صدّقت لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان، بمجلس النواب بالمغرب الأربعاء 4 أكتوبر/تشرين الأول 2023، على مشروع قانون العقوبات البديلة في المغرب، والذي تقدّم به وزير العدل، عبد اللطيف وهبي.
ويسمح القانون المصدّق عليه، لكل شخص محكوم بعقوبة سجنية مدتها 5 سنوات أو أقل أن يستفيد من العقوبات البديلة، وهي دفع مبلغ مالي تُحدده المحكمة مُقابل كل ليلة كان سيقضيها في السجن.
ويرى بعض المراقبين، أن الحكومة المغربية دفعت بشكل ملتوٍ أغلبيتها في البرلمان إلى تبني العقوبات البديلة في المغرب، بعدما واجه وزير العدل معارضة شرسة داخل مجلس الحكومة لتمرير ذلك المقتضى عن طريق مشروع قانون.
واعتبر هؤلاء، أنه من سوء التقدير حقاً أن تسحب الحكومة كل الإجراءات المتعلقة بتجريم الإثراء غير المشروع، وفي المقابل تحاول الضغط على البرلمان ليضع بدلها قواعد تسمح بدفع المال مقابل الإفلات من السجن.
العقوبات البديلة في المغرب قانون للأغنياء فقط
يقول أستاذ القانون الخاص بجامعة ابن زهر بأكادير، عبد الحميد اليعقوبي: "رافق مشروع القانون نقاشاً مجتمعياً كبيراً، خصوصاً على مستوى النقطة الأساسية المرتبطة بأداء الغرامات المالية عن كل يوم سجن".
وأوضح اليعقوبي، في تصريحه لـ"عربي بوست" أن "الرافضين يعتقدون أن هذه العقوبة البديلة ستُسخّر لفئة غنية من المجتمع دون غيرها التي قد لا تستطيع شراء العقوبة، وسيصبح السجن للفقراء، وهذا فيه ضرب للعدالة والمساواة أمام القانون، والمساواة في تطبيق العقاب".
لذلك حسب المتحدث "يُمكن مقاربة إصرار الحكومة والأغلبية على فرض هذه العقوبة البديلة من زاويتين: الأولى مرتبطة باكتظاظ السجون وإثقال كاهل الدولة من خلال مصاريف المؤسسات السجنية، والثانية تجعل من هذه العقوبة مورداً إضافياً تتعزز به خزينة الدولة".
خطر على السياسة الجنائية
وبنت الحكومة، وتحديداً وزارة العدل، تبريراتها لضرورة إحداث مشروع قانون العقوبات البديلة في المغرب بشكل عام، على أهداف ترتبط أساساً بالسماح بإعادة إدماج بعض المحكومين على خلفية ارتكاب جنح بسيطة داخل المجتمع.
وبررت الحكومة، في شخص وزير العدل والأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة الذي حصل على المرتبة الثانية في الانتخابات، أن القانون سيُساهم في تخفيض الساكنة السجنية التي بلغت مستويات قياسية.
لكن أستاذ القانون الدستوري بكلية الحقوق بالمحمدية عمر الشرقاوي، رفض في بث حي على موقع يوتيوب بعنوان: "المال مقابل الحبس"، أن يكون هذا مبرراً للدفاع عن هذا القانون الذي يعد "كارثة تشريعية".
وأضاف المتحدث أن المشرعين والحكومة يجب أن ينتبهوا لمثل هذه القوانين، وأن "المغرب غير محتاج لهذه القوانين المعمول بها في دول أخرى".
وتابع الشرقاوي، أن "هذا القانون ماسٌّ بنجاعة السياسية الجنائية، وسيكون له عواقب سلبية لا يمكن تداركها فيما بعد، ولا يمكن آنذاك أن نُحمّل القاضي مسؤولية تطبيق قاعدة قانونية يمكن استغلالها من طرف البعض للإفلات من العقاب".
"المسؤولية تتحملها الحكومة التي ترتكب مجزرة تشريعية، وإن كان معمولاً بها في دول العالم؛ لأن المنظومة القانونية والبيئة الاجتماعية المغربية غير مؤهلة اليوم لكي تدخل في هذا المسار الذي يحتمل تبعات كبيرة"، حسب ما قال أستاذ القانون الدستوري.
ولفت المصدر نفسه، إلى أن "ما لم يستطع وزير العدل سنّه من باب الحكومة فيما يتعلق بالعقوبة البديلة سيتأتى له من باب البرلمان، وحينها سيُرجع الأمر إلى إرادة ممثلي الأمة في مجلسي النواب والمستشارين".
سحب ثم عودة من باب البرلمان
بعد الجدل المثار حول ما تضمنه مشروع قانون وزير العدل، سحب رئيس الحكومة هذا المشروع من الوزير، قبل أن يُعيده يوم 8 يونيو/حزيران 2023، بعد إزالة مقترح "شراء العقوبة الحبسية".
وأكد الوزير الوصي، عبد اللطيف وهبي، خلال استضافته ببرنامج تلفزيوني، أن المقترح الذي تضمنه المشروع قانون "كان إنجازاً شخصياً".
وأضاف المتحدث أن "مشروع القانون الذي صدّقت عليه الحكومة، خطوة متقدمة من شأنها تعزيز صورة المغرب كبلد رائد في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان".
اليوم يعود مقتضى المال مقابل الحبس، من خلال تعديلات مشتركة بين 4 فرق من الأغلبية، وهو ما يُبين، بحسب المعارضة، التنسيق المسبق الحاصل بين الأغلبية والحكومة، لكون الأغلبية لا يمكنها أن تقدم على أية خطوة من هذا القبيل إذا لم يكن هناك تنسيق مسبق.
البحث عن الربح الاقتصادي
يبرز رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان، عبد الإله الخضري، أن "كل المجتمعات باتت تتجه نحو العقوبات البديلة، وذلك من أجل معالجة القضايا الجُنحية البسيطة بطريقة لا تؤثر على حياة المذنب بشكل مبالغ فيه".
وأوضح الخضري، في حديثه لـ"عربي بوست"، أنه "يمكن للعقوبة السجنية أن تساعد المتهم بأن يكون أكثر احترافية في ارتكاب الجرائم، وبالتالي تساعد بشكل كبير على حالات العودة".
وقال إنه بسبب "الاكتظاظ الذي تعاني منه سجون المملكة، كان لابد من التفكير في عقوبات بديلة، ومن بينها أداء غرامات مالية مقابل العقوبات السجنية، بغية الردع والبحث عن الربح الاقتصادي".
لكن، إذا "كانت الغاية نبيلة من هذه العقوبة البديلة، فإنه من الموضوعي الاعتراف بأن بعض الأشخاص قد يسعون بسوء نية إلى استغلالها، فتشجعهم على ارتكاب الجرائم مقابل أداء مبالغ مالية".
لذلك حسب المتحدث: "من الضروري الانتباه لمثل هذه الجوانب خلال معالجة القضايا، وهنا تتدخل السلطة التقديرية للقاضي"، حسبما أضاف الناشط الحقوقي.
وقال المتحدث ذاته: "الحديث عن شراء السجن بالمال قراءة سلبية وغير جدية لهذه العقوبات، لأن المغزى منها واضح، لذلك لا ينبغي الخوف من العقوبات البديلة، والتي لها مزايا كثيرة تفوق بكثير تلك التخوفات".
تشجيع على العودة والسمسرة
توجد بشكل فعلي تخوفات من مسألة تطبيق هذا الجزء من العقوبات البدلية في المغرب، والمرتبطة بالمال مقابل السجن، خصوصاً أن العقوبة ستكون تمييزية بين المحكومين من الأغنياء وغيرهم من الفقراء، ما سيكون للقانون نتيجة عكسية لما يتوخاه المشرع.
وأفاد المحامي في هيئة الرباط، مولود بنتاجر، أنه في حال عودة الغرامة اليومية كبديل للعقوبة الحبسية، "ستشجع من يملك المال على اقتراف جرائم يعلم بوجود عقوبة بديلة لها، وبالتالي تفقد العقوبة غايتها في ردع مرتكبها".
وقد يجد السماسرة والوسطاء الخارجون على القانون مجالاً خصباً للمساومة وإيهام المعتقلين، من أجل إخراجهم من السجن مقابل المال كوسيلة قانونية بديلة عن السجن.
هذا، حسب المتحدث لـ"عربي بوست"، "سيخلق نوعاً من التمييز بين الفقراء والأغنياء، بين من يستطيعون أداء المال مقابل الحرية، وبين من سيقضي المدة في السجن لعدم امتلاكه للمال".
كما أن ذلك خروج عن خصائص القاعدة القانونية من عمومية وتجريد وإلزام وجزاء؛ أي القانون عام ومجرد يطبق على مرتكب الجريمة دون مراعاة مكانته أو مهنته أو جنسه. حسبما أردف بنتاجر، في اتصاله بـ"عربي بوست".