هيمن الارتباك السياسي على كل من الحكومة المصرية وتيارات سياسية معارضة، مع بدء العد التنازلي لإجراء الانتخابات الرئاسية المزمع عقدها خلال شهر ديسمبر/كانون الأول المقبل، بعدما أرجأت الهيئة الوطنية للانتخابات الإعلان عن الجدول الزمني للاقتراع، في الوقت الذي تعاني فيه المعارضة من تشرذم المواقف بشأن المشاركة من عدمها، وكذلك دعم أي من المرشحين المحتملين فيها.
وكان من المقرر أن تعلن الهيئة الوطنية للانتخابات في مصر الجدول الزمني الخاص بفتح باب الترشح ومواعيد الانتخابات في الداخل والخارج، وكذلك الإعلان عن الإجراءات الخاصة بعملية الترشح وآليات إعلان أسماء المرشحين خلال المؤتمر الصحفي الذي عقدته الأربعاء 20 سبتمبر/أيلول، لكنها فاجأت الجميع وأكدت أنها ستعقد مؤتمراً صحفياً آخر يوم الإثنين 25 سبتمبر/أيلول المقبل للإعلان عن مواعيد الانتخابات.
الطعن الدستوري
كشف مصدر مطلع قريب من دوائر حكومية مصرية لـ"عربي بوست" أن الانتخابات من المزمع أن تنتهي في 17 يناير/كانون الثاني المقبل، وأن استمرار الانتخابات بعد هذا التاريخ يعرّضها للطعن الدستوري، وذلك بعد التوافق على إجرائها بإشراف قضائي كامل.
وأتاح الدستورالمصري الإشراف القضائي الكامل على الانتخابات لمدة عشر سنوات من تاريخ إقراره في هذا الموعد من العام 2014، ومن المتوقع أن يكون هناك سجال قانوني حال استمرت بعد هذا التاريخ.
وأوضح المصدر المطلع أن جهات رسمية في الدولة لم تكن تضع في حسبانها هذا الأمر، غير أن عدداً من القامات القانونية بينهم رئيس مجلس النواب السابق علي عبد العال، حذر من استمرار الانتخابات بعد هذا التوقيت، ما دفع للتبكير بإجراءات الإعداد للماراثون الانتخابي.
وأوضح أن الإجراءات الضخمة التي تتطلبها عملية الإعداد للانتخابات التي من المتوقع أن تجري في 10 آلاف مقر انتخابي، جعل الهيئة الوطنية للانتخابات تسابق الزمن لإعدادها.
وجرى إرجاء الإعلان عن مواعيد الانتخابات لضمان الإعداد لكافة الكشوف وأماكن إجراء الانتخابات في المواعيد المبدئية التي جرى التوافق عليها. ووفقاً للمتحدث ذاته فإنه من المتوقع أن يتم فتح باب الترشح خلال الأسبوع الأول من شهر أكتوبر/تشرين الأول على أن تجرى الانتخابات قبل منتصف ديسمبر/كانون الأول مع الوضع في الاعتبار إمكانية الدخول في جولة إعادة.
وفي تصريحات سابقة، أكد المنسق العام للحوار الوطني ضياء رشوان، أن عملية فتح باب الترشح ستكون على الأرجح في شهري أكتوبر/تشرين الأول أو نوفمبر/تشرين الثاني المقبلين، على أن يكون الإعلان النهائي عن النتيجة خلال بداية عام 2024.
وقال مدير الجهاز التنفيذي للهيئة الوطنية للانتخابات في مصر، أحمد بنداري، الأربعاء 20 سبتمبر/أيلول، إن مؤتمراً صحفياً سيُعقد يوم 25 سبتمبر/أيلول الجاري للإعلان عن الجدول الزمني للانتخابات الرئاسية، مشيراً إلى أن الهيئة تقف على مسافة واحدة من جميع المرشحين الذين سيتقدمون للمشاركة في الانتخابات، وأن الانتخابات ستجري تحت إشراف قضائي كامل.
وأوضح بنداري أن الهيئة تكفل لكل من يرغب في الترشح للانتخابات الرئاسية إعمال حقه كاملاً حال توفرت فيه شروط الترشح، مشيراً إلى أنه فور غلق باب الترشح ستعلن القائمة النهائية للمرشحين وتحدد لهم توقيتات لعرض برامجهم الانتخابية.
وطالب مدير الجهاز التنفيذي للهيئة الوطنية للانتخابات وسائل الإعلام المملوكة للدولة بأن تكفل فرصاً متساوية لكافة المرشحين لعرض برامجهم الانتخابية، كما طالب سائر هيئات الدولة ومؤسساتها ووسائل الإعلام بالتزام الحياد والموضوعية وضوابط الدعاية الانتخابية والحياد الإيجابي.
ارتباك وتضارب
وأشار مصدر مطلع في مجلس الوزراء المصري إلى أن الارتباك الحكومي يظهر واضحاً في تأخر الإعلان عن إجراءات الانتخابات، لأن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تنتهي مدته الدستورية في 1 أبريل/نيسان 2024 باعتبار أن الإعلان عن فوزه تم في 2 أبريل/نيسان 2018، وكان يجب أن يمنح مزيداً من الوقت للمرشحين حتى يتمكنوا من جمع التوكيلات.
وأشار إلى أن التضارب في المواعيد المتوقعة بين ديسمبر/كانون الأول أو يناير/كانون الثاني أو فبراير/شباط، أصاب المواطنين أنفسهم بالارتباك بعد أن كانوا على علم بأنهم أمام انتخابات رئاسية عام 2024 وليس هذا العام، ما خلق انطباعاً بأن الانتخابات تُجرى على عجل.
ولفت إلى أن عملية الإصلاح السياسي التي قالت الحكومة إنها تنوي اتخاذ خطوات فاعلة بشأنها قبل انتخابات الرئاسة لم تحدث بعد، ويبقى الحديث عن ضمانات المشاركة محاطاً بقدر كبير من الغموض؛ لأن تطبيق ما تطالب به المعارضة وما جاء أيضاً في البيان الأخير لمجلس أمناء الحوار الوطني بحاجة إلى أجواء سياسية تدعم تطبيقه وليس من المتوقع أنه في يوم وليلة سيتم الإفراج عن سجناء الرأي أو إتاحة حرية الإعلام أو إتاحة حرية الحركة بشكل كامل لكافة المرشحين.
وتسعى الحكومة لأن تمر العملية الانتخابية دون أزمات أو منغصات تذكر، ووفقاً للمصدر، فإنها تستهدف تقديم الحد الأدنى من التنازلات السياسية التي تُظهرها أمام المجتمع الدولي كدولة لديها انتخابات حرة ونزيهة وتتسم بالشفافية، وفي الوقت ذاته فإنها لا تترك المجال مفتوحاً أمام المعارضين للتعبير عن أنفسهم ولم تتحدث بالإيجاب أو السلب عن إمكانية استجابة لضمانات المشاركة في الانتخابات من عدمه.
وكان مجلس أمناء الحوار الوطني أصدر يوم الثلاثاء 19 سبتمبر/أيلول، بياناً وضع فيه عدداً من المبادئ الضرورية لإدارة انتخابات رئاسية تعددية وتنافسية، تمهيداً لما سيأتي بعدها من مراحل استكمالاً لمسار التحول الديمقراطي في مصر.
وطالب "كل القوى الفاعلة في الحياة السياسية المصرية، المؤيدة والمعارضة والمستقلين بالنظر إلى انتخابات الرئاسة المقبلة على أنها استحقاق مهم لتدعيم مسار دولة القانون المدنية الديمقراطية الحديثة".
كما طالب السلطة باستكمال مراجعة أوضاع المسجونين والمحبوسين احتياطياً والممنوعين من السفر من غير المُدانين أو المتهمين باستخدام العنف أو التحريض عليه، وتعديل أحكام الحبس الاحتياطي بالشكل الذي لا يسمح بأن يتحول هذا الإجراء الاحترازي في أصله وهدفه إلى نوع من أنواع العقوبات التي توقع بدون أحكام قضائية.
وتبنى مجلس الأمناء الذي يضم عدداً من المحسوبين على الحكومة وكذلك مجموعة من المعارضين، مطالب الأحزاب السياسية المعارضة، وشدد على أهمية أن تقف أجهزة ومؤسسات الدولة على مسافة واحدة من جميع المرشحين لمنصب رئيس الجمهورية، بما يضمن الحقوق الدستورية والقانونية لهم والفرص المتكافئة، كما أكدت على الحق، لمن يريد الترشح لهذا المنصب، في حرية الحركة والسعي لجمع التأييدات والاتصال بالناخبين والتغطية الإعلامية بشكل متكافئ.
مبادئ نزاهة الانتخابات مستبعد
وقال مصدر مطلع بمجلس أمناء الحوار الوطني، شريطة عدم ذكر اسمه، إن الاستجابة لما جاء في مبادئ نزاهة الانتخابات يبقى مستبعداً، لكن ذلك لن يؤثر على مواقف الأحزاب التي يبدو أنها حسمت موقفها بشأن المشاركة في الانتخابات، وأن التعويل الحالي على أن تتخذ مؤسسة الرئاسة المصرية أو أي من الجهات الرسمية إجراءات تسهل مهام تحرك المرشحين المحسوبين على المعارضة والذي قد يصل عددهم إلى ثلاثة أو أربع أسماء.
وكشف المصدر لـ"عربي بوست" عن أن الأيام الماضية كانت شاهدة على مجموعة من النقاشات داخل الحوار الوطني بشأن كيفية إحداث عامل إيجابي من الممكن أن يحسِّن من الأجواء المحيطة بالانتخابات، لأن البرلمان المصري ما زال لم ينتهِ من إجازته ومن المقرر أن تبدأ دورته البرلمانية الرابعة خلال الأسبوع الأول من شهر أكتوبر/تشرين الأول، وبالتالي فإنه من المستبعد إقرار تشريعات أو إدخال قوانين من شأنها أن تخلق انطباعاً إيجابياً، والحديث كان يتركز على تعديل قانون الحبس الاحتياطي وإقرار قانون إتاحة حرية المعلومات.
ويلفت إلى أن ما جاء في بيان مجلس أمناء الحوار الوطني صاغته المعارضة وتحديداً الحركة المدنية الديمقراطية ووافق عليه محسوبون على الحكومة داخل مجلس أمناء الحوار الوطني وجرى طرحه في محاولة لفك ألغاز الغموض المهيمن على الجميع، بعد أن أرجأت بعض الأحزاب مواقفها من الترشح للانتخابات في وقت تفتت فيه المعارضة التي كانت تمثلها الحركة المدنية.
أحزاب في عزلة
وبالانتقال إلى المعارضة فإنها هي الأخرى عانت حالة من الارتباك الواضحة ظهرت من خلال عدم التوصل إلى صيغة توافقية داخل الحركة المدنية الديمقراطية بشأن دعم مرشح بعينه أو أكثر من مرشح في الانتخابات المقبلة، وبدا من الواضح أن كل حزب يفكر بمعزل عن باقي الأحزاب.
كما أن التيار الليبرالي الحر المنبثق عنها شهد الأيام الماضية مجموعة من الأحداث المتلاحقة، بدءاً من تعليق عضوية حزب الدستور، ومروراً بالمقترحات التي تقدم بها متحدثه عماد جاد بشأن دعم ترشيح الفريق محمود حجازي صهر الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي ورئيس أركان الجيش المصري السابق، ونهاية بإعلان التيار مقاطعته للانتخابات مع ترك الحرية للأحزاب المنضوية داخله بالمشاركة فيها.
وقال قيادي حزبي بالحركة المدنية الديمقراطية، إن الآراء تفاوتت داخل الحركة خلال الأيام الماضية في ظل رغبة الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي ترشيح رئيسه فريد زهران في الانتخابات، وكانت هناك محاولات لإثنائه عن تلك الخطوة بما يخدم دعم المرشح أحمد طنطاوي، مشيراً إلى أن حزبي المحافظين والدستور وهم أعضاء التيار الليبرالي الحر لم ينسقا مع الحركة بشأن مشاركة كل من أكمل قرطام وجميلة إسماعيل في السباق الانتخابي.
وأوضح أن غياب أدنى مراتب التوافق داخل الحركة تسبب في ترحيل القضية برمتها إلى ما بعد الإعلان عن الجدول الزمني للانتخابات، ولكن في النهاية فإن التوافق يبقى مستبعداً، مشيراً إلى أن الأحزاب ترى أنها أمام فرصة للتسويق عن نفسها من خلال انتخابات الرئاسة، وأن حصول أي من المرشحين على ملايين الأصوات حتى وإن لم تؤدّ لفوزه في السباق يشكل مكسباً مهماً لها.
وكشف عن أن الأحزاب المعارضة بدأت في عقد تربيطات مع قوى سياسية أخرى يمكن أن تحصل على توكيلات نوابها في البرلمان حال وجدت صعوبة في الوصول إلى 25 ألف توكيل من 15 محافظة مختلفة، وهو أمر كان محل خلاف داخل الحركة.
كما أن الخلاف الذي نشب بين القيادي بالحركة المدنية كمال أبو عيطة، ورئيس مجلس أمناء التيار الليبرالي هشام قاسم ألقى بظلاله على المعارضة بأكملها وساد ارتباك واضح فشل الجميع في التعامل معه.
وأعلن الحزب الديمقراطي الاجتماعي في مؤتمر صحفي عقده الخميس عن ترشيح رئيسه فريد زهران في انتخابات الرئاسة، وبالنسبة لحزب الدستور فقد أرسلت رئيسته جميلة إسماعيل خطاباً إلى هيئته العامة أكدت فيه استعدادها الترشح في انتخابات الرئاسة، وساقت مجموعة من المبررات التي تدفعها لخوض السباق الانتخابي.
مكاسب سياسية
ويشير مصدر مطلع في المعارضة المصرية إلى أن ارتباك المعارضة نابع من عدم قدرتها الضغط على الحكومة لانتزاع مكاسب تجعلها في موقف قوة، وفي الوقت ذاته فهي تدرك أن المرات السابقة التي اتخذت فيها قرارات بمقاطعة الانتخابات لم تحقق بالنسبة إليها أهدافها من المقاطعة، بل إن ذلك ساعد الحكومة على إبعادها عن المشهد لضعف تأثيرها.
وبالتالي فإنها ترى أن المشاركة هذه المرة تبقى بمثابة بحث عن طرق أخرى يمكن أن تدعم مستقبلها السياسي خاصة أن الواقعية تقتضي بأن تبحث عن ضمانات لانتخابات البرلمان التي يمكن أن تنافس فيها.
وأوضح المصدر المشارك في اجتماعات أحزاب المعارضة لـ"عربي بوست" أن المعارضة استفادت شكلياً من تواجدها في الحوار الوطني ومنح ذلك الفرصة لعدد من قياداتها بأن يكونوا حاضرين في صدارة المشهد السياسي، لكنها أمام مشكلة أكبر تتمثل في ضيق الوقت الذي قد يكون عائقاً أمام تحقيقها الشروط المطلوبة للترشح أو تعريف المواطنين ببرامجها، وقد تحصل على نتائج هزيلة توضح حجمها السياسي.
وفي الوقت ذاته، فإن التنافس على الزعامة والقيادة يجعل رؤساء الأحزاب يكابرون بشأن دعم المرشح أحمد طنطاوي الذي يعد الأكثر استعداداً لخوض الانتخابات، بحسب المصدر ذاته.
ويحتاج كل مرشح إلى تزكية 20 عضواً على الأقل من أعضاء مجلس النواب أو أن يؤيده ما لا يقل عن 25 ألف مواطن، ممن لهم حق الانتخاب، في 15 محافظة على الأقل، بموجب المادة 142 من الدستور المصري.