علم "عربي بوست"، من مصادر قريبة من الحكومة ودوائر صنع القرار في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بتزايد النفوذ السياسي لجميلة علم الهدى، زوجة الرئيس إبراهيم رئيسي في تواجد نادر وغير مسبوق لزوجات الرؤساء في إيران.
وأصبحت جميلة علم الهدى تتواجد بشكل متزايد في الحياة العامة في إيران في الآونة الأخيرة، خاصة بعد أن بدأت في الدفاع عن حقوق المرأة في ظل الجمهورية الإسلامية بعد الاحتجاجات الأخيرة التي أعقبت وفاة الشابة "مهسا أميني" في منتصف شهر سبتمبر/أيلول الماضي.
وعقدت زوجة الرئيسي العديد من اللقاءات الصحفية والتلفزيونية للدفاع عن المرأة الإيرانية، كما أنها صاحبت زوجها في رحلته إلى دول أمريكا اللاتينية، وتحدثت هناك بالتحديد في فنزويلا عن سجل إيران والإسلام فيما يخص حقوق المرأة.
كما أن زوجة الرئيس الإيراني الحالي إبراهيم الرئيسي، جميلة علم الهدى، أقامت مؤتمراً خاصاً بـ"النساء المؤثرات" الأول الذي جمع زوجات الرؤساء من مختلف بلدان العالم، للتحدث عن حقوق النساء.
لكن ما كواليس هذا الظهور الاجتماعي الملحوظ والمتزايد في الأشهر القليلة الماضية لزوجة الرئيس الإيراني؟
جميلة علم الهدى.. والسيطرة على قرارات الرئيس السياسية
يقول مسؤول حكومي بارز لـ"عربي بوست"، شريطة عدم الكشف عن هويته، إن "السيدة جميلة علم الهدى، منذ اليوم الأول لتولي إبراهيم رئيسي منصبه، وهي تمارس نفوذاً غير مسبوق لزوجة رئيس في إيران، وصل الأمر إلى حد اقتراحها لبعض من أعضاء حكومته".
وأضاف المصدر ذاته: "لقد قامت جميلة علم الهدى، بإقناع رئيسي بالعديد من القرارات السياسية فيما يخص تعيين نوابه خاصة الاقتصاديين، ووصل الأمر إلى عقدها لقاءات مع المسؤولين والمرشحين لتولي الحقائب الوزارية، لإعطاء القرار النهائي لزوجها في مسألة ترشيحهم أمام البرلمان".
وبالرغم من ترحيب الدوائر السياسية الأصولية والتي تدعم زوجها منذ البداية، لدور جميلة في مجال الدفاع عن حقوق المرأة، وإشادة مسؤولين كبار في الدولة مثل وزير الخارجية بعملها، إلا أن طموحها السياسي غير المألوف بالنسبة لزوجات الرؤساء في إيران قد أثار استياء كبار المسؤولين.
يقول مسؤول حكومي مقرب من عائلة إبراهيم رئيسي، لـ"عربي بوست"، إن "جميلة علم الهدى، تريد أن يكون لها دور بارز في الحياة السياسية، ولا يقتصر على كونها زوجة الرئيس، وبصراحة فإن شخصية إبراهيم رئيسي ساعدت طموحها هذا، فهو يأخذ برأيها في كل كبيرة وصغيرة".
وعلى سبيل المثال، يقول المصدر ذاته إن جميلة كانت وراء عدم إقالة صراع محمد مخبر النائب الأول للرئيس، والذي تعرض لانتقادات بسبب أنه لم ينجح في المهمة، وكانت هناك أصوات من دوائر الرئيس تُطالب بإقالته.
غضب خامنئي
ازدياد النفوذ السياسي لجميلة علم الهدى إلى درجة واضحة، جعل الأمر يصل إلى المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي مباشرة، والذي بدوره قرر التدخل في هذه المسألة.
في هذا السياق، يقول مصدر من مكتب المرشد الأعلى الإيراني لـ"عربي بوست": "بالطبع مسألة تدخل زوجة الرئيس في شؤون الحكومة وصلت إلى خامنئي الذي تابع الأمر لفترة، وبعد هذه المتابعة أبدى غضبه وانزعاجه من الحضور الكبير لزوجة الرئيس في الشؤون السياسية".
وبحسب المصدر، فإن المرشد الأعلى أرسل رسالة إلى رئيسي، يحثه فيها على الحد من النفوذ السياسي لزوجته، قائلاً: "لم يكن أمام خامنئي سوى التصرف بمرونة في البداية، وأرسل رسالة تحذيرية إلى رئيسي ليرى ماذا سيفعل، لكن إلى الآن لا يوجد تغيير في سلوك رئيسي ولا سلوك زوجته".
وتحفظ المصدر من مكتب المرشد الأعلى عن الإدلاء بالخطوات المحتملة في حال استمرار تدخل زوجة الرئيس، جميلة علم الهدى، في شؤون الحكومة، قائلاً لـ"عربي بوست": "الأمر يقع في يد القائد علي خامنئي، هو وحده الذي يستطيع قول ما الذي يجب فعله ونحن لا نعلم شيئاً".
يقول سياسي أصولي مقرب من دائرة صنع القرار العليا في إيران، لـ"عربي بوست": "لم نشهد أي زوجة لرئيس تتدخل في شؤون عمل الحكومة من قبل، لكن السيدة جميلة تجلس مع المسؤولين، وتتخذ القرارات التي تقنع بها رئيسي بكل سهولة، ووصل الأمر إلى حد تدخل جميلة علم الهدى في الشؤون الاقتصادية للحكومة".
ويضيف المصدر ذاته قائلاً: "كلنا نعلم أو اكتشفنا أن شخصية إبراهيم رئيسي ضعيفة إلى حد ما، ومن الضروري أن يكون هناك من يوجهه في الكثير من الأمور، لكننا لم نتصور أن يكون هذا الشخص هو زوجته، التي لا دراية لها بأمور إدارة حكومة".
من هي جميلة علم الهدى؟
ولدت جميلة علم الهدى في مدينة مشهد شمال شرقي إيران، عام 1965 لعائلة دينية بارزة، والدها هو آية الله أحمد علم الهدى، إمام صلاة الجمعة لمدينة مشهد، وممثل المرشد الأعلى الإيراني في محافظة خراسان، كما أنه عضو في مجلس الخبراء المكون من 88 رجل دين والمكلف بتعيين المرشد الأعلى لإيران، بالإضافة لكونه صاحب نفوذ سياسي وديني قوي على مدينة مشهد.
تزوجت جميلة علم الهدى من إبراهيم رئيسي سنة 1983 وهي في عمر الثامنة عشرة، وبالرغم من كونها تنحدر من عائلة دينية تقليدية إلا أنها استطاعت استكمال دراستها، وحصلت جميلة علم الهدى على درجة الماجستير في العلوم التربوية.
وهي عضوة في هيئة التدريس بجامعة الشهيد بهشتي، وأسست في نفس الجامعة قسم الدراسات الأساسية والعلوم والتكنولوجيا وترأسته، كما أنها عضوة في مجلس إدارة مدرسة الإمام الرضا للقرآن الكريم، وأسست مركز "عترت" لتعليم المديح والقرآن الكريم والفلسفة الإسلامية ويشاركها في إدارته ابنتها ريحانة سادات إبراهيم رئيسي الساداتي وزوجها.
وتعتبر جميلة علم الهدى من أعلى زوجات رؤساء إيران تعليماً ونشاطاً في المناصب الثقافية والتعليمية.
وقال مصدر مقرب من عائلة إبراهيم رئيسي لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم ذكر اسمه: "السيدة جميلة علم الهدى لديها طموح كبير، ليس فقط على المستوى السياسي ولكن أيضاً الاجتماعي والثقافي".
ويشير المصدر ذاته إلى أنها قبل الانتخابات الرئاسية عام 2017 عندما كان زوجها يتنافس مع الرئيس المعتدل حسن روحاني، استغلت منصبها في المجلس الأعلى للثورة الثقافية، وأرسلت عدداً من التقارير التي تفيد بانحراف حكومة روحاني عن المبادئ الثورية والإسلامية.
وقال المتحدث: "تم إرسال هذه التقارير إلى المرشد الأعلى مباشرة وأعتقد أنه اطلع عليها بنفسه، لأنه ألقى باللوم على حكومة روحاني في إحدى المناسبات، لأنها تمسكت بتطبيق وثيقة اليونسكو لعام 2030".
وبحسب المصدر ذاته، فإن جميلة علم الهدى وجدت في وثيقة اليونسكو لعام 2030 للتنمية المستدامة مبادئ تتعارض مع سير عمل الحكومة الإسلامية في إيران، ومنها الاختلاط بين التلاميذ من الجنسين في سن مبكرة".
وأضاف مصدر "عربي بوست" أنه "في التقارير التي أرسلتها جميلة علم الهدى واللجنة التي كانت تترأسها في المجلس الأعلى للثورة الثقافية، لمكتب المرشد الأعلى، أشارت إلى أن وثيقة اليونسكو تتبنى أنماط الحياة الغربية المرفوضة في إيران مثل المساواة بين الجنسين".
السيدة الأولى لإيران؟
بالإضافة إلى نفوذ جميلة علم الهدى المتزايد في شؤون الحكومة والذي أثار غضب المؤسسة السياسية العليا، جاءت مسألة استخدام لقب السيدة الأولى لإيران، ليثير الكثير من الجدل حول طموح زوجة الرئيس الإيراني.
في هذا الصدد، يقول سياسي أصولي مقرب من دوائر صنع القرار في إيران لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم الكشف عن هويته نظراً لحساسية الموضوع: "في مؤتمر النساء المؤثرات الذي أقامته السيدة جميلة تمت الإشارة إليها في كثير من الأوقات بلقب السيدة الأولى لإيران".
وأضاف المتحدث أنه في الكثير من التقارير الإعلامية التي غطت الحدث، استخدمت نفس اللقب للإشارة إلى زوجة الرئيس، وهذا اللقب غربي وغير موجود في إيران، واستخدامه للإشارة إلى جميلة علم الهدى يعزز كل ما يقال عن نفوذها المتزايد وطموحها السياسي".
وعلى الرغم من أن جميلة علم الهدى قالت إنها لا تعتبر نفسها السيدة الأولى لإيران، بل السيدة الأولى هي زوجة المرشد الأعلى، التي رافقته في أوقاته الصعبة، في إشارة إلى نفيه وسجنه في عهد الشاه، إلا أن حديثها عن إعجابها بميشيل أوباما، يشير إلى عكس حديثها.
ووضعت السيدة جميلة علم الهدى نفسها ضمنياً في مكانة السيدة الأولى عندما قالت "طلبوا مني أن أكتب كتاباً مشابهاً لكتاب ميشيل أوباما، حتى إنني بدأت في عمل مسودة الكتاب وعرضتها على إبراهيم رئيسي، وقال إن تأليف كتابك في هذا المجال هو الشيء الصحيح الذي ينبغي عمله الآن".
وتعليقاً على هذه التصريحات، يقول السياسي الأصولي المقرب من المؤسسة السياسية لـ"عربي بوست": "جميلة علم الهدى هي الأعلى تعليماً بين زوجات الرؤساء السابقين، لكن هل وضعها الحالي ووضع زوجها السياسي وفشل حكومته في حل العديد من الأزمات، يؤهلها لكتابة مثل هذا الكتاب. إنه طموح مبالغ فيه ولا أساس له".
"منصورة" في المنزل
لقب السيدة الأولى في إيران يُنظر إليه على أنه مسألة غربية، وليست محل اهتمام أو أهمية، لـ"أن زوجات السياسيين والمسؤولين والرؤساء مكانهم الأهم في المنزل كزوجة وأم"، يقول المرشد الأعلى الإيراني ذلك مراراً وتكراراً.
فعلي سبيل المثال زوجة آية الله علي خامنئي، منصورة خجسته باقر زاده، لا نجد الكثير من المعلومات عنها، ولا تلقي الخطابات ولا تشارك في الاحتفالات والمناسبات الدينية والوطنية بشكل رسمي، وحتى إن شاركت فبشكل نادر ولا يتم نشر صورها في وسائل الإعلام.
لديها مقابلة قديمة تعود إلى عام 1993 في مجلة "محجوبة"، وهي مجلة ثقافية اجتماعية، تحدثت فيها عن حياتها مع المرشد الأعلى في عهد الشاه وما تعرض له زوجها من تعذيب وسجن لمعارضته حكم شاه إيران، كما قالت إنها لا تتحمل أي مسؤولية سياسية بعد أن أصبحت زوجة المرشد الأعلى، دورها كله في المنزل للحفاظ على الأسرة.
زوجات الرؤساء السابقين
"السيدة الأولى" ليس منصباً في إيران ولا يوجد له مكان قانوني في النظام السياسي الإيراني، يظهرن فقط في الانتخابات الرئاسية لدعم أزواجهن المرشحين، ولكن أيضاً يتم هذا الأمر بشكل قليل.
أقل زوجات الرؤساء السابقين ظهوراً كانت صاحبة عربي زوجة الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني، وكانت تتجنب الظهور في المقابلات الصحفية أو المناسبات العامة، اكتفت فقط بالمشاركة القليلة جداً في بعض المناسبات الوطنية والأعمال الخيرية.
أما زوجة الرئيس محمود أحمدي نجاد، أعظم فراحي، فكانت دائمة الظهور بجانب زوجها في المناسبات العامة، لكن لم يكن لها أي دور سياسي بالطبع، فقط أرسلت رسالة إلى سوزان مبارك، زوجة الرئيس المصري السابق حسني مبارك، تحثها فيها على مساعدة الشعب الفلسطيني.
كما أن زهرة صادقي، زوجة الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي، لم يكن لها أي نشاط سياسي بالرغم من انحدارها من أسرة سياسية معروفة، واكتفت بتأسيس جمعية خيرية عام 1999.
لكن الأمر مختلف قليلاً بالنسبة إلى عفت مرعشي، زوجة الرئيس علي أكبر هاشمي رفسنجاني، واحد من أهم رجالات الثورة الإسلامية، والتي كان لها حضور كبير في حياة الرئيس هاشمي رفسنجاني، وليس دوراً سياسياً، وتناول رفسنجاني هذا الأمر في مذكراته التي تفيد بأنه كان يستشير عفت مرعشي في كل أموره السياسية.
وبالعودة إلى زوجة الرئيس الحالي، جميلة علم الهدى، نجد أنها الأكثر نشاطاً في دعم زوجها، سواء في حملات الانتخابات الرئاسية السابقة، أو في إدارة شؤون حكومته، مقارنة بما سبق ذكره من زوجات الرؤساء السابقين.
"جميلة علم الهدى، دعمت زوجها بنشاط غير مسبوق، في الانتخابات الرئاسية، كانت تسافر إلى مختلف المحافظات الإيرانية لتقنع الناس بانتخاب زوجها خاصة في انتخابات عام 2017 عندما كانت المنافسة شديدة بينه وبين حسن روحاني. إبراهيم رئيسي يعتمد عليها في الكثير من الأمور، نستطيع أن نقول إنها ذراعه اليمنى الآن"، بحسب مسؤول حكومي إيراني.