أثار قرار الحكومة المصرية بشأن ضوابط تحصيل رسوم الإقامة بالدولار أو ما يعادله بالعملة المحلية جدلاً واسعاً بين أكثر من 9 ملايين مهاجر يوجدون على الأراضي المصرية.
وتتجه الحكومة المصرية إلى اتخاذ مزيد من الإجراءات التي تصعّب عملية توافد الفارين من الصراعات والنزاعات، وذلك بالتزامن مع الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها.
وكشف مصدر حكومي مطلع لـ"عربي بوست"، أن القرارات الصادرة عن الحكومة تستهدف من دخلوا إلى البلاد بصورة غير شرعية، وليست لها علاقة بمن لديهم أوراق ثبوت شرعية.
وأضاف المتحدث أن الهدف الرئيسي يتمثل في تضييق الخناق على المهاجرين بصورة غير شرعية دون أن يكون لدى الجهات الرسمية معلومات دقيقة عنهم، وأن القرارات قد تدفع هؤلاء إما إلى تقنين أوضاعهم وإما العودة مرة أخرى إلى بلادهم.
مخاوف أمنية مصرية
أكد المصدر أن الأجانب الذين يوجدون على الأراضي المصرية بطريقة غير شرعية سيكون عليهم البحث عن "ضامن" مصري؛ لكي يتمكنوا من البقاء أو العودة إلى بلدهم الأصلي وإعادة الدخول بشكل شرعي، وقد يكون ذلك المستأجرَ مثلاً أو شخصاً يتعرف عليه.
وأضاف أن الإقامة التي سوف تُمنح للمخالفين قد تصل إلى مدة عام واحد، لكن الرسوم التي حددتها الحكومة تصل إلى 1000 دولار أو ما يوازيها بالعملات المصرية، سيتم دفعها مرة واحدة فقط، على أن تجدد الإقامة وفقاً للرسوم العادية.
وأشار إلى أن السودانيين الذين دخلوا إلى مصر بأوراق ثبوت محلية دون حصولهم على تأشيرات في أعقاب اندلاع الحرب ببلادهم هم الفئة الأكثر تأثراً بالقرار المصري.
وقال المصدر نفسه إن هناك مخاوف أمنية مصرية من دخول متطرفين في ظل حالة الفوضى التي شهدتها المعابر المصرية خلال الشهر الأول من حرب السودان تدفع نحو هذا القرار بما يجعل هناك قدرة على دراسة حالتهم الأمنية، خاصةً أن السودانيين ينتشرون في مناطق عديدة ويصعب الوصول إليهم.
وتعد عمليات تهريب البشر المستمرة عبر الحدود المصرية الليبية، هاجساً آخر يؤرق السلطات المصرية، وفقاً للمتحدث ذاته، الذي يرى أن جنسيات عديدة دخلت إلى البلاد عبر الحدود البرية الشاسعة، وهؤلاء يشكلون خطراً أمنياً في المقام الأول، وأن أجهزة أمنية كانت لديها تقارير بشأن ضرورة توفيق أوضاع المهاجرين حتى تسهل مهمتها في ضبط العناصر الخطرة.
جذب العملة الصعبة
وأصدر رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، قراراً ينظم ضوابط تحصيل رسوم الإقامة بالدولار أو ما يعادله، ومنح الأجانب المقيمين بصورة غير قانونية مهلة لتقنين أوضاعهم وإقامتهم في البلاد.
ونص قرار الحكومة المصرية على أنه يتعين على الأجانب المتقدمين للإدارة العامة للجوازات والهجرة والجنسية، للحصول على حق الإقامة للسياحة أو لغير السياحة، تقديم إيصال يفيد بتحويلهم ما يعادل الرسوم بالدولار أو ما يعادله.
كما يجب على الأجانب المقيمين في البلاد بصورة غير شرعية تقنين أوضاعهم شريطة وجود مُستضيف مصري الجنسية، وذلك خلال ثلاثة أشهر من تاريخ العمل بهذا القرار، مُقابل سداد مصروفات إدارية بما يعادل ألف دولار أمريكي تودع بالحساب المخصص لذلك، وفقاً للقواعد والإجراءات والضوابط التي تحددها وزارة الداخلية.
ويشير مصدر مسؤول على صلة بأوضاع اللاجئين في مصر، إلى أن القرار الحكومي يهدف لجذب العملة الصعبة سواء كان ذلك بشكل مباشر من خلال تسديد الرسوم بالدولار أو تقديم ما يثبت تحويل الأموال التي لديه بالعملة المحلية من الدولار، وذلك ضمن مجموعة من الإجراءات التي قامت الحكومة المصرية باتخاذها على مدار الأشهر الماضية، للحصول على أكبر قدر من العملة الصعبة.
جوانب سلبية
وحسب مصدر "عربي بوست"، فإن قرار الحكومة المصرية الذي حدد جهات بعينها لتوريد الدولار أو تقديم ما يثبت استبداله يستهدف منع تحويل الدولار والعملات الأجنبية في السوق السوداء، وتحويلها عن طريق القنوات الشرعية في البنوك أو شركات الصرافة المعتمدة.
ويكشف المصدر أن هناك تقارير تم رفعها للمسؤولين بكون القرار له جوانب سلبية وقد يحقق أهدافاً عكسية، لأن فرض رسوم باهظة التكاليف على المهاجرين تدفعهم مباشرة إلى مغادرة البلاد بلا عودة والبحث عن مواقع أخرى يمكن أن تكون مناسبة بالنسبة إليهم.
وأشار المتحدث في تصريح لـ"عربي بوست"، إلى أن هؤلاء الفارين من الصراعات المشتعلة بالمنطقة العربية أصبح لديهم شعور عام بأن الحكومة المصرية تسعى للاستفادة منهم بأكبر قدر ممكن.
هؤلاء يرون، وفقاً للمتحدث، أن أوضاعهم الاقتصادية لا تسمح بذلك، كما أن كثيراً من هؤلاء لديهم قناعة بأنهم يفيدون الحكومة المصرية، ولا يشكلون عبئاً عليها، لأنهم يساهمون في إدخال العملة الصعبة التي تحتاجها الحكومة حالياً وبشكل عاجل.
وفي المقابل ترى الحكومة أنها "تقدم خدمات للمهاجرين وعليهم دفع مقابل ذلك، وأن مخالفة الإجراءات الحكومية لابد أن يكون في مقابلها رسوم مالية تعوض الدولة، كما أن فرض الرسوم لمرة واحدة فقط يوفر الأمان الذي يحتاجه المهاجرون للبقاء فترات طويلة دون أن يتعرضوا لأي مضايقات"، بحسب ما أكده المتحدث ذاته.
أكثر من 9 ملايين لاجئ في مصر
وتقدر المنظمة الدولية للهجرة، في تقريرها الذي صدر قبل عام تقريباً، أعداد المهاجرين الدوليين الذين يعيشون في مصر بـ9 ملايين و12 ألفاً و582 مهاجراً، أي ما يعادل 8.7% من إجمالي السكان المصريين البالغ تعدادهم 103 ملايين و655 ألفاً و989 نسمة.
وتأتي هذه المجموعة من المهاجرين من 133 دولة، بينهم المجموعات الكُبرى مثل المهاجرين السودانيين (4 ملايين) والسوريين (1.5 مليون) واليمنيين (مليون) والليبيين (مليون)، وتشكل هذه الجنسيات الأربع 80% من المهاجرين المقيمين حالياً في البلاد، وفقاً للمنظمة الدولية للهجرة.
يظهر التقييم أن متوسط عمر المهاجرين فى مصر هو 35 سنة، وبحسب المنظمة أيضاً فإن المهاجرين في مصر يساهمون بشكل إيجابي في سوق العمل ونمو الاقتصاد المصري.
وعلى سبيل المثال، يعتبر السوريون الذين يشكلون 17% من أعداد المهاجرين الدوليين في مصر، من أفضل الجنسيات التي تساهم بشكل إيجابي في سوق العمل والاقتصاد المصري. ويقدر حجم الأموال التي استثمرها 30 ألف مستثمر سوري مُسجل في مصر بنحو مليار دولار.
مناشدات لاستثناء الحالات القهرية
تحدث "عربي بوست" إلى ميسون إبراهيم، وهي ربة أسرة سودانية فرت إلى القاهرة مع اندلاع القتال في العاصمة الخرطوم قبل أربعة أشهر، فقالت إنها وصلت إلى الحدود بين البلدين دون أن تتمكن من استخراج تأشيرة لدخول الأراضي المصرية، ومع وجود أعداد غفيرة على الحدود والتي كادت تؤدي إلى كارثة نتيجة الزحام تمكنت من الدخول إلى الأراضي المصرية بأوراق الثبوت المحلية، لكن حتى الآن لم تستخرج إقامة رسمية.
وناشدت الحكومة المصرية أن تستثني الحالات التي تعرضت لظروف قهرية ودفعتها للدخول إلى أراضيها دون تأشيرات دخول مسبقة، لأن أوضاع الحرب هي التي فرضت ذلك.
وأضافت المتحدثة أنها ستكون مضطرة إلى دفع 5000 آلاف دولار في حال استخرجت إقامة لها وأبنائها الأربعة، وهو مبلغ لن تستطيع تحمله، وسيكون الرجوع للسودان وأن تلقى مصيرها هناك، حلاً وحيداً بالنسبة لها.
وتابعت: "ليس لدينا علم بتفاصيل القرار المصري، ولا ندري كيف يمكننا توفير ضامنين لإقامتنا ونحن لا نعرف أحداً، وليس لدينا مصدر دخل بالدولار، مطالبة بتدخل مفوضية اللاجئين الدولية لإيجاد حلول لمن فروا من الحروب، خاصةً أن المفوضية ترفض الاعتراف بغالبية السودانيين الذين جاءوا إلى مصر مع اندلاع الحرب".
ووفقاً لأرقام مصرية غير رسمية تقدر أعداد السودانيين الذين دخلوا البلاد منذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني والدعم السريع في 14 أبريل/نيسان الماضي، بأكثر من 300 ألف مهاجر.
وبحسب منظمة الهجرة الدولية فإن هناك 255 ألفاً و565 سودانياً مسجلين وصلوا إلى مصر، لكن منذ 18 يونيو/حزيران لم تتلق المنظمة أرقاماً محدثة من وزارة الخارجية السودانية.
ولم يختلف وضع اللاجئة السودانية عما يعانيه عبد الرحيم الفاتح، وهو مهاجر يمني فر إلى القاهرة قبل ثلاث سنوات، مشيراً إلى أنه حصل على إقامة لمدة عام في مصر هو وزوجته بناءً على منحة دراسية حصلت عليها ابنته.
لكن باقي أفراد أسرته الثلاثة انتهت فترة إقامتهم وسيكون عليه استخراج وثيقة جديدة، مشيراً إلى أنه قد يكون مضطراً إلى دفع 3000 دولار، وهو مبلغ لن يتمكن من تحمله، وسيكون خيار إعادة أبنائه أو عودته هو وأسرته بأكملها خياراً مطروحاً.
لأول مرة.. قانون لحصر أعداد اللاجئين
ويلفت إلى أن الحكومة المصرية طوال السنوات الماضية لم تتخذ أي إجراءات من شأنها التضييق على المهاجرين، لكن الوضع أخذ في التغير مع اندلاع الحرب السودانية وتفاقم الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها البلاد، وهو ما خلق شعوراً لدى المهاجرين بأن أوضاعهم لن تحظى بالاستقرار الذي كانوا ينعمون به قبل عامين أو أكثر.
ومنذ العام 2018 بدأت الحكومة المصرية الالتفات إلى كيفية الاستفادة من المهاجرين، للتعامل مع مشكلات شح العملة، وأصدرت قراراً قضى بمنح الأجانب إقامة لغير السياحة بشكل مؤقت في مصر لمن يمتلك عقاراً أو أكثر داخل مصر.
وألزمت مصر الأجانب بتبديل العملات الأجنبية اللازمة لسداد رسوم (الإقامة – غرامات التخلف – تكاليف إصدار بطاقة الإقامة) إلى الجنيه المصري من أحد البنوك أو شركات الصرافة المعتمدة، وفقاً لبيان حكومي الخميس.
لكنها وجدت أن القرار لم يحقق الأثر المرجو منه وأدخلت تعديلات عليه في شهر مايو/أيار الماضي، هدفت إلى تخفيف إجراءات منح الإقامة (المؤقتة) للأجانب لغير السياحة، منها "منح الإقامة لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد لمن يمتلك عقاراً أو أكثر في مصر لا تقل قيمته عن مئتي ألف دولار، أو إقامة لمدة 3 سنوات قابلة للتجديد لمن يملك عقاراً تبلغ قيمته مئة ألف دولار، وكذا إمكانية حصول الأجانب في مصر على إقامة لمدة 3 سنوات مقابل وديعة بنكية بقيمة ألف دولار أو ما يعادلها بالعملات الأجنبية".
وقبل شهر ونصف تقريباً، أقرت الحكومة المصرية مشروع قانون لجوء الأجانب، الذي يهدف إلى إجراء حصر رسمي لأول مرة عن أعداد اللاجئين في مصر لتوفيق أوضاعهم خلال عام من إقرار اللائحة التنفيذية للقانون، وتضمن القانون إنشاء اللجنة الدائمة لشؤون اللاجئين، وتتبع رئيس مجلس الوزراء، الذي سيصدر قرار تشكيل أعضائها، على أن تتولى اللجنة إعداد تقرير بنتائج أعمالها كل ثلاثة أشهر.
التضييق بسبب ضعف التمويل الغربي
ويؤكد مصدر حقوقي لـ"عربي بوست"، أن الحكومة المصرية بدأت تضيق ذرعاً بوجود المهاجرين على أراضيها، وهو ما يظهر من خلال تقييد حركة دخول السودانيين إلى أراضيها حتى مع الحصول على تأشيرة دخول.
وتشترط أولاً إجراء استعلام معلوماتي حول الشخص الساعي للدخول، وأن الإجراءات الأخيرة تشير إلى كونها تسعى للاستفادة من وجود الملايين على أراضيها في ظل ضعف التمويل الغربي لها مع مطالبها المتكررة بأهمية وجود دعم مالي واقتصادي لاستيعاب تلك الأعداد.
وأكد المتحدث أن الحكومة المصرية ترسل إشارات عديدة إلى مفوضية الاتحاد الأوروبي وغيرها من الدول المتضررة من استمرار وصول الهجرة غير الشرعية إليها، بأنها سوف تذهب باتجاه مزيد من تضييق الخناق على المهاجرين، وحثهم على التحرك، في ظل تحمل أعداد هائلة منهم لما يقرب من عقد تقريباً مع اندلاع ثورات الربيع العربي، وأنه حان وقت رد الجميل في ظل أوضاع اقتصادية صعبة تعانيها مصر.
ويرى المصدر ذاته، أن الفترة المقبلة ستكون معرضة لمزيد من التوتر بين مصر ودول أوروبية تخشى من أن تتسبب الإجراءات المصرية في زيادة أعداد الوافدين إليها سواء كان ذلك بشكل مباشر عبر الحدود المصرية أو تمدد جماعات التهريب التي تعمل على إيصال المصريين الساعين للهجرة غير الشرعية إلى الأراضي الليبية ومنها إلى أوروبا، وأن اللاجئين السودانيين واليمنيين وغيرهم سيكونون وقوداً لتلك الجماعات التي تنشط على الحدود المصرية الليبية الشاسعة.