نشأ دانييل بن ديفيد في عائلة تبدو ظاهرياً عائلة يهودية إسرائيلية عادية، حيث تحتفل بالأعياد الكبرى وحفلات الزفاف وطقوس التعميد اليهودية. لكن بن ديفيد اكتشف حين تقدم في العمر أن أصوله ليست يهودية أو إسرائيلية إطلاقاً، بل فلسطينية مصرية. إذ اضطرت عائلته إلى الفرار من مصر إلى الدولة اليهودية بعد أن تجسس أفرادها على وطنهم طيلة سبع سنوات تقريباً.
وقد تبدو هذه القصة شبيهة بروايات الجاسوسية، لكنها حقيقة عائلة بن ديفيد، الذي أصبحت رحلته لاكتشاف تاريخ عائلته، هي قصة فيلم وثائقي جديد بعنوان The Spy Family "عائلة الجواسيس". يتتبع الفيلم قصة عائلة شاهين المكونة من أب فلسطيني وزوجته المصرية وأبنائهما الثلاثة، وجميعهم عملوا لصالح إسرائيل بعد حرب 1967. ودانييل بن ديفيد هو ابن يوسي بن ديفيد، نبيل شاهين سابقاً، أحد الأبناء الثلاثة، وذلك وفق ما نشرت صحيفة The Times Of Israel الإسرائيلية في تقريرها يوم الثلاثاء 26 سبتمبر/أيلول 2023.
تفاصيل قصة عائلة مصرية تجسست لصالح إسرائيل
كان إبراهيم شاهين، والد نبيل وجد دانييل بن ديفيد، فلسطينياً من مواليد القدس، وفرَّت عائلته إلى مصر بعد نكبة 1948. وهناك التقى بانشراح، وهي مواطنة مصرية، وتزوجا. وأنجب الزوجان ثلاثة أبناء وكانا يعملان في مدينة العريش في شبه جزيرة سيناء، حين احتلتها إسرائيل في حرب 1967. وكان أبناؤهم الثلاثة – نبيل (والد دانييل بن ديفيد)، ومحمد، وعادل– في القاهرة حينذاك.
وفي الوقت نفسه، كان ميكا كوبي يخدم في الوحدة 504 في فرع المخابرات التابع لجيش الدفاع الإسرائيلي، المسؤولة عن تجنيد الأجانب لصالح إسرائيل. وجاء إلى العريش بحثاً عن عملاء، وبدأ في إجراء مقابلات مع مئات المصريين الذين يقطنون المدينة المحتلة. وهناك قابل إبراهيم شاهين وتمكن من تجنيده.
وأحضر شاهين وزوجته أبناءهما من القاهرة، وخضع الخمسة لبرنامج تدريبي في شقة سرية في ضاحية جفعتايم في تل أبيب. وبعد الانتهاء من التدريب، عادت العائلة إلى مصر، وهناك بدأ الوالدان في إقامة علاقات مع كبار المسؤولين، من ضمنهم شخصيات أمنية.
عملت العائلة على تصوير القواعد العسكرية المصرية
قال يوسي– الذي يفضل اسمه اليهودي على نبيل– للقناة 12 إن والده إبراهيم كان يكلفه بتصوير مواقع مختلفة، مثل القواعد والمنشآت العسكرية. وقال إن عمره كان 13 أو 15 عاماً في ذلك الوقت.
وقال عن سنوات طفولته في مصر: "كان الوضع صعباً، لم يكن لدينا ما يكفينا من المال، ولكن حين تعرف والدي على اليهود، تحسن الوضع. كنت أصور قاعدة عسكرية، وطائرات أحياناً". وقال وهو يرفع الكاميرا التي يحتفظ بها إلى الآن: "هذه الكاميرا فعلت الكثير".
وطوال سبع سنوات، كانت عائلة شاهين تنقل معلومات إلى إسرائيل، من ضمنها صور لمواقع عسكرية ورسائل سرية بشفرة مورس وحبر غير مرئي. ولا تزال الكثير من المعلومات التي نقلوها سرية.
السلطات المصرية تلقي القبض على العائلة في عام 1974
عام 1974، أُلقي القبض على العائلة. وحوكم إبراهيم وانشراح وحكم عليهما بالإعدام، بينما حكم على أبنائهما الثلاثة بالسجن خمس سنوات.
على أنه بعد اتفاقية كامب ديفيد عام 1979 بين إسرائيل ومصر، مُنحت انشراح عفواً رئاسياً، ولكن نُفذ حكم الإعدام شنقاً في إبراهيم.
وهربت انشراح مع أبنائها الثلاثة إلى إسرائيل واستقرت في ضاحية بات يام في تل أبيب، حيث اعتنقوا اليهودية، وغيروا اسم العائلة إلى بن ديفيد. وغيرت انشراح اسمها إلى دينا، بينما أصبح أبناؤها يوسي وحاييم ورافي.
ولم يُسمح بنشر القضية في إسرائيل إلا عام 1989 حين كانت الأسرة قد استقرت بالفعل في البلاد.
ويوسي هو الوحيد الباقي على قيد الحياة من عائلته ولم يفصح لابنه عن حقيقة عائلته إلا مؤخراً. وتوفيت والدته دينا عام 2021، ورحل أخواه منذ فترة طويلة أيضاً.
قرار مصيري يخص العائلة المصرية
قال دانيال، نجل يوسي، للقناة 12 إن جدّيه اتخذا "قراراً مصيرياً خطيراً" تجاه عائلتهما، لكنه رفض سؤالاً عن أي أزمة هوية، وقال: "أنا إسرائيلي ويهودي ولا شيء سيغير ذلك".
أضاف أن هذه القضية لا تحظى بالاهتمام الكافي، وأنه من الضروري تذكُّرها مثل قصة إيلي كوهين، الجاسوس الإسرائيلي الأشهر، الذي سرب معلومات مهمة أثناء وجوده في دمشق طيلة أربع سنوات حتى القبض عليه وإعدامه عام 1965.
لكن كوبي قال إن هذا غير ممكن. وقال: "بكل أسف، الفرق كبير بين قصة إيلي كوهين وهذه القصة. النظرة لجاسوس من أصل يهودي ستكون دوماً مختلفة عن النظرة لجاسوس من ديانة مختلفة".