في وقت لا تزال تعاني فيه ليبيا من تبعات العاصفة القوية التي ضربت شرق البلاد وتسببت في كارثة غير مسبوقة بمدينة درنة، تدور بعض التساؤلات عما إذا كانت ردة الفعل الدولية وحجم الدعم الخارجي متناسباً مع مقدار الفاجعة، خصوصاً وأن ليبيا أطلقت نداءاً لطلب المساعدة الخارجية بالفعل.
لم تمرّ على ليبيا كارثة طبيعية في التاريخ الحديث بمستوى كارثة عاصفة دانيال التي أدت إلى انهيار سدّين، ونحو رُبع مدينة درنة على ساحل البحر المتوسط وجرفت مباني متعددة الطوابق بالعائلات التي كانت تنام داخلها.
وقالت المنظمة الدولية للهجرة في ليبيا الأربعاء 13 سبتمبر/أيلول 2023، في منشور على منصة إكس، إن ما لا يقل عن 30 ألفاً نزحوا في درنة، المدينة الأكثر تضرراً من العاصفة دانيال، وذلك في وقت أعلن فيه وكيل وزارة الصحة بحكومة الوحدة الوطنية الليبية، سعد الدين عبد الوكيل، أن عدد قتلى الفيضانات التي اجتاحت عدداً من مدن وبلدات المنطقة الشرقية تجاوز 6 آلاف.
وما يزال البحر يلقي بالجثث إلى الشاطئ في شرق ليبيا، ليزيد من محصلة قتلى عاصفة دمرت تماماً أحياء بأكملها على الساحل مع إفادة مسؤولين بأن نحو 10 آلاف شخص على الأقل في عداد المفقودين، بينما شرد نحو 30 ألفاً آخرين، وذلك حسب إحصاءات مكتب منظمة الأمم المتحدة للمهاجرين في ليبيا، وقال رئيس بلدية درنة إن حصيلة القتلى الإجمالية ستتراوح ما بين 18 ألفاً و20 ألف شخص.
أمام هذه الفاجعة، نحاول أن نبحث إن كانت ليبيا قد تلقّت الدعم الكافي من الدول العربية والأجنبية والأمم المتحدة أم أنها تُركت لتواجه الكارثة لوحدها؟ ونسلط الضوء على الفارق بين الإقبال الدولي على مساعدة المغرب بعد الزلزال الذي ضرب عدة مدن في المملكة وبين المساعدة الموجهة لليبيا.
ليبيا تعلن المناطق منكوبة وتطلب المساعدات/هل كان حجم المساعدات كافياً؟
أعلن المجلس الرئاسي في ليبيا في بيان، يوم الإثنين 11 سبتمبر/أيلول 2023، درنة وشحات والبيضاء في برقة بالشرق مناطق منكوبة، بسبب السيول التي اجتاحتها.
وقال في البيان "شعورا منا بالمسؤولية ونظرا للتداعيات الجسيمة للكارثة، نعلن تلك المنطقة منطقة منكوبة ونطلب من الدول الشقيقة والصديقة والمنظمات الدولية تقديم المساعدة والدعم".
وبعد رسائل التعزية والدعم، أعربت العديد من الدول أبرزها الولايات المتحدة وإيطاليا وفرنسا والأمم المتحدة وقطر ومصر وتونس، عن استعدادها لمساعدة عناصر الإغاثة المحليين الذين ظهروا في صور نشرها سكان على الشبكات الاجتماعية مذهولين من حجم الكارثة وسط مشهد مروع.
وحتى الآن تلقت ليبيا مساعدات إنسانية من 12 دولة مختلفة لإغاثة متضرري السيول والفيضانات، وذلك وفقاً لما أعلنته حكومة الوحدة الوطنية الليبية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، وذكرت أن تلك الدول هي "تركيا ومصر والأردن والكويت والإمارات وقطر وتونس والجزائر ومالطا وإيطاليا وإسبانيا وفرنسا".
وأضافت أن المساعدات "شملت قوافل تضم فرق إنقاذ وانتشال الجثث وكلاب أثر مدربة ومستشفيات ميدانية وأطقماً طبية وأجهزة دروب واستشعار حراري وفرق غوص وشفط المياه ومواد غذائية ومواد إيواء وسفن وطائرات للمساعدة في عمليات البحث".
وأعلن وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث تخصيص 10 ملايين دولار لدعم المتضررين من الفيضانات في ليبيا، فيما قال المفوض الأوروبي لإدارة الأزمات، جانيز لينارتشيتش، إن التكتل خصص أيضا مبلغا بصفة مبدئية قدره 500 ألف يورو كتمويل طارئ.
مقارنة مع الكوارث الأخيرة
رغم أن السلطات المغربية لم توجه دعوات لمساعدة فرقها المحلية في جهود الإنقاذ والاستجابة للكوارث، إلا أن حوالي 60 دولة من مختلف دول العالم عرضت تقديم مساعدات في عمليات الإغاثة في أعقاب الزلزال، ولم يقبل المغرب المساعدات إلا من دول قليلة بما في ذلك الإمارات وإسبانيا وقطر وبريطانيا وفقاً لبيان صادر عن وزارة الداخلية يوم الأحد الفائت.
يشار إلى أنه عقب الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا في فبراير/شباط الماضي، قامت الحكومة التركية بتفعيل طلب المساعدة الخاص بالمجموعة الاستشارية الدولية للبحث والإنقاذ في غضون ساعات من وقوع الكارثة حيث شرع إلى البلاد 49 فريقا يضم 3500 شخص بالإضافة إلى كلاب إنقاذ.
وقد تعيق الاعتبارات السياسية جهود الإنقاذ الدولية حيث تأخرت جهود الإغاثة الأممية لإنقاذ ضحايا الزلزال في سوريا حيث كانت الأمم المتحدة تنتظر حصولها على إذن من الحكومة السورية.
وعقب الزلزال المدمر الذي ضرب اليابان عام 2011، لم تقبل طوكيو سوى المساعدة من 24 دولة ومنطقة رغم أن 163 دولة عرضت المساعدة حيث لعبت السياسة دورا في ذلك فيما أدت البيروقراطية إلى تأخر وصول فرق الإنقاذ.
ماذا أرسلت الدول لمساعدة ليبيا؟
أعلن السفير الأمريكي لدى ليبيا ريتشارد نورلاند على منصة "إكس" أن السفارة أصدرت "إعلانويجه فريق تقييم بتنسيق من الحماية المدنية (الإيطالية) إلى البلاد".
ووجه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بتجهيز حاملة طائرات مصرية من نوع "ميسترال" مستشفى ميدانياً للمساعدة في جهود الإغاثة في ليبيا.
وقال الناطق العسكري الرسمي للقوات المسلحة المصرية غريب عبد الحافظ غريب إن "ثلاث طائرات نقل عسكرية أقلعت من قاعدة شرق القاهرة الجوية متجهة إلى دولة ليبيا محملة بكميات كبيرة من المساعدات الإنسانية التي تشمل كميات من الأدوية والمستلزمات الطبية المقدمة من وزارة الصحة والسكان، بالإضافة إلى أعداد كبيرة من الخيام وأطقم للبحث والإنقاذ وعربة إغاثة ومجموعات عمل من جمعية الهلال الأحمر".
وقال الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية القطرية ماجد الأنصاري في إحاطة إعلامية "ستصل مساء اليوم الثلاثاء 12 أيلول/سبتمبر 2023 إلى مطار بنينا الدولي في بنغازي أول طائرة حاملة على متنها مستشفى ميدانيا مقدما من صندوق قطر للتنمية، ومواد طبية غذائية مقدمة من الهلال الأحمر القطري واللجنة الدائمة لأعمال الإنقاذ والإغاثة والمساعدات الإنسانية في المناطق المنكوبة بالدول الشقيقة والصديقة".
وقررت فرنسا إرسال مستشفى ميداني إلى ليبيا لمساعدة السكان المتضررين، على ما أعلن وزير الداخلية جيرالد دارمانان الثلاثاء.
وأعلنت إدارة الكوارث والطوارئ التركية "آفاد" عن بدء فرقها تقديم الدعم للشعب الليبي وإجراء عمليات البحث والإنقاذ، بعد وصولها إلى المناطق التي ضربتها السيول والفيضانات. وقال وزير الصحة التركي فخر الدين قوجه، الأربعاء 13 سبتمبر/أيلول 2023، إن أنقرة سترسل سفينة إلى ليبيا تحمل معدات لإقامة مستشفيين ميدانيين مع طاقم من 148 فرداً، جراء الإعصار المدمر الذي ضرب شرق البلاد، وأوقع آلاف القتلى، فيما تتواصل جهود البحث عن المفقودين.
وكانت تركيا أرسلت بالفعل ثلاث طائرات لنقل المساعدات الإنسانية، بالإضافة إلى فريق إنقاذ، وفريق طبي مؤلف من 11 عضواً، إلى ليبيا أمس الثلاثاء.
وقالت فرنسا أنها سترسل مستشفى ميدانيا ونحو 50 عسكريا ومدنيا قادرين على علاج 500 شخص يوميا، وأرسلت الإمارات طائرتي مساعدات على متنهما 150 طنا من المواد الغذائية والإغاثة والإمدادات الطبية إلى بنغازي.
وقالت الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية إن الأردن أرسل طائرة محملة بالمساعدات الإنسانية، كما أعلنت وزارة الدفاع الإيطالية الأربعاء إبحار سفينة وإقلاع طائرتين عسكريتين لنقل الخبراء والمعدات اللوجستية الأساسية.
يلاحظ أنه حصل تأخر بوصول المساعدات، حيث كانت مصر من بين أوائل الدول التي أرسلت، بيد أن جهود الإنقاذ يعرقلها الوضع السياسي في ليبيا، مع انقسام البلاد بين حكومتين متنافستين.