كشفت وثائق مُسربة عن مساعدة الولايات المتحدة لباكستان سراً في الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي هذا العام، مقابل إمداد إسلام أباد الجيش الأوكراني بالأسلحة، في إشارة إلى تورط باكستان في حرب واجهت ضغوطاً أمريكية للانحياز إلى أحد طرفيها، حسب ما نقله موقع The Intercept الأمريكي، الأحد 17 سبتمبر/أيلول 2023، عن مصدرين مطلعين على الصفقة، ووثائق حكومية باكستانية وأمريكية داخلية.
الوثائق التي اطلع عليها الموقع الأمريكي، مطلع هذا العام، من مصدر داخل الجيش الباكستاني، تحدثت عن صفقات ذخائر بين الولايات المتحدة وباكستان من صيف 2022 إلى ربيع 2023.
وتأكد الموقع من صحة بعض الوثائق بمطابقة توقيع عميد أمريكي مع توقيعه على سجلات رهن عقاري متاحة للجمهور في الولايات المتحدة؛ وبمطابقة الوثائق الباكستانية مع الوثائق الأمريكية المشابهة؛ وبمراجعة الإفصاحات الباكستانية المتاحة للجمهور عن مبيعات الأسلحة إلى الولايات المتحدة التي نشرها بنك دولة باكستان.
وبحسب الموقع الأمريكي تحوي الوثائق، التي تحدد مسار الأموال والمحادثات مع المسؤولين الأمريكيين، عقوداً أمريكية وباكستانية، وتراخيص، ووثائق طلبات رسمية متعلقة بالصفقات التي أبرمتها الولايات المتحدة لشراء أسلحة عسكرية باكستانية لأوكرانيا.
تأمين خطة الإنقاذ
الموقع أشار إلى أن هذه الصفقات ساهمت في تأمين خطة الإنقاذ من صندوق النقد الدولي، حيث وافقت وزارة الخارجية الأمريكية على إطلاع صندوق النقد الدولي على صفقة الأسلحة التي لم يُفصح عنها، وفقاً لمصادر مطلعة على الاتفاق ووثيقة مرتبطة به.
وكان صندوق النقد الدولي قد اشترط على باكستان تلبية أهداف مالية معينة تتعلق بديونها واستثماراتها الأجنبية، وكانت البلاد تواجه صعوبة كبيرة في تلبية هذه الأهداف. وجاءت صفقة الأسلحة لإنقاذها، حيث ساهمت الأموال التي جمعتها من بيع الذخائر لأوكرانيا في تغطية جزء كبير من الأموال المطلوبة.
وقد أدى حصول باكستان على القرض إلى تخفيف الضغوط الاقتصادية، وهذا مكّن الحكومة العسكرية من تأجيل الانتخابات، وتشديد حملة القمع على أنصار عمران خان رئيس الوزراء الأسبق وغيرهم من المعارضين. والتزمت الولايات المتحدة الصمت إزاء الانتهاكات غير الاعتيادية لحقوق الإنسان التي أوقعت مستقبل الديمقراطية المحاصرة في باكستان في حالة من الضبابية.
أسلحة مقابل قرض
في 23 مايو/أيار عام 2023، وفقاً لتحقيق موقع إنترسيبت، اجتمع السفير الباكستاني لدى الولايات المتحدة مسعود خان مع مساعد وزير الخارجية دونالد لو في وزارة الخارجية في واشنطن العاصمة، لمناقشة تعزيز وضع باكستان المالي في نظر صندوق النقد الدولي عن طريق بيع أسلحة باكستانية إلى أوكرانيا. وكان الهدف من الاجتماع، الذي عقد يوم ثلاثاء، مناقشة تفاصيل الاتفاق قبل الاجتماع المقبل في إسلام آباد يوم الجمعة التالي بين السفير الأمريكي لدى باكستان دونالد بلوم ووزير المالية آنذاك إسحاق دار.
وقال لو لخان في اجتماع 23 مايو/أيار إن الولايات المتحدة وافقت على شراء الذخائر الباكستانية، وستخبر صندوق النقد الدولي سراً بالاتفاق. وقال لو إن شراء أسلحة من باكستان بمبلغ 900 مليون دولار سيغطي جزءاً لا بأس به من التمويل الذي يطلبه صندوق النقد الدولي، والمقدر بحوالي ملياريْ دولار. وقال لخان إن الرقم الدقيق الذي ستنقله الولايات المتحدة إلى صندوق النقد الدولي سيجري التفاوض عليه.
وفي اجتماع الجمعة، طرح دار قضية صندوق النقد الدولي مع بلوم، وفقاً لتقرير نشرته صحيفة Pakistan Today، جاء فيه أن "الاجتماع سلط الضوء على أهمية إتمام اتفاق صندوق النقد الدولي المتعثر، وإيجاد حلول فعالة للصعوبات الاقتصادية التي تواجهها باكستان".
باكستان تنفي
ورفض متحدث باسم السفارة الباكستانية في واشنطن التعليق، وأحال الأسئلة إلى وزارة الخارجية الأمريكية. ونفى متحدث باسم وزارة الخارجية أن تكون الولايات المتحدة قد ساهمت بأي دور في مساعدة باكستان في الحصول على القرض.
إذ قال المتحدث إن "المفاوضات بشأن مراجعة صندوق النقد الدولي كانت محل نقاش بين باكستان ومسؤولي صندوق النقد الدولي. ولم تكن الولايات المتحدة طرفاً في تلك المناقشات، على أننا مستمرون في تشجيع باكستان على التعاون بشكل بنّاء مع صندوق النقد الدولي في برنامجه الإصلاحي".
فيما نفت متحدثة باسم صندوق النقد الدولي تعرض الصندوق لضغوط، لكنها لم تعلق على ما إن كانت الولايات المتحدة قد أسرّت إليه بأمر برنامج الأسلحة. وقالت المتحدثة راندا النجار: "ننفي نفياً قاطعاً وجود أية ضغوط خارجية على صندوق النقد الدولي بطريقة أو بأخرى أثناء مناقشة دعمه لباكستان".
ويتعارض نفي وزارة الخارجية مع ما قاله السيناتور الديمقراطي عن ولاية ماريلاند كريس فان هولين، وهو من أبرز الأصوات في الشؤون الخارجية الأمريكية.
فمطلع هذا الشهر، قال فان هولين لمجموعة من الصحفيين الباكستانيين: "الولايات المتحدة ساهمت بدور فعال جداً في ضمان تقديم صندوق النقد الدولي مساعداته الاقتصادية الطارئة". وولد فان هولين، الذي كان والداه يعملان في باكستان لدى وزارة الخارجية الأمريكية، في كراتشي، ومن المعروف أنه أبرز مراقب لشؤون باكستان في الكونغرس.
وفي مقابلة مع موقع ذا إنترسبت في مبنى الكابيتول، يوم الثلاثاء 12 سبتمبر/أيلول، قال فان هولين إن معرفته بدور الولايات المتحدة في تسهيل قرض صندوق النقد الدولي جاءت من إدارة بايدن مباشرة. وقال: "ما فهمته، من محادثات مع أشخاص في الإدارة، هو أننا دعمنا حزمة قروض صندوق النقد الدولي لباكستان في وضعها الاقتصادي الصعب".