يتخوف مراد، مواطن جزائري، من تبعات قرار منع استيراد الأبقار والعجول الحية القادمة من فرنسا، على أسعار اللحوم الحمراء المرتفعة أصلاً، التي لامست في بعض الولايات في الجزائر 3000 دينار للكيلوغرام الواحد (15 دولاراً).
ويلفت المتحدث إلى أن اقتناء هذه المادة الغذائية أضحى صعباً للغاية بالجزائر، نظراً لارتفاع سعرها مقارنة بالقدرة الشرائية، ويضيف: "كنا نستناو خير بقرار السلطات باستيراد اللحوم الطازجة بصح الحالة ما تعجبش بهذا القرار الأخير" (استبشرنا خيراً بقرار السلطات الخاص باستيراد اللحوم الطازجة، لكن الأمر الآن مغاير بعد القرار الأخير).
ويتوقع مراد أن تصل أسعار اللحوم في السوق إلى 6000 دينار جزائري (30 دولاراً) للكيلوغرام، وهذا في ظل الارتفاع الفاحش في سعر الدواجن، والذي بلغ بمناطق 600 دينار (3 دولارات) وهو سعر مرتفع جداً حسب محدثنا.
"عربي بوست" سعى في هذا التقرير إلى معرفة تأثير قرار السلطات الجزائرية بمنع استيراد الأبقار والعجول الحية من فرنسا بعد ظهور مرض معدٍ بها على واقع سوق اللحوم الحمراء في الجزائر.
السوق لن تتأثر بالقرار..
وفي اتصال هاتفي مع رئيس المنظمة الجزائرية لحماية وإرشاد المستهلك، مصطفى زبدي، أشار إلى أن قرار منع استيراد العجول والأبقار الحية من فرنسا لن يؤثر بذلك الشكل المخيف على سوق اللحوم الحمراء في الجزائر، رغم أن طلب هذه المادة أعلى بكثير من المعروض.
ويذكر زبدي لـ"عربي بوست"، أن السوق لن يتأثر لكون "عملية الاستيراد في بدايتها وإعادة فتح الاستيراد لأجل العجول قصد التسمين أو قصد الذبح كما يدرك الجميع كانت متوقفة".
ويرى المتحدث أن تحديد أماكن الاستيراد من غير فرنسا بعد تسجيل إصابات بعدوى "مرض النزفية الوبائي" ضروري، من أجل ضبط السوق أكثر فأكثر؛ لأن الغاية من الاستيراد تتمثل في كبح ارتفاع سعر اللحوم الحمراء الذي بلغ في مناطق 2800 دينار جزائري للكيلوغرام (14 دولاراً).
استيراد كميات قليلة!
من جهته، يرى رئيس جمعية التجار والحرفيين، الحاج الطاهر بولنوار، أن القرار لن يؤثر على السوق نظراً لضعف الكميات المستوردة من فرنسا، فضلاً عن توفر أسواق أخرى لاستقدام هذه العجول، مشيراً إلى قرار وزارة الفلاحة الأخير الذي يسمح بالعودة لاستيراد اللحوم للحفاظ على استقرار السوق.
من جهة أخرى، أكد بولنوار أن إنتاج اللحوم في الجزائر أقل من الطلب وهو ما يتطلب زيادة في الإنتاج، مشيراً إلى أن الإنتاج أقل من مليون طن في حين أن الطلب يزيد على مليون ونصف المليون طن.
وبلغة الأرقام أوضح رئيس جمعية التجار أن عدد رؤوس المواشي بأنواعها أقل من 30 مليون رأس ماشية، إذ تقدر رؤوس الأغنام بأقل من 20 مليون رأس، والأبقار بأقل من مليوني رأس، فضلاً عن أقل من 5 ملايين رأس من الماعز، وهو ما يجعل الرقم ضعيفاً، حسبه مقارنة بعدد السكان المقدر بـ45 مليون نسمة.
الاستيراد حلّ لكبح ارتفاع الأسعار..
ويستذكر زبدي في حديثه عملية استيراد اللحوم في رمضان الماضي، التي ساهمت في خفض الأسعار لا سيما في المحال العمومية أين بيع للكيلو غرام من اللحم 1200 دينار (6 دولارات).
ويتابع قائلاً: "تجربة استيراد اللحوم الطازجة في شهر رمضان ليست ببعيدة وكانت تباع بأسعار تنافسية، لهذا الاستيراد من بلدان أخرى كحل بديل أمر ممكن، وسيكون له الأثر الإيجابي مع قوة وتيرة الاستيراد التي هي للتذكير في مهدها".
ويؤكد محدثنا أن الاستيراد ضرورة قصوى، خاصة أن الجزائر فقيرة من ناحية الثروة الحيوانية الخاصة بالأبقار، وأضاف: "بطبيعة الحال الحلول الخاصة بتسهيلات لأجل التربية، وكذلك تغطية السوق بالعجز الحاصل من خلال الاستيراد سوف يعطي ثماره".
أما بولنوار فيقترح رفع عدد رؤوس المواشي كحل أمثل لتدارك العجز المسجل، وذلك من خلال تشجيع الموالين لرفع عدد المواشي، ولو كان عن طريق اللجوء لاستيرادها كبداية، بالإضافة إلى تشجيع الاستثمار في الغذاء الحيواني، نظراً لتكاليفه الكبيرة حالياً، سيما أن جعله مستورداً، فضلاً عن تنظيم السوق ككل.
أسعار الدواجن تحلّق في السماء..
وفي جولة قادت "عربي بوست" إلى محال لبيع لحم الدواجن، رصدنا ارتفاعاً غير مألوف في أسعار هذه المادة الغذائية التي تُعد ملجأ ضرورياً للجزائريين، نظراً لغلاء اللحوم الحمراء، مقارنة بالقدرة الشرائية المتاحة.
وفي حديث جمعنا مع أحد الباعة في حي بن طلحة شرق الجزائر العاصمة، لفت إلى أنه لا يعلم عن أسباب هذا الارتفاع غير المبرر في أسعار الدواجن، وتابع: "نعم، إن العرض في الوقت أقل من الطلب، لكن ليس بدرجة أن تصبح الأسعار في غير متناول المستهلكين؛ لأن 600 دينار للكيلوغرام سعر مرتفع وغير مبرر".
من جهته، أبرز زبدي أن بعض العادات في تحضير الأكلات بالنسبة للعائلات الجزائرية ترتكز بالأساس على الدواجن، ونحن مع الدخول الاجتماعي، فإن الطلب في تزايد وبورصة الدجاج في السوق الوطني تعرف اختلالاً وهذا ليس وليد اليوم.
وتابع في السياق: "مع ظرف الدخول الاجتماعي والمولد النبوي، وكذلك قلة العرض لأسباب موضوعية من أهمها توقف المربين نظراً لموجات الحر التي عشناها في السابق، والتي أدت بهم إلى خسائر، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار".
وعدد المتحدث أسباباً أخرى أدت إلى ارتفاع الأسعار، وصفها بالثابتة مثل الجشع والطمع وعدم احترام هوامش الربح، وأضاف: "نحن مع بداية استيراد اللحوم البيضاء المجمدة مثلما ذكرت وزارة الفلاحة، ونعتقد أن الأمور سترجع إلى نصابها مع الإجراءات الماراثونية التي بدأت بها وزارة الفلاحة، وكذلك المهنيون ستساهم في تراجع الأسعار بعد المولد النبوي الشريف".
الأسعار ستنخفض بنسب قد تصل إلى 50%
أما رئيس اللجنة الوطنية لتجار اللحوم الحمراء، حاج بن عيسى طايلي، فيعتقد أن هذا قرار وقف استيراد العجول من فرنسا لن يؤثر على سوق اللحوم الجزائرية، لأنّ هذه الأخيرة لم تكن تعتمد على العجول الفرنسية بنسب كبيرة، بل كانت تقوم باستيراد كمية قليلة فقط من الأبقار الحية وعجول التسمين والموجهة للذبح.
وفيما يخص تأثير هذا القرار الأخير على أسعار اللحوم التي تعرف ارتفاعاً قياسياً، والتي شهدتها السوق الجزائرية في الآونة الأخيرة، قال طايلي في حديثه لـ"عربي بوست"، إن أسعار اللحوم الحمراء ستنخفض بنسب كبيرة قد تصل إلى 50%، خاصة مع فتح استيراد لحوم البقر الطازجة والمبردة والمعبئة بالتفريغ الهوائي ولحوم الغنم الطازجة والمبردة والمجمدة.
أما عن تأثير منع العجول الفرنسية الحية على قرار الترخيص باستيراد اللحوم الحمراء الطازجة والمبردة، يرى محدثنا "أنه لا يوجد أي تأثير؛ لأن السلطات الجزائرية منعت استيراد العجول والأبقار الحية القادمة من فرنسا، ولم تمنع استيراد اللحوم المجمدة والمبردة".
كما أن السّلطات العمومية ممثلة في وزارة الفلاحة- ومن خلفها الدّيوان الوطني لتغذية الأنعام وتربية الدواجن- تسعى جاهدة إلى ضبط هذه الشّعبة عبر العديد من الإجراءات، لغرض خفض أسعارها وجعلها في متناول جميع المستهلكين، يضيف طايلي.
لهذا السبب جمّدت الجزائر استيراد العجول والأبقار الفرنسية
وكانت وزارة الفلاحة والتنمية الريفية في الجزائر، قد أعلنت يوم 23 سبتمبر/أيلول الجاري، الوقف الفوري لاستيراد العجول والأبقار الحية القادمة من فرنسا، على خلفية ظهور مرض "النزفية الوبائية".
وأوضحت في بيان، أن وزارة الفلاحة والتنمية الريفية وبعد استشارة السلطة الوطنية للبيطرة، قرّرت الإيقاف الفوري لاستيراد العجول والأبقار الحية القادمة من فرنسا.
وأضافت أن هذا الإجراء الوقائي بأثر استعجالي يأتي عقب ظهور مرض معدٍ (مرض النزفية الوبائية)، والذي يؤثر بشكل رئيسي على العجول والأبقار الحية في فرنسا، وقد تم الإعلان عنه رسمياً من قبل السلطات الصحية في البلد.
وقبل ذلك، أعلنت السلطات الفرنسية اكتشاف هذا المرض لدى مزارعين بجنوب غربي البلاد.
فتح باب استيراد اللحوم..
وفي وقت سابق، أعلنت السلطات الجزائرية، الترخيص مجدداً باستيراد عجول الذبح والتسمين لتوفير اللحوم الحمراء في السوق المحلية، بعد ارتفاع أسعارها لمستويات قياسية.
وأعلنت السلطات الجزائرية، مطلع سبتمبر/أيلول، إصدار رخص لاستيراد اللحوم الحمراء الطازجة والمبردة والبيضاء المجمدة، من الخارج، في وقت تعاني الأسواق المحلية ندرة في الكميات، وارتفاعاً غير مسبوق في الأسعار.
وفيما يتعلق باللحوم الحمراء، أفاد بيان منفصل لوزارة الفلاحة الجزائرية، "بأنه في إطار تموين الأسواق الوطنية، لا سيما اللحوم الحمراء، تم فتح استيراد لحوم البقر الطازجة والمبردة والمعبأة، ولحوم الغنم الطازجة والمبردة والمجمدة".
وحدّدت الوزارة آجالاً لإيداع ملف طلبات تراخيص الاستيراد من 10 إلى 20 سبتمبر/أيلول الجاري.
كما أعلنت الوزارة، تعديلات على شروط استيراد العجول الموجهة للتسمين، بعد "النقص الكبير والملحوظ في وفرة بعض سلالات العجول الموجهة للتسمين".
وقالت: "يشترط ألاّ يقل وزنها عن 420 كيلوغراماً".