بينما تواصل فرق الإنقاذ انتشال جثت ضحايا كارثة درنة الليبية؛ خوفاً من انتشار الأمراض والأوبئة، ينتشر وباء من نوع آخر بين الناجين من الفيضانات المدمرة التي خلفت آلاف القتلى، وهو وباء الصحة النفسية الذي يمثل أيضاً قلقاً ملحاً، وفق ما جاء في تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني، الإثنين 18 سبتمبر/أيلول 2023.
بعد أسبوع من محو الفيضانات ربع مدينة درنة الليبية من الخريطة، يكرر الأطفال الذين نجوا من كارثة درنة نفس الكلمة مراراً وتكراراً: "مياه"، ويعد التكرار أحد الأعراض المعروفة لاضطراب ما بعد الصدمة لدى الأطفال، وهي محنة يتزايد انتشارها بين الناجين من سكان درنة.
الموقع البريطاني قال إنه في شوارع درنة المُدَمَّرة، يمر الأشخاص محدقين بنظرات هائمة بالقرب من عمال الإنقاذ الذين ينتشلون الجثث.
بينما قالت عايدة النفاتي، مختصة في الصحة النفسية من تونس تدعم الناس في درنة، لموقع Middle East Eye: "لقد قابلت العديد من الناجين الذين تظهر عليهم أعراض اضطراب ما بعد الصدمة؛ ما يجعلهم يشعرون وكأنهم محاصرون في كابوس لا ينتهي، وينتظرون باستمرار من يوقظهم منه".
كما أوضحت: "يمرون بشكل من أشكال إنكار كارثة درنة، وغالباً ما يظل الخوف قائماً بعد الصدمة".
لم ينَم بعض الناجين منذ الفيضانات، بينما أولئك الذين ناموا، يقولون إنَّ الكوابيس تطاردهم، وكانت العودة إلى المنازل محفزة للمشاعر السلبية بين الليبيين النازحين، واضطراب شعور الناجين بالذنب شائع.
قلق السكان بعد كارثة درنة
وُجِد شيء من العزاء في استرداد البعض لجثامين أقاربهم. لكن مع وجود نحو 10,000 شخص ما زالوا في عداد المفقودين، فإنَّ الغموض الذي يكتنف مصير هؤلاء الأشخاص جعل سكان درنة يصارعون القلق.
مثل العديد من الليبيين، عاش علي عبد الحميد، وهو في منتصف الخمسينيات من عمره، على مقربة من عائلته الممتدة: 13 أخاً وعائلاتهم يتقاسمون مبنيين متجاورين. وبالنسبة لعائلات مثل عائلته، كان ذلك يعني أنه عندما تقع الكارثة، يكون الجميع في خطر.
كما قال عبد الحميد، لموقع Middle East Eye: "للأسف، أمي وأخي كانا يسكنان في الطابق الأول، ولم نتمكن من إنقاذهما من ارتفاع المياه. لكني أشكر الله أننا تمكنا من دفنهما على النحو اللائق. فحتى هذه اللحظة، لم يتمكن الآخرون من تحديد مكان جثث أحبائهم".
أضافت المختصة النفسية عايدة النفاتي: "لقد تأثر الجميع بشدة بالفظائع التي شهدوها أو فقدان أحبائهم، لكنهم يسعون أيضاً إلى إظهار المرونة ورباطة الجأش في مواجهة هذه المأساة".
في الوقت نفسه، يتعامل الأطفال مع كارثة درنة من خلال إعادة تمثيلها. و"الماء" ليست الكلمة الوحيدة التي يكررونها. بل يتلفظون باستمرار بكلمات مثل: "الفيضان"، و"السيارات"، و"دعونا نهرب". وفي بعض الأحيان يلعب الأطفال لعبة متخيلين أنَّ الفيضان قد عاد. ويمكن سماعهم يقولون: "لقد مت"، وهم يسردون ما شهدوه بدقة.
تركز النفاتي وفريقها على تقديم الإسعافات الأولية النفسية للناجين. ويشجعون الأطفال على التعبير عن مشاعرهم ومخاوفهم وحزنهم مع تقديم تفسيرات عقلانية لما حدث. ويأملون من خلال ذلك تعزيز الأفكار الإيجابية المرتبطة بالحدث لتحل محل الأفكار السلبية.
لكن فريق النفاتي صغير، وهناك عدد قليل من المتخصصين مثلها على الأرض في درنة. وفي المقابل، فإنَّ حجم كارثة درنة هائل. ويقدم فريق النفاتي أيضاً الدعم النفسي لطواقم الطوارئ وعمال الإنقاذ الذين وصلوا إلى مكان الحادث وواجهوا أهوالاً لا توصف.