراق تنظيمات المقاومة ومراقبتها، وفي هذا الصدد قال المصدر المقرب من "حماس" إن "تجنّب التسريبات كان من أهم أركان الخطة، حتى إن العديد من قادة حماس لم يكونوا على علم بتفاصيل الخطط، ولم يكن لدى المقاتلين الذين شاركوا في الهجوم وهم يتدربون، أيَّ فكرة عن الغرض المحدد من التدريبات".
الدخول إلى المستوطنات الإسرائيلية
في حديثه عن تفاصيل الهجوم العسكري للمقاومة على المناطق المحتلة، قال المصدر من "حماس" إن عملية الهجوم قُسمت إلى أربعة أجزاء، إذ كانت الخطوة الأولى إطلاق وابل من 3 آلاف صاروخ من غزة، بالتزامن مع توغلات لمقاتلين طاروا بطائرات شراعية عبر الحدود.
بمجرد وصول المقاتلين على الطائرات الشراعية إلى الأرض، شرعوا في تأمين المنطقة حتى تتمكن وحدة "كوماندوز" خاصة من اقتحام الجدار الإلكتروني والإسمنتي المحصن الذي يفصل غزة عن المستوطنات، والذي بنته إسرائيل لمنع التسلل.
استخدم المقاتلون المتفجرات لاختراق الحواجز، ثم تدافعوا منها على الدراجات النارية، واستعانوا بالجرافات لتوسيع الفجوات، ودخل المزيد من المقاتلين بسيارات رباعية الدفع. وقد روى شهود مختلفون هذه المشاهد لرويترز.
يقول المصدر من "حماس" إن "وحدة كوماندوز هاجمت مقر قيادة الجيش الإسرائيلي في جنوب غزة، وشوشت على اتصالاته، ومنعت أفراده من الاتصال بالقادة والتواصل مع بعضهم".
في حين أن القسم الأخير من عملية الهجوم كان نقل الرهائن إلى غزة، وقد تمكنوا من تنفيذ معظم هذا القسم في وقت مبكر من الهجوم.
وسائل الإعلام تداولت مشاهد لبعض الرهائن الذين تم أسرهم من قِبل "حماس"، أثناء فرارهم من حفلة كانوا يحضرونها بالقرب من كيبوتس "رعيم" بالقرب من غزة، وأظهرت لقطات متداولة على شبكات التواصل عشرات الأشخاص يركضون في الحقول وعلى الطريق السريع، ويُسمع في مقاطع الفيديو أصوات أعيرة نارية.
تساءل المصدر الأمني الإسرائيلي مستنكراً: "كيف يقام حفلٌ في مكانٍ بهذا القرب (من غزة)؟"، وأشار إلى أن القوات الإسرائيلية ليست حاضرة بكامل قوتها في الجنوب قرب غزة، بسبب إعادة انتشار بعضها في الضفة الغربية لحماية المستوطنين الإسرائيليين من أعمال العنف المتصاعدة بينهم، وبين النشطاء الفلسطينيين في مختلف مناطق الضفة الغربية المحتلة، مضيفاً: "استغلت (حماس) ذلك".
كانت إسرائيل نفسها قد أقرت بأنها تفاجأت بالهجوم الذي وقع خلال عيد "العرش اليهودي"، وشبه الرائد نير دينار، المتحدث باسم قوات الدفاع الإسرائيلية، هذا الهجوم بأحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 في أمريكا، وقال: "إنه مثل هجوم 11 سبتمبر/أيلول عندنا، لقد تمكنوا منا على حين غرة، باغتُونا، وانهمروا علينا من عدة مواقع، سواء من الجو أو الأرض أو البحر".
في حين، قال الجنرال المتقاعد ياكوف عميدرور، مستشار الأمن القومي السابق لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، للصحفيين يوم الأحد 8 أكتوبر/تشرين الأول، إن الهجوم "إخفاق كبير لنظام المخابرات والجهاز العسكري في الجنوب".
أشار إلى أن بعض حلفاء إسرائيل كانوا يقولون إن "حماس باتت أكثر تحملاً للمسؤولية"، وكان من الغباء أن بدأنا نظن أن هذا صحيح، لذلك أخطأنا، لكننا لن نرتكب هذا الخطأ مرة أخرى، وسندمر حماس ببطء ولكن بعزم لا يلين"، بحسب قوله.
بدوره، قال أسامة حمدان، ممثل حماس في لبنان، في تصريح لوكالة رويترز، إن الهجوم يُظهر أن الفلسطينيين لديهم الإرادة لتحقيق أهدافهم "مهما كانت قوة إسرائيل وقدراتها العسكرية".