علم "عربي بوست" من مصادر شرطية ومسؤولين حكوميين في العاصمة الإيرانية طهران، برفع تقارير أمنية إلى المرشد الأعلى الإيراني، تفيد بتزايد السخط والإحباط العام لدى الشعب الإيراني.
وتناولت التقارير قلقاً كبيراً مع اقتراب ذكرى مسها أميني، التي قُتلت على يد إحدى دوريات الإرشاد منتصف سبتمبر/أيلول 2022، كما أن هناك تخطيطاً من طرف المتظاهرين لإحياء الذكرى وإثارة الاحتجاجات.
وكانت الحكومة الإيرانية قد قررت إعادة دوريات الإرشاد أو ما يطلق عليها "شرطة الآداب" في إيران، مرة أخرى، لممارسة عملها بعد اختفائها منذ اندلاع الاحتجاجات التي أعقبت مقتل الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني.
قانون "الحجاب والعفة"
مع اقتراب موعد الذكرى الأولى لمقتل مهسا أميني، تسربت بنود قانون الحجاب والعفة الذي صدّق عليه البرلمان الإيراني، والذي أثار الجدل بسبب التشدد الذي سيُطبق على النساء في الشوارع الإيرانية.
يقول مسؤول بارز في الشرطة الإيرانية لـ"عربي بوست": "ليت الأمور توقفت عند هذا الحد، فالشرطة تستطيع الحد من عمل دوريات الإرشاد بشكل أو بآخر لكيلا تتصادم مع النساء في الشوارع مرة أخرى وتتكرر مأساة مهسا أميني، لكن ما فعله النواب في البرلمان فجّر الغضب".
يُشير المسؤول الشرطي إلى قانون تطبيق الحجاب الجديد الذي تمت مناقشته في البرلمان الإيراني، وأثار العديد من الجدل في الفترة الأخيرة، خاصة مع الجدل الكبير من قبل المشرعين الإيرانيين، وتضارب التصريحات حول إقرار مشروع القانون أو تأجيله.
من جهته يقول نائب برلماني محسوب على التيار الأصولي لـ"عربي بوست" إن "مشروع قانون تطبيق الحجاب الجديد تم التصويت عليه بالأغلبية في البرلمان، لكن مع تسريب بعض بنوده التي أثارت غضب البعض، اضطر بعض النواب إلى تكذيب مسألة التصويت عليه، ولجأوا إلى حيلة أن القانون تمت إحالته إلى مجلس صيانة الدستور".
تجدر الاشارة هنا، إلى أن مجلس صيانة الدستور هو الهيئة المسؤولة عن النظر في مشاريع القوانين المقدمة من قبل الحكومة أو البرلمان، قبل التصديق الكامل عليها، بالإضافة إلى عمل الهيئة في فحص أهلية المرشحين للانتخابات سواء الرئاسية أو البرلمانية.
وحسب مصادر صحفية إيرانية تحدثت لـ"عربي بوست" اطلعت على بنود مشروع القانون قبل نشره، فإن القانون الجديد يشمل بعض العقوبات القاسية على النساء الرافضات لارتداء الحجاب الإلزامي في الأماكن العامة.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، سيُمنع إصدار جوازات السفر للنساء المخالفات لقانون الحجاب الإلزامي، كما سيتم فرض ارتداء "الشادور"، وهو عباءة فضفاضة من الرأس إلى القدمين باللون الأسود، على جميع الطالبات في المدارس الثانوية والجامعات، بالإضافة إلى موظفات الحكومة.
أيضاً ستُمنع المرأة التي لم تستجب لمعايير الحجاب من استخراج جوازات السفر، أو تجديد رخصة القيادة، كما أن النساء ستُمنع حتى من وضع طلاء الأظافر أو مساحيق التجميل وارتداء الأكسسوارات.
يقول صحفي إيراني مؤيد للإصلاح لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم ذكر اسمه لمخاوف أمنية، إن "القانون الجديد يحمل الكثير من التقييد على ملابس النساء في المدارس الثانوية والجامعات والحكومة، كما يوجد تشديد كبير في العقوبات ضد الرافضات للحجاب الإلزامي".
وبحسب المصدر ذاته، فإن قوانين المنع التي تمت الإشارة إليها، سيتم تطبيقها على طالبات الجامعات وموظفات الحكومة بشكل كبير.
تسريب هذه البنود آثار الغضب، ليس فقط بين قطاعات كبيرة من الشعب الإيراني، بل امتد إلى المسؤولين في الشرطة الإيرانية.
يقول مسؤول شرطي إيراني لـ"عربي بوست" إن "القانون الجديد، الذي تم التصويت عليه في البرلمان وينفى المشرعون هذا الأمر خوفاً من الغضب الشعبي بعد تسريب عدد من بنوده، سيكون القشة التي تكسر ظهر البعير".
وقال المتحدث، الذي فضّل إخفاء هويته: "كل يوم نستقبل مئات الآلاف من النساء اللاتي خالفن قانون الحجاب الإلزامي، إنهن عازمات على مواصلة عصيان الحجاب، كان من الأفضل اللجوء إلى حلول ذكية".
ويشير المصدر ذاته إلى رفض المسؤولين الأمنيين تشديد الخناق على النساء الإيرانيات فيما يخص قانون الحجاب الإلزامي، خاصة مع اقتراب الذكرى الأولى لمقتل الشابة مهسا أميني على يد الشرطة.
وقال المصدر لـ"عربي بوست": "لدينا العديد من التقارير الأمنية والاستخباراتية التي تُشير إلى عزم النشطاء السياسيين والمتظاهرين إحياء ذكرى مهسا أميني. إن مواجهة الاحتجاجات مرة أخرى سيكون مكلفاً للغاية هذه المرة".
كما أشار المسؤول الشرطي الأول إلى غضب المسؤولين الأمنيين من نواب البرلمان، قائلاً لـ"عربي بوست": "بدلاً من أن يحاولوا حل الأمور يزيدونها تعقيداً، إنهم يريدون إرضاء أنصارهم فقط دون النظر إلى أية اعتبارات أخرى".
الشرطة تلجأ للمرشد الأعلى: لم نعد قادرين على مواجهة الاحتجاجات
وسط حالة الترقب والقلق، مع اقتراب ذكرى مقتل الشابة مهسا أميني، لجأ عدد من قادة الشرطة الإيرانية إلى رفع تقارير أمنية وإرسال رسائل خاصة إلى المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، محذرين من موجة احتجاجية جديدة، مع عدم اهتمام حكومة إبراهيم رئيسي بالمسألة.
في هذا الصدد، قال مصدر من مكتب المرشد الأعلى لـ"عربي بوست" إنه "على مدار أسبوع كامل، رفع قادة الشرطة تقارير أمنية شديدة الخطورة، تفيد بفشل جميع العقوبات التي تم اقتراحها لإجبار النساء على تطبيق قانون الحجاب الإلزامي".
وأضاف المتحدث، مفضلاً عدم الإفصاح عن هويته لأنه غير مخول له الحديث لوسائل الإعلام، أن التقارير تناولت الفشل الأمني في تخويف المحال التجارية والمطاعم التي تستقبل نساءً غير محجبات، وتهديدهم بالإغلاق والغرامات".
وأضاف المصدر ذاته قائلاً: "قادة الشرطة تحدثوا في تقاريرهم عن اقتراب اندلاع احتجاجات وشيكة، خاصة بعد رصد عدد من التجمعات بين أهالي المعتقلين في الاحتجاجات الأخيرة، والنشطاء السياسيين والصحفيين".
وقال المتحدث إن المسؤولين الأمنيين أرسلوا رسالة مباشرة إلى المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، مطالبين فيها بإيجاد حل لتهدئة الشارع الغاضب بدلاً من لجوء البرلمان والحكومة إلى زيادة تعقيد الأمور".
فيما يخص التقارير الأمنية التي أرسلها قادة الشرطة الإيرانية إلى مكتب المرشد الأعلى، يقول مصدر أمني لـ"عربي بوست": "شرحنا للمرشد الأعلى خطورة الأمور الحالية، وحالة الغليان التي تزداد يومياً".
وقال المتحدث إن "الأمر غير متعلق بعودة دوريات الإرشاد أو قانون البرلمان للحجاب فقط، ولكن هناك عوامل أخرى مثل الوضع الاقتصادي الصعب، وإهمال الحكومة لكثير من الملفات التي تخص وضع معيشة الناس، مثل أزمة نقص المياه".
كما أضاف المصدر ذاته، أن هناك قلقاً كبيراً داخل المؤسسة الشرطية الإيرانية من رفض بعض الضباط والجنود لمواجهة المتظاهرين مرة أخرى، فالاحتجاجات الأخيرة كانت صعبة للغاية، ولا يستطيع أحد إنكار ذلك.
وأشار المتحدث إلى أن 70% من الضباط والجنود يرفضون مواجهة المتظاهرين إذا "اندلعت الاحتجاجات مرة أخرى، وقد أخبرنا المرشد الأعلى بهذا الأمر وخطورته في التقارير الأمنية التي تم تقديمها لمكتبه".
قلق الحرس الثوري قبل ذكرى وفاة مهسى أميني
لم يكن قادة الشرطة الإيرانية هم فقط القلقين من انفجار الوضع في أية لحظة، بل وصل الأمر إلى قادة الحرس الثوري الإيراني، وبالأخص قادة "الباسيج" المنظمة شبه العسكرية التابعة للحرس، والتي يقوم أساسها على المتطوعين المدنيين، ويتم استخدام بشكل كبير للغاية في قمع الاحتجاجات.
في هذا الصدد، يقول مصدر مقرب من قوات الباسيج لـ"عربي بوست"، مفضلاً ذكر اسمه: "خلال الأيام القليلة الماضية، اجتمع قائد قوات الباسيج بعناصر الباسيج من الطلاب بالتحديد، لإطلاعهم على الخطر المتوقع مع اقتراب ذكرى مهسا أميني".
وأضاف المصدر ذاته قائلاً: "كان الاجتماع سرياً، دون علم الصحافة، وطلب السيد مصطفى رستمي قائد قوات الباسيج من العناصر التصدي بكل قوتهم لمنع المحتجين من إحياء ذكرى مهسا أميني".
وبحسب المصدر المقرب من قوات الباسيج، فإن هذا الاجتماع -بما فيه التأكيد على ضرورة مواجهة عناصر الباسيج للمحتجين المحتملين- جاء بعد اجتماع مع كبار قادة الحرس الثوري، الذين أعربوا عن قلقهم من اندلاع الاحتجاجات مرة أخرى.
فيما يخص اجتماع قادة الحرس الثوري، يقول مصدر صحفي مقرب من الحرس الثوري الإيراني، لـ"عربي بوست": "هناك عدد كبير من قادة الحرس الثوري غير راضين عن طريقة تعامل الحكومة وقائد الشرطة مع الوضع بعد الاحتجاجات الأخيرة، بعد مقتل مهسا أميني".
وأشار مصدر "عربي بوست" إلى أن قادة الحرس الثوري رفضوا عودة دوريات الإرشاد إلى شوارع إيران، وحذروا من أن الاحتجاجات السابقة كانت عنيفة وهددت النظام بشكل كبير".
تجدر الاشارة هنا، إلى أن قائد قوى الأمن الداخلي، أحمد رضا رادان الذي عينه المرشد الأعلى الإيراني في أثناء الاحتجاجات التي أعقبت مقتل مسها أميني العام الماضي، كان قائداً سابقاً في الحرس الثوري الإيراني، ويُعرف عنه تشدده، خاصة فيما يتعلق بمسألة تطبيق قانون الحجاب الإلزامي.
في هذا الصدد، يقول مسؤول حكومي مقرب من وزير الداخلية الإيراني، أحمد وحيدي لـ"عربي بوست": "القائد العام للشرطة السابق، حسين اشتري، قد حذّر المرشد الأعلى من خطورة الاحتجاجات الأخيرة، وطلب منه إجراء بعض الإصلاحات لتهدئة الشارع، وضمان عدم اندلاع الاحتجاجات، لكن لم يتلقّ أية إجابة، بل تم انتقاده بزعم عدم قدرته على توجيه عناصر الشرطة لقمع الاحتجاجات بشكل سريع؛ ما دفعه لتقديم استقالته".
ويضيف المصدر ذاته قائلاً: "جاء تعيين أحمد رادان ليزيد الطين بلة، فالرجل كان له دور كبير ومباشر في عودة دوريات الإرشاد إلى العمل مرة أخرى".
اعتقالات طالت حتى مقربين من النظام
على ضوء هذه الخلفية، كانت هناك حملات اعتقال موسعة ضد النشطاء السياسيين والصحفيين، وأهالي ضحايا الاحتجاجات الأخيرة، بسبب انتقادهم للوضع الذي وصلت له البلاد، سواء اجتماعياً أم اقتصادياً.
يقول صحفي إيراني إصلاحي، وعلى اتصال بدوائر النشطاء السياسيين، لـ"عربي بوست": "كان هناك اجتماع تم عقده اليومين الماضيين ضم نشطاء سياسيين وأهالي ضحايا الاحتجاجات، ووالد مهسا أميني، لمناقشة إحياء ذكرى أميني والاحتجاج مجدداً، خاصة أن الأمور لم يتم حلها، بل الحكومة زادت من عنادها، لكن الشرطة هاجمت الاجتماع واعتقلت الكثيرين".
وبحسب المصدر ذاته، فإنه من غير المتوقع أن يتم الإفراج عن المعتقلين في وقت قريب قائلاً: "يتم التضييق على عملنا كصحفيين في الآونة الأخيرة، تم منع الصحفيين الإصلاحيين من حضور المؤتمرات الصحفية لقيادات الشرطة أو الباسيج، وتم منعنا في كثير من الأحيان من استكمال تقاريرنا الميدانية".
كما أشار الصحفي الإصلاحي المقيم بالعاصمة الإيرانية طهران، إلى أن الاعتقالات طالت مقربين من النظام خلال مراسم إحياء ذكرى كربلاء في الفترة الأخيرة، انتُقد نشطاء أصوليون ومقربون من النظام؛ فهم في العادة ما يكونون داعمين للحكومة والمؤسسة السياسية في كل شيء".
وبحسب المصدر ذاته فإن "كل من انتقد المؤسسة السياسية في مراسم عاشوراء تم اعتقاله، وهذا الأمر مثير للدهشة، فجأة أصبح بعض الداعمين للنظام، وهم من المتدينين أيضاً، ينتقدون تعامل الحكومة مع مسألة الحجاب والوضع الاقتصادي في أكثر المناسبات الدينية حساسية وأهمية في البلاد، والأغرب أن دعمه المستمر للنظام لم يكن شفيعاً لهم، وتم اعتقال المئات منهم".
يقول المسؤول الشرطي لـ"عربي بوست": "ننتظر تدخل المرشد الأعلى لحل المأزق الذي تمر به البلاد، لابد أن يكون هناك صوت حكيم لعدم تكرار أخطاء الماضي، لن تتحمل البلاد احتجاجات أخرى، والعناد مع الجماهير لن يجلب إلا انهيار النظام، وهذا ما لا يريده أحد".